إن لذكر اله أثر عظيم في تربية الذات وتحريك الضمير لأن دوام ذكره تعالى يربي في النفس مقام مراقبة الله في السلوك والتصرفات ، قال تعالى { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون } [ الأنفال : 2 ] وإنه ما من شك في أن اتخاذ ذكر الله بجميع أنواعه أسلوبا في حياة الفرد يعد من أنجح الأساليب في التربية الذاتية ، بالإضافة إلى أهمية هذا الأسلوب في تربية الأمة ، ومن لا يتخذ هذا الأسلوب فسيدع مجالا لشياطين الإنس والجن وأعوانهما كي تذكر وتنشر ، ومن ثم سيصير ـ والعياذ بالله ـ من الذين ذمهم الله تعالى فقال فيه : { وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون } [ الزمر : 45 ]، وقال تعالى : { ومن يغش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين } [ الزخرف : 36 ]
وقد حث المصطفى صلى الله عليه وسلم على مداومة الذكر في أحاديث كثيرة ، عن معاذ ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا : بلى ، قال : ذكر الله تعالى [ الترمذي : 5/428 ]
وعن معاذ أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما عمل آدمي عملا قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله  [ أحمد : 5/239 وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 5520 ]
وبين العلامة الجهبذ ابن القيم أن للذكر نحوا من مائة فائدة ، وينصح الباحث كل مهتم بتربية نفسه أن يراجع تلك الفوائد فإن فيها نفائس جمة ودررا عظيمة لا تكاد توجد عند غيره ، ومن ذلك أنه أورد روايات وأقوالا عدة عن سلف هذه الأمة في بيان أثر هذا الذكر على نفوسهم وأرواحهم ، قال رحمه الله : وحضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار ثم التفت إلي وقال : هذه غدوتي ولو لم اتغذ هذا الغذاء سقطت قوتي ... ، وقال لي مرة : لا أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي وإراحتها لأستعد بتلك الراحة لذكر آخر ، ... ، وسمعت شيخ الإسلام يقول : إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة ، ...وقال أيضا : ما يصنع أعدائي بي ؟ أنا جنتي وبستاني في صدري إن رحت فهي معي لا تفارقني إن حبسي خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة(1)
ومن الأقوال العظيمة في هذا الباب قول أحدهم : لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف ، وقال آخر : مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها ، محبة الله تعالى ومعرفته وذكره(2)
وشكا رجل للحسن البصري قسوة قلبه فقال أدبه بالذكر (3)
ونختم بما قاله ابن القيم عن أثر الذكر في التربية الذاتية ، قال رحمه الله : ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما وجلاؤه بالذكر فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء فإذا ترك الذكر صدئ فإذا ذكره جلاه ، وصدأ القلب بأمرين : بالغفلة والذنب وجلاؤه بشيئين : بالاستغفار والذكر(4)
وفي ذكر الله بجميع أنواعه تكثير للحسنات ورفع للدرجات ، وهذا ما يسعى إليه العبد من تربية ذاته


(1) الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب : ابن قيم الجوزية ، تحقيق وتخريج / بشير عيون دمشق دار البيان ، 1406 هـ ، ص 85 ـ96
(2) المرجع السابق : ص 97
(3) المرجع السابق : ص 142

Post a Comment

أحدث أقدم