الإيمان باليوم الآخر : إن النتيجة
الطبيعية لنظرة الإسلام إلى الكون والحياة، هي الإيمان
بالحياة
الآخرة ؛ فالدنيا مرحلة مؤقتة،
والكون كله ما خلقه الله عبثًا، بل خلقه إلى أجل مكتوب عنده.
فإذا انتهى أجل الكون والإنسان والحياة
البشرية كلها، أفنى الله هذا الكون، وأنهى الحياة
القائمة عليه، وأهلك كل شيء فيه، ثم يخلق عالم آخر غير هذا
العالم، له
نظام ومقومات تختلف عن نظام هذا الكون، وحياة أبدية لا موت بعدها، ليقدر الله أعمال العباد، ويزنها بالقسطاس المستقيم: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ} (الأعراف: 8، 9).
ويومئذ لا يخفى شيء من نوايا البشر
وأعمالهم، حيث تشهد عليهم أيديهم وأرجلهم، وينشغل كل امرئ
بنفسه: {يَوْمَ
يَفِرُّ
الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (عبس: 34 - 37) ويومئذ لا تنفع الشفاعة، ولا يقبل من أحد عدل ولا
ينفع مال ولا بنون: إلا من أتى اللَّه
بقلب سليم من شوائب الشرك.
ويومئذ يتجلى العدل الإلهي حين يضع
الله الموازين القسط، فإذا انقضى الحساب تجلت رحمة الله على
عباده المؤمنين؛ فيدخلهم الجنة خالدين فيها، ويتجلى غضبه
على الكافرين
الجاحدين، الذين يدعون إلى جنهم دعا خالدين فيها.
النتائج التربوية للإيمان باليوم الآخر
:
1- تربية الشعور الحقيقي بالمسئولية :
يلاحظ من وجهة النظر التربوية أن الإيمان باليوم الآخر هو
الوازع والدافع الحقيقي الذي يكمن وراء الشعور بالمسئولية
الجدية الحقة،
وألا شعور بالمسئولية حقًّا بدون هذا الإيمان، ولذلك لاحظنا أن ميزة التشريع الإسلامي، تكمن في تقبل الناس له بطواعية، ودون حاجة في
كثير من الأحيان إلى استعمال السياط، وأقصى
العقوبات.
ودون أي تهرب أو احتيال على هذا
القانون الإلهي، ما دام الملائكة الحفظة يكتبون، وما دام يوم
الحساب والجزاء ينتظرنا بالمرصاد، فكل من ربي تربية
إسلامية يشعر
بتمام المسئولية عن كل أعماله،
خوفًا من الوقوف للحساب بين يدي الخالق في يوم تشخص فيه الأبصار.
2- تحقيق الأخلاق الفاضلة المطلقة في
سلوكنا ، وحياتنا، تحقيقًا فعليًّا مستمرًا، ثابتًا غير متقلب،
بلا نفاق ولا رياء، لا يكون إلا نتيجة للإيمان باليوم
الآخر؛ فالحلم
والأناة، والتضحية والصبر على الشدائد، والسمو بالنفس عن الدناءات، كل ذلك يتحلى به المؤمن؛ لأنه ينتظر جزاءه عند الله، لا عند
المجتمع ولا عند الناس، ويوم الجزاء آت لا ريب فيه
في موعده الذي قدر الله له لا يتزحزح؛ لذلك فإن أخلاق
المؤمن ثابتة
لا يزعزعها شيء من أعراض الحياة الزائلة.
3- وكذلك انضباط جميع الدوافع والغرائز
والتحكم في هذه القوى الغريزية الجامحة، إنما يتم خوفًا من
الله وطمعًا في جنته.
4- إيثار الآخرة على الدنيا والصبر على
الشدائد ، على أن مغريات الحياة الدنيا، وما يقابلها من
المصائب والشدائد التي تصيب الأفاضل المثاليين، يكيدها لهم
أتباع
الشياطين، لا علاج لها إلا ما يربيه القرآن في نفوسنا من إيثار الآخرة على الدنيا.
فنساء رسول الله وهن فضليات النساء
اجتمعن ليطالبن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن يمتعهن
بزينة الحياة الدنيا وغناها، كما تتمتع نساء الملوك؛ فنزل
فيهن قوله
تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ
أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ
كُنْتُنَّ
تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمً} (الأحزاب: 28، 29).
فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة
وبقين في كنف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصبرن على شظف العيش،
وقال سبحانه {بَلْ تُؤْثِرُونَ
الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ
وَأَبْقَى} (الأعلى: 16، 17).
إرسال تعليق