الإيمان بالكتب ، وأثره التربوي : اقتضت حكمة الله -سبحانه وتعالى- أن يُنزل كتبه على رسله ؛ ليكون ذلك تنظيمًا لحياتهم ،

وللمؤمنين برسالتهم، وتذكرة لهم ولمن بعدهم، فلا تكون مبادئ الدين معتمدة على المشافهة وحدها، وإنما تسجلها أقلام الخلق، عن رسل الحق؛ فآتى الله -عز وجل- داود الزبور، وأنزل الصحف الأولى على إبراهيم، وأنزل التوراة على موسى، وأنزل الإنجيل على عيسى، وختم -سبحانه وتعالى- كتبه فأنزل القرآن الكريم، على خاتم رسله وأحبهم إلى ربه محمد -صلى الله عليه وسلم.

ومن حكمة الله -تعالى- أن شرع في هذه الكتب لكل أمة ما يناسبها من الأحكام والتشريعات، وكان خاتم هذه الكتب القرآن الكريم مناسبًا لجميع الناس في كل زمان ومكان إلى يوم القيامة، وللإيمان بالكتب المنزلة على رسل الله آثار تربوية منها:

أ - شكر الله على نعمه والاهتداء بهديه تعالى، والبحث عما يسعد الناس دنيا وأخرى في الكتاب الخاتم المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- لأنه يحوي كل ما يهم الخلق ويحل مشكلاتهم، ويهديهم إلى الأقوم من كل شيء فهو الرحمة والشفاء لما في الصدور، وهو الحق المطلق، من اعتصم به هدي إلى الصراط المستقيم.

ب - يوضح لنا نزول الكتب من الله على مراحل، حكمة الخالق -عز وجل- في علاج البشرية من أمراضها ومفاسدها، علاجًا تربويًّا يناسب المرحلة التي تمر بها، حتى إذا استقام العقل البشري ونضج، وتهيأ لقبول القرآن الكريم خاتمًا لكتب الله، ودستورًا إلى يوم القيامة.

وفي هذا بيان لحكمة الله في التطور والتدرج بالتكاليف والخطاب، حسب الاستعدادات والقدرات البشرية التي نضجت واكتملت؛ فأنزل الله القرآن الكريم.

ج - نزول الكتب السماوية وختمها بالقرآن الكريم، يبين لنا أن في كتاب الله من الأسرار والعطاء ما تفهمه البشرية وتستفيد به في كل عصر، وقد أتم الله دينه في القرآن الكريم، المنزل على رسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو الكتاب الهادي إلى الله في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة، ومع اختلاف الناس في كل عصر في المصالح والمعارف والطموحات؛ إلا أنهم في اهتدائهم بالقرآن الكريم يجدون فيه الحل الأمثل لمشكلاتهم والملاذ لهم من شرور حياتهم.

د - القرآن الكريم الذي تحدى الله به الإنس والجن أن يأتوا بمثله، أو بصورة من مثله فعجزوا، والذي تكفل الله بحفظه دون الكتب السابقة عليه، هو حجة الله البالغة على خلقه، فمن طلب الهدى في غيره ضل ومن حكم غيره في مشكلات الحياة ذل؛ لأنه هدي الله للإنسان في سائر شئونه، يكفل له سعادة الدارين {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون} (البقرة: 38).

ويقول تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (الإسراء: 9).

هـ - يربي القرآن الكريم الإنسان تربية شاملة متكاملة؛ فينمي روح الإنسان بالعبادة وقراءة القرآن، ويربي العقل بالعلم والمعرفة، والتأمل في ملكوت الله، ويربي الجسم بالغذاء والرياضة والعبادة، وينمي سائر القدرات البشرية كما يربي العواطف الربانية في الإنسان؛ فلا تتحرك إلا لله وبما يرضي الله.

و - التروي والتأني وعدم التسرع في الفهم، أو الحكم والتعليم، وتثبيت القلب بالتدرج في الفهم قال تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا} (الإسراء: 106).

وقال -سبحانه وتعالى-: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِه} (القيامة: 16).

وقال: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلً} (الفرقان: 32).

ز - تعويد اللسان على الفصاحة والبيان، وهذا معروف لدى كل مشتغل بالقرآن؛ فهو بإعجازه وفصاحته يطبع قلب الإنسان على حسن البيان، والأسلوب اللغوي المبين، فيصبح واضح القصد موضحًا لمراده، ومع ذلك فهناك إشارات إلى فصاحة القرآن وبيانه، مثل قوله تعالى: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} (الزخرف: 1-2).

وقوله تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُون} (العنكبوت: 49).

وقال سبحانه: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِين} (النحل: 103).

حـ - تربية العواطف الربانية من خوف وخشوع ورغبة ورهبة، وترقيق للقلب والمشاعر: فالقرآن ما يزال دائمًا يوقظ هذه العواطف، وقد يصف آثارها عند من يتلون القرآن حق تلاوته قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} (الزمر: 23).

Post a Comment

أحدث أقدم