الاتجاهات المعاصرة حول التكامل بين إعداد المعلمين قبل الخدمة وتنميتهم مهنيًا
بدأ مفهوم التربية المستمرة في أواخر الستينات وأوائل
السبعينات من القرن العشرين يدعم فكرة التخطيط المتكامل، وفي أوائل السبعينات أوصت المؤتمرات واللقاءات التربوية باتخاذ التدابير على مختلف الأصعدة القانونية، والمهنية، والنقابية، والاجتماعية، للتخفيف تدريجيًا والقضاء نهائيًا على المفارقات الموجودة بدون وجه حق في التسرب الإرادي لمختلف فئات المعلمين، وإعادة النظر بشكل جذري في شروط إعداد المعلمين، بحيث يبدأ الإعداد بمرحلة أولية
"قبل الخدمة"
ويستمر طيلة الحياة العملية في صورة دورات للتطوير والتجديد
المستمرين(حمود، ١٩٨٨) وبناء عليه، أصبح الاتجاه إلى نظام موحد لتكوين المعلم يجمع في ثناياه النظم التقليدية
مثل نظام قبول المعلم إلى مؤسسات الإعداد، ونظام الإعداد، ونظام التدريب، وإضافة إلى هذه النظم، هناك اتجاه لإدخال نظامين جديدين، الأول: نظام التهيئة للممارسة العملية، وهذا يأتي بعد نظام الإعداد، ويكون على غرار نظام التفرغ للممارسة الفعلية للأطباء في المستشفى قبل الخروج للحياة العملية، فقد بدأ اتجاه في أوروبا إلى تأسيس ما أسموه
"مدارس التطوير المهني" وتؤدي هذه المدارس بالنسبة للمعلم المبتدئ الوظيفة نفسها التي يؤديها في المستشفى التعليمي بالنسبة للطبيب المبتدئ، والثاني: نظام التعليم المستمر مدى الحياة المهنية، ويدخل البعض في هذا النظام
"التعليم الذاتي" (شوق، و مالك، ١٩٩٥) ولأهمية هذا الاتجاه يذكر ( الحمادي ، ١٩٩٦( أن الدرجة العلمية أو الخبرة السابقة
التي يحصل عليها المعلمون في ظل عصر المعلومات والانفجار المعرفي لا تكون نهاية المطاف، ولكن لابد أن يتبعها تدريب مستمر أثناء الخدمة، بهدف الارتفاع بمستوى الأداء في عصر يعد الإتقان فيه أهم سماته، إضافة إلى تطور المعرفة وتجددها وتراكمها . ويحدد ( جبرائيل ، ١٩٨٣) أزمة الازدواجية في إعداد المعلم وتدريبه بقوله "إنه لا يمكن بأية حال من الأحوال أن نفصل بين إعداد المعلم وتدريبه، فكلاهما وجهان لعملة واحدة هي عملية تكوين المعلم. ويتساءل: إن هذا الاتجاه يستدعي التفكير جديًا في الإجابة عن السؤال حول ما إذا كان هناك برنامج لإعداد المعلم وآخر لتدريبه؟ أم هناك برنامج واحد للتكوين؟ وبتوضيح أكثر هل على مخططي مناهج إعداد المعلمين وواضعيها أن يضعوا في اعتبارهم ضرورة تضمين المنهج جميع الخبرات التي يتطلبها تكوين المعلم، وبهذا تصبح مناهج الإعداد والتدريب منهجًا واحدًا متكام ً لا، يكتسب الطالب/ المعلم جزءًا من خبراته في فترة الإعداد، بينما يكتسب القسم الآخر أثناء الخدمة، على أن يجري ذلك في إطار مؤسسة واحدة هي مؤسسة تكوين المعلم(جبرائيل ، ١٩٨٦)
ومن هنا يتضح أن هذا الاتجاه ظهر بسبب التطورات المعاصرة في التدفق المعرفي والتكنولوجي، وأن برامج إعداد المعلم داخل الكليات لم تعد كافية لإعداده للممارسات المهنية بنجاح
وفي ذلك يذكر مدير المركز الأوروبي لتنمية المعلمين في Svatopluk petracek.
تقرير عن تربية المعلم في أوروبا:
"إن أحد الاتجاهات التي ظهرت بسبب الحاجة إلى التطبيق
الفوري للتجديدات في العملية التعليمية بناء على المتغيرات المستجدة، أن إعداد المعلم ينبغي أن تكون عملية مستمرة متكاملة، تبدأ باختبار العناصر المناسبة لمهنة التدريس وصولا على تدريب المعلم، ومتوجة ببرنامج منظم للتدريب في أثناء الخدمة طيلة مدة تدريس المعلم، ومن ثم فإن مفهوم إعداد المعلم وتدريبه يؤسس على فكرة التعليم مدى الحياة )شوق ومالك، ٢٠٠٢ ) وقد تبنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم هذا الاتجاه حينما قررت عن طريق مؤتمراتها أن تكون عملية الإعداد قبل الخدمة والتدريب في أثنائها عملية مستمرة مادام المعلم قائمًا بالعمل في الميدان.وهنا يأتي مفهوم تكوين المعلم ليعني ك ً لا من الإعداد قبل الخدمة والتدريب في أثنائها، كما يعني في نفس الوقت الاستمرار، فالتكوين هنا كالنمو، وتأسيسًا على ذلك فإن عملية تكوين المعلم تبدأ في مؤسسات التكوين قبل الخدمة وتستمر في أثنائها. وكنتيجة للتطورات المعاصرة في التدفق المعرفي والتكنولوجي والحاجة إلى استثمار التعليم استثمارًا فوريًا، ينبغي أن تأخذ مؤسسات تكوين المعلم بهذا الاتجاه للمبررات التالية :
١ - يجعل برامج الإعداد متطورة ومتغيرة، ومرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالواقع، من خلال تأثرها بالمشكلات الميدانية
التي تتطلب حلو ً لا لها أثناء الخدمة من جهة، وبالتغيرات الحضارية والثقافية والعلمية والتكنولوجية التي تحدث في المجتمع من ناحية أخرى، علاوة على أن تكون برامج التدريب انعكاسًا لبرامج وأساليب الإعداد قبل الخدمة.
٢ - يوحد النظرة الفلسفية إلى صناعة المعلمين، عوضًا عن الكلام في فلسفة للإعداد وأخرى للتدريب، وعن تمهين للإعداد للتدريب، مما يزيد في الفصل بين العمليتين، وبذلك تضمن ربط عملية تكوين المعلم قبل الخدمة بعملية التكوين أثناءها، ويصبح التدريب أثناء الخدمة جزءًا من عملية تكوين متكاملة مستمرة قبل الخدمة.
٣ - يجعل من مبدأ التعلم الذاتي محورًا أساسًا لتنظيم الخبرات العلمية التي يتضمنها المنهج، وبهذا ننقل للطالب/ المعلم إمكانيات التربية المستمرة، والنمو المتكامل، وهذا يستدعي تحقيق التوازن بين الجوانب النظرية والعملية، والحفاظ على مرونة المنهج، والتأكيد على مقومات النمو المهني القائم على النشاط الذاتي، وذلك من خلال استخدام الطالب / المعلم للأساليب الحديثة من تعليم مصغر، وتعليم مبرمج، وبرامج كمبيوتر، وغيره، مما يثري من كفاية الطالب، ويكسبه مهارات تهيئ له الجو المناسب لتعلم ذاتي، ويحقق له التغذية الراجعة المستمرة التي تضمن له النمو المهني المستمر"
(جبرائيل ، ١٩٨٦)
إرسال تعليق