الإيمان بالملائكة ، وأثره التربوي : نؤمن بملائكة الله تعالى وأنهم عباد مكرمون ، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ،

وهم ذوو مهام متعددة، فمنهم حملة العرش، ومنهم القائمون على شئون العباد في الأرزاق وغيرها، ومنهم المصاحبون للإنسان في كل وقت: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد} (ق: 18).

ومنهم الذين يستغفرون للذين آمنوا ويدعون لهم بالرحمة: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (غافر: 7 - 9).

ومن الملائكة أصحاب النار الغلاظ الشداد، ومنهم جبريل الأمين الذي نزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غار حراء بأول آيات الكتاب الكريم، ثم استمر ينزل بآيات الله إلى أن أكمل الله دينه على عبده ورسوله خاتم النبيين محمد -صلى الله عليه وسلم-.

والملائكة مفطورون على الطاعة لله والاستغفار الدائم: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون} (التحريم: 6) وهم على غير ما خلق الله البشر في الاحتياج والسعي؛ فلا يشربون ولا يأكلون، ولا يتناسلون، ولا يسعون سعي البشر؛ لكنهم يتفقون مع البشر ومع كل الخلق في العبودية لله وحده، والتسبيح بحمده، والخضوع الدائم له، والإقرار له -عز وجل- بأنه مالك الملك بيده الأمر كله وأنه سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} (الشورى: 11).

وأنه -عز وجل- أحد صمد: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (الإخلاص: 3، 4).
وللإيمان بالملائكة آثار تربوية ، منها :
أ - يقودنا الإيمان بالملائكة إلى إدراك حكمة المولى -عز وجل-في تنوع الخلق وتنوع المهام المرتبط المرتبطة بكل نوع من مخلوقاته تعالى؛ فللملائكة مهام، وللجن أخرى، وللإنسان الخلافة في الأرض، وكلهم عبيد لله مع تفاوت أقدارهم ومهامهم.

وهذا يدفعنا إلى محاولة فهم أسرار التفاوت والاختلاف بين بني الإنسان، والحكمة العليا التي تتفق والخلافة في الأرض، وأهمية تعدد الخبرات والاختصاصات بتعدد الاستعدادات والقدرات التي خلقها الله في الإنسان، وواجب الإنسان في تنميتها وتربيتها.

ب - يعلمنا الإيمان بالملائكة والتدبر في مهامهم، كما صورها القرآن الكريم الطاعة لله والنظام والإتقان في أعمالنا، وهذه سمات كل عمل ناجح، ونحن حريصون على أن نربي أبنائنا؛ ليكونوا ناجحين في أعمالهم، وطريق ذلك الطاعة والنظام والإتقان.

ج - يشعر المؤمن بالسعادة والسرور، عندما يعلم أن من الملائكة من يستغفرون للذين آمنوا؛ فيزداد رغبة في الطاعة، وحرصًا على اجتناب المعاصي، وتمتلئ نفسه كرامة؛ لأن الملائكة يستغفرون للمؤمنين، والملائكة دائمو الطاعة فأولى بالمؤمن أن ينافسهم في العبودية والطاعة لله في ثقة وأمل.

د - يراجع المؤمن نفسه في كل عمل، قاصدًا الخير؛ لأنه يؤمن بأنه: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد} وفي هذا مسارعة إلى الأعمال الصالحة، وتوبة واستغفار من الأعمال الطالحة.

هـ - يكشف الإيمان بالملائكة عن عظمة الله وعدله؛ فهو ينظم أمور الخلق، ويحاسبهم الحساب العادل، وبكل ما يتصل بذلك إلى ملائكته، وفي هذا تربية وتعليم لنا على تحمل المسئوليات، وتنظيم الأعمال، وإسناد العمل إلى من تتوفر فيه المؤهلات اللازمة لإتقانه؛ فلا مجاملة ولا محسوبية، وإنما مراعاة للمواصفات السليمة، ومتابعة وتقويم بأمانة وعدل؛ ليكون الجزاء من جنس العمل.

فنشاط الملائكة المتعدد هو المثل الأعلى لنا في تخطيط وإدارة الأعمال، فحريٌّ بنا أن نقتدي بهم في التربية الإدارية التي تنطق بها آيات القرآن الكريم.

Post a Comment

أحدث أقدم