نشأة
تاريخ القانون الإداري في فرنسا
أولاً: مرحلة الإدارة القاضية
ثانياً: مرحلة القضاء المقيد
ثالثاً: مرحلة القضاء البات
Ø
أولاً : مرحلة الإدارة القاضية:
- أسوأ الذكريات لرجال الثورة الفرنسية عن محاكم العهد القديم (البرلمانات) ويرجع السبب إلى كثرة تدخل هذه المحاكم في أعمال الإدارة الملكية
- أوائل القرارات التي أتخذها الثوار إلغاء هذه البرلمانات أو المحاكم وخصوصاً بعد وقوف هذه المحاكم أو البرلمانات موقف المعارضة والمعاداة من الثورة ومبادئها.
- إن سوء الظن وعدم الثقة الذي أنتقل كذلك إلى المحاكم الجديدة دعا المشرع الثوري إبعاد الإدارة ومنازعاتها عن رقابة هذه المحاكم وذلك بموجب قانون خاص بالتنظيم القضائي، مؤسساً المشرع على مبدأ الفصل بين الهيئات الإدارية والهيئات القضائية... نص القانون على أن الوظائف القضائية مستقلة وتبقى منفصلة عن الوظائف الإدارية، وعلى القضاة وإلا كانوا مرتكبين لجريمة الخيانة العظمى، أن لا يتعرضوا بأية وسيلة من الوسائل لأعمال الهيئات الإدارية، وقد فسرت هذه النصوص بالطريقة التالية.
- من ناحية، ليس لموظفي الإدارة أن يباشروا الوظيفة القضائية، كما يمتنع بالمقابل المحاكم مباشرة الوظيفة الإدارية.
- من ناحية ثانية، ليس للمحاكم أن تنظر في المنازعات الإدارية حيث إن ذلك يجعل المحاكم فرض مراقبة تصرفات الإدارة ويجعل المحاكم عليها رئاسية، وهو ما أراد المشرع بالتحديد منعه تحقيقاً لاستقلال الإدارة فكان من الطبيعي أن يترتب على ذلك الأخذ بما يسمى الإدارة القاضية ويقصد به إسناد مسألة الفصل فيما يثور بين الإدارة والأفراد من منازعات إلى الإدارة نفسها.
- لقد جمعت السلطة الإدارية، في هذه المرحلة بين صفتين : صفة الإدارة العاملة التي تمارس النشاط الإداري وصفة الإدارة القاضية التي تفصل في المنازعات التي يثيرها هذا النشاط أي أنها خصم وحكم في وقت واحد .
Ø
ثانياً: مرحلة القضاء المقيد
- استجابة لشكوى المواطنين وتذمرهم من نظام الإدارة القاضية أنشأ نابليون بونابرت " مجلس الدولة " كهيئة استشارية تقوم إلى جانب الإدارة العامة، وتعرض عليها المنازعات الإدارية لفحصها وتقديم مشروع مرسوم بشأنها على أن يصدر المرسوم من رئيس الدولة متضمناً القرار النهائي الحاسم للنزاع.
- بإنشاء مجلس الدولة، بدأت مرحلة جديدة أطلق عليها مرحلة القضاء المقيد على أساس أن هذا المجلس أي مجلس الدولة لم يكن متمتعاً في هذه الحقبة بصفة المحكمة بالمعنى الدقيق، لأنه لم يكن بإمكانه إصدار أحكام قضائية لا معقب عليها من سلطة أخرى، والأمر في النهاية عائد إلى رئيس الدولة، أي إن الأحكام لم تكن تصدر باسم الأمة أو باسم الشعب وإنما باسم رئيس الدولة .
- كان القضاء المقيد أو المحجوز يجعل الكلمة الأخيرة في المنازعة الإدارية للجهة الإدارية أو لرئيس الدولة إلا إن هذا القضاء كان من الناحية العملية بيد مجلس الدولة الذي كان يمارس سلطة قضائية فعلية ولم تنقض أحكامه بواسطة الإدارة إلا في حالات نادرة .
Ø
ثالثاً: القضاء البات
- بقانون 24 لسنة 1872، انتهت رسمياً مرحلة القضاء المقيد أو المحجوز لتحل محلها مرحلة القضاء البات أو المفوض حيث أن هذا القانون خول مجلس الدولة سلطة إصدار الأحكام النهائية اللازمة لحسم المنازعات التي تكون الإدارة طرفاً فيها، ولم يعد لرئيس الدولة أو لأية جهة إدارية أخرى من سلطة التعقيب على هذه الأحكام... ومع ذلك لم يعترف لمجلس الدولة بالصفة القضائية الكاملة بل ظلت الإدارة القاضية هي صاحبة الاختصاص العام في المنازعات الإدارية وحُرم على أصحاب الشأن من رفع دعواهم مباشرة إلى مجلس الدولة وكان واجباً عليهم اللجوء أولاً إلى الإدارة القاضية إلا في الحالات التي نص القانون صراحة على استثنائها.
- وبصدور حكم مجلس الدولة الشهير في قضية كادو مقرراً فيه قبول دعوى رفعت إليه مباشرة ودون عرض مسبق على الإدارة نصّب مجلس الدولة نفسه قاضياً عاماً للمنازعات الإدارية ووضع حد نهائي لنظام الإدارة القاضية .. وبذلك أصبح مجلس الدولة وغيره من المحاكم الإدارية محاكم بالمعنى الدقيق تفصل في منازعات الإدارة، وتقف إلى جانب محاكم القضاء العادي التي تختص بالفصل في المنازعات بين أشخاص القانون الخاص... وبعبارة أخرى نشأ ما يسمى بالازدواج القضائي الذي يعني وجود نوعين من المحاكم وهي :-
-
محاكم القضاء العادي وعلى رأسها محكمة النقض(التميز –
العليا)
-
المحاكم الإدارية وعلى رأسها مجلس الدولة.
- لقد نتج عن هذا الازدواج القضائي في ازدواج في القواعد القانونية المطبقة، واستقلال المنازعات الإدارية بقواعد خاصة، وتفسير ذلك أنه إذا كانت أحكام القانون الخاص تجد مصدرها الرئيسي في التقنين المدني أو التقنين التجاري، فإن قواعد القانون الإداري لم تنشأ بوضع المشرع الذي لم يصدر تقنيناً إدارياً، وإنما ترك للمحاكم الإدارية حرية اختيار الحلول الملائمة للمنازعات التي تعرض أمامها مع مراعاة الظروف الخاصة بكل منها ومسايرة التطورات المتعلقة بالنشاط الإداري.
- من مبررات الإبقاء على رأي الأستاذ الدكتور توفيق شحاته على المحاكم الإدارية أنه تبين أن قضاءها في حل المنازعات الإدارية أفضل من قضاء المحاكم المدنية، ليس فقط بالقياس إلى الإدارة العامة، بل بالقياس إلى الأفراد أنفسهم.
- ويرجع الأستاذ الدكتور ثروت بدوي سر الإبقاء على مجلس الدولة ونجاح هذا المجلس في بناء صرح القانون الإداري بوصفه علماً مستقلاً عن القانون المدني وبالتزام مجلس الدولة في عمله القضائي جانب الحكمة والحذر.
- إضافة إلى ذلك فإن مجلس الدولة الفرنسي قد وضع نفسه أمام الإدارة العامة وفي مكانه الطبيعي فهو قاضي يقضي، وليس جهة إدارية تدير، ومن هنا فإنه يضع دائماً نصب عينيه أن هناك فصلاً بين الإدارة والقضاء، وإنه كقاضٍ لا يحل محل الإدارة في سلطاتها أو مسؤولياتها، وإنه يتحقق فقط من احترام سيادة القانون... ومن أثر نجاح نظام مجلس الدولة في فرنسا أن كثيراً من الدول أخذت به كمصر ولبنان.
Post a Comment