تربية العقل على الفطرة السلمية : وذلك أن كل إنسان يفكر في هذا الكون بدون تحيز إلى أهواءه يصل إلى النتائج التالية :
أ - أن كل ما في الكون من حياة وموت ،
وفناء أو ضعف تدريجي للطاقات وتغير ، وأفول وشروق ؛ يدل
على أنه صائر إلى الزوال ، ومسير بغير
إرادته .
ب - وأن هذا الإنسان الذي يقضي عمره في
كدح وجد، وخصومة ونزال مع المجتمع، وهو يتمتع بالعقل
والتمييز بين الخير والشر، إذا به يموت ويفقد كل حركة أو
حياة، ومن
الناس ظالم ومحسن، وصالح وطالح؛ فهل يسوي ذلك كله، وهل تكون أعمال الناس إلى فناء، من غير تمييز بين المحسن والمسيء؛ إن العقل الصحيح
والفترة السليمة لا تستسيغان ذلك ولا تستسيغان
أن يكون هذا الكون المنظم البديع مصيره إلى الفناء بغير
هدف ولا غاية.
ج - فالكون الذي يدل على خالق مبدع
حكيم يدل على أن وراء وجوده غاية من أجلها أوجده الله، وهذه
النتيجة يتوصل إليها العقل بفطرته.
د - وبالقياس المنطقي على خلق الله
لهذا الكون، الإنسان يستلزم العقل الصحيح الخالي عن التحيز
للهوى، أن الذي خلق الكون أول مرة قادرًا على إعادته خلقًا
جديدًا، وكذلك
الذي خلق الإنسان.
هذه السلسلة من التفكير كل حلقة منها
مرتبطة بسابقتها، هي التي بنى
عليها القرآن أدلته على
وجود الله، ثم على اليوم الآخر والبعث والنشور.
والتربية الإسلامية تنمي عقل الإنسان
دائمًا على هذا التفكير السليم، والارتباط المنطقي بين
المقدمات والنتائج، كما تربيه على ألا يستسيغ العبث وانعدام
الغاية،
والخضوع للمصادفة، فكل ذلك ليس من الفطرة العقلية السليمة في شيء، والله لا يرضى لنا أن يكون عقلنا معوجًا سقيمًا؛ لذلك قال: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ
الْكُفْر}؛ لأن الكفر
بوجود الله وباليوم الآخر معناه خضوع العقل للعبث
والمصادفة، وعدم التعليل الصحيح.
إرسال تعليق