تأثر القانون الإداري بالفلسفة السياسية للدستور .
(أ)
  • من الناحية السياسية، أن أحكام القانون الإداري تختلف اختلافاً جوهرياً في ظل دستور قائم على التعددية الحزبية عنها في ظل دستور يتبنى نظام الحزب الواحد.. ففي ظل دستور يعتمد نظاماً سياسياً مبنياً على الأحادية الحزبية، تتجه أحكام القانون الإداري نحو سيطرة هذا الحزب الواحد على السلطة الإدارية.
  • تأتي قواعد القانون الإداري لتحمل في طياتها تقيداً شديداً لحريات الأفراد وحقوقهم، وذلك إن الغاية تكمن في هذه الحالة ، في تزويد الإدارة بكافة الأساليب الكفيلة بتحقيق وظيفتها ومهامها بغض النظر عما يترتب على ذلك من أضرار بحقوق الأفراد وحرياتهم.
  • وفي مجال الوظيفة العامة، يظهر تأثير فلسفة الحزب الواحد على طريقة شغل الوظائف العامة، حيث يشترط القانون الإداري في هذه الحالة ضرورة الانضمام إلى الحزب الحاكم، وحمل بطاقة عضوية فيه لشغل وظيفة عامة، خصوصاً إذا كانت هذه الوظيفة من وظائف الإدارة العليا.
  • كما يكفل القانون الإداري للحكومة اتخاذ ما تراه مناسباً من إجراءات لتطهير الإدارة العامة من المعارضين لها، وتقرير الفصل بغير الطريق التأديبي، وتحصينه ضد رقابة القضاء إلغاءً وتعويضاً.
  • إن فرصة الأفراد في تولي الوظيفة العامة تعتمد على طبيعة العضوية في الحزب الواحد للحاكم، فإذا كانت العضوية مفتوحة لكل مواطن أن ينضم إلى المواطنين المؤهلين فنياً في تولي الوظائف العامة والتدرج في سلم الوظائف... أما إذا كانت العضوية في الحزب مقيدة أي مقصورة على طوائف مميزة من الأفراد، فإن مبدأ التكافؤ في الفرص لا مجال لإعماله في الوظيفة العامة حيث أن الوظائف العامة تبقى حكراً لأهل الثقة دون أهل الخبرة.
  • من ناحية تنظيم الإدارة العامة، يكفل القانون الإداري سيطرة الحزب الواحد على السلطة الإدارية. (داخلياً وخارجياً)
  • يمارس الحزب رقابته النشطة والفعالة على الإدارة العامة حتى لو كان العاملون بها أعضاء فيه وللحزب إصدار قرارات ملزمة لجميع الموظفين وله السلطة الكاملة في ترقيت الموظفين ونقلهم وتوقيع الجزاءات عليهم.
  • هكذا تكرس أحكام القانون الإداري في دولة الحزب الواحد سيطرة الحزب على الإدارة العامة ولا وزن للحريات العامة وحقوق الأفراد بل المهم أن تتحقق أغراض النشاط الإداري بكل الوسائل المتاحة.
(ب)
  • أما في النظام التعددية الحزبية، فالوضع مختلف تماماً، حيث أن الإدارة العامة توجه نحو خدمة المصلحة العامة التي هي ليست بالضرورة مصلحة الحاكم.
  • تتميز الإدارة العامة في نظام التعددية الحزبية بأنها محايدة تعامل أفراد الجمهور على قدم المساواة بغض النظر إن كانوا من مؤيدي النظام أو من معارضيه (احترام حريات الأفراد وحقوقهم، بالذات الذين لا يشاركون سلطة الحكم معتقداتها وآرائها السياسية).
  • يتمتع النظام الإداري في نظام التعددية الحزبية في نظام الدولة بنوع من الاستقلالية النسبية عن النظام السياسي، وهو أمر تكفله الضمانات المقررة للموظفين العموميين إبعاداً لهم عن الصراعات الحزبية.
  • في نظام التعددية الحزبية ترد استثناءات على المبدأ العام وأول هذه الاستثناءات:-
  1. إن وظائف الإدارة العليا تبقى تحت تصرف الحكومة (التعيين للأشخاص من الحزب الحاكم لتسهيل مهمة الحكم).
  2. الاستثناء الثاني ذو طابع مؤقت، إذ يتعلق بحالة تشكيل حكومة ائتلافية، حيث تقتسم الأحزاب السياسية المؤتلفة الحقائب الوزارية فيما بينها .. وفي هذه الحالة يحصل كل حزب منها على عدد معين من الوظائف الإدارية يعين الحزب فيها أنصاره ومؤيديه.
  •  إذن نحن أمام نظامين متناقضين من حيث المبدأ إلا إنهما يؤديان إلى نتيجة واحدة ألا وهي إخضاع الإدارة العامة للحكومة وتكريس القانون الإداري لهذا الموضوع... والأمر كذلك، يتضح مدى تأثير القانون الدستوري على القانون الإداري، مما جعل البعض يقرر أن الفرق أو التفرقة بين القانونين لا تستند إلى اعتبارات منطقية، وإنما تستند إلى التقاليد الأكاديمية التي جرت على فصل دراسة القانون الإداري عن دراسة القانون الدستوري، وعلى ذلك يعرف كل من القانون الدستوري بالموضوعات التي تدرس في كل منهما دون غيرها...
إلا أن وجهة النظر هذه، بالرغم مما بها من رغبة في تبسيط الأمور لم تلق قبولاً من بعض الفقهاء الذي يفضل معالجة موضوعات القانون الإداري والقانون الدستوري تحت أسم مشترك ألا وهو القانون العام.

Post a Comment

Previous Post Next Post