حسن تلاوة القرآن : إذا قرأ
القارئ فيه دعاء دعا به، وإن قرأ تهديدًا أو عذابًا استعاذ
بالله منه، وإن قرأ آيات تدل على عظمة الله خشع قلبه
،
واغرورقت
عيناه بالدموع، وهؤلاء الذين يعملون بتعاليم القرآن، بعد أن يرقق قلوبهم قد وصفهم الله تعالى بقوله:
{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ
أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ
فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ} (البقرة: 121)، وقال سبحانه: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ
جَنَّتَان} (الرحمن:
46).
ولم يكتف القرآن بتربية العواطف
المنظمة بل يربي أيضًا العواطف المرغبة
التي تربي
الأمل والإقبال على العمل الصالح، ومحبة الله تعالى:
{وَمِنْ
النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ
أَندَادًا
يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّه} (البقرة: 165) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ
يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ
يُجَاهِدُونَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}
(المائدة: 54).
وقد بين الله في هذه الآية بعض الآثار
العملية لمحبة الله، من تذلل للمؤمنين، وإظهار للعزة في
وجه الكافرين، والجهاد في سبيل الله، وهكذا نجد في حسن
تلاوة القرآن
بقصد التربية بالقرآن أنه يمكن تربية العقل على حسن التفكير وتأمل آثار عظمة الله، وتربية المشاعر والعواطف بالخوف من الله
والخشوع له وتعظيمه وتقديسه.
تربية السلوك بالقرآن فقد علمنا ذلك
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان له أذكار وأدعية
من القرآن، يتلوا بعضها ويدعو ببعضها في مناسبات معينة،
فإذا استيقظ
من نومه نظر في السماء وتلا قوله تعالى:
{إِنَّ فِي
خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ
لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي
خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا
خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ
النَّارِ} (آل عمران: 190، 191).
وإذا آوى إلى فراشه تذكر قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا
الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ
مُسَمًّى} (الزمر: 42) فدعا بهذا الدعاء ((اللهم إن أمسكت نفسي
فارحمها؛ وإن أرسلتها فاحفظها
بما حفظت عبادك الصالحين)).
وفي القرآن آداب سلوكية عظيمة تعلمنا:
غض البصر، والغض من الصوت، والقصد في المشي، وبر
الوالدين، والتواضع للمسلمين، وعدم انتهار الأيتام، وإخفاء
الصدقات وعدم
إبطالها بالمن والأذى، وكثيرًا كثيرًا مما لا يحصى في هذا
المقام.
رابعًا : الإيمان بالرسل ، ودلالته
التربوية : من حكمة الله تعالى ورحمته بالناس أنه لم يتركهم لفطرتهم وحدها ،
كما
ترك خلقًا
آخر، وإنما أنعم عليهم بمن يدلهم على الطريق، ويبين لهم سبل الطاعة، ومعالم الصواب والخطأ، وأنبياء الله ورسله -عليهم السلام- هم
الذين اصطفاهم الله من بين الناس؛ ليكونوا الداعين
إلى الله مبشرين ومنذرين.
ولا نعلم عدد الرسل الذين اصطفاهم
للدعوة إلى دينه، فالقرآن الكريم قص علينا نبأ وأحوال بعضهم مع
قومهم، ولم يقص علينا نبأ آخرين، وقد ختم الله رسله
برسوله الخاتم
إلى الناس جميعًا محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي اصطفاه ربه من بين خلقه، وأدبه فأحسن تأديبه، وأحاطه برعايته؛ ليكون داعيًا إلى
الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وليكون رحمة
للعالمين للبشر جميعًا حيثما كانوا في كل أرض، وللجن أينما
كانوا من بعثه
إلى يوم القيامة.
وبعد أن أتم الله رسالاته بالرسالة
الخاتمة المنزلة على محمد -صلى الله عليه وسلم- لا حجة لأحد: {لئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ
حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (النساء: 165)
إرسال تعليق