الخير الذي يناله المتصل بكتاب الله والرفعة التي يحظى بها في الدنيا والآخرة ، هي من بركات التوفيق لتربية الذات وتزكيتها
ومن شرع في القرآن فليكن شأنه الخشوع والتدبر والبكاء فبذلك تنشرح الصدور وتستنير القلوب وتسمو الأرواح ، ولكي يحظى قارئ القرآن بالتسديد والتوفيق والقبول ينبغي أن يتحلى بآدابه فلا يهذه كهذ الشعر ولا يسرح بخياله أثناء قراءته ولا يكن همه لآخر السورة ، وإنما يقف متدبرا لمعانيه متفكرا في وعده ووعيده عاملا بأوامره منتهيا عن نواهيه ، وهذا لا يتنافى مع الندب إلى الإكثار من تلاوة القرآن والمحافظة على ذلك
ولحرص السلف رضوان الله عليهم على تربية ذواتهم بقراءة القرآن وتدبره ، فقد كانت لهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون به ، فروي أنهم كانوا يختمون في كل شهرين ختمة واحدة ، وروي عن بعضهم في كل شهر ختمة ، وعن بعضهم في كل عشر ليال ختمة ، أو في كل ثمان ليال ، ومنهم من زاد على ذلك أو أنقص(1)
كما استحب العلماء أن يختم القارئ في السنة مرتين على الأقل وذلك قياسا على أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض القرآن مرتين على جبريل عليه السلام في السنة التي قبض فيها(2)
ولكن الأولى من هذا أن يقال أن مقدار القراءة يعتمد على حال كل شخص بذاته ، يقول الإمام النووي ـ رحمه الله ـ : المختار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص ،فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر يحصل له معه كمال فهم ما يقرأ وكذلك من كان مشغولا بنشر العلم أو فصل الحكومات أو غير ذلك من مهمات الدين والمصالح العامة فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له ولا فوات كماله ، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل أو الهذرمة في القراءة (1)
والقصد من إيراد من قول النووي بيان أن تربية النفس بقراءة القرآن لا تكون بكثرة القراءة فقط ولكن قد تحصل التربية الذاتية بقراءة آيات قليلة مع تدبر معانيها واستخراج كنوزها ، ويمكن للقارئ أن يحرز ذلك بسؤال أهل العلم أو بالرجوع إلى التفاسير المعتمدة لدى أهل السنة والجماعة


(1) التبيان في آداب حملة القرآن : النووي ، مكتبة دار البيان ، دمشق ، 1405 هـ، ص 46
(2) الإتقان في علوم القرآن : جلال الدين عبد الرحمن السيوطي ، بيروت ، دار المعرفة ، الطبعة الرابعة ، 1398هـ ، جزءان، ص 138
(1) التبيان في آداب حملة القرآن : مرجع سابق ، ص 48

Post a Comment

أحدث أقدم