إن من يتأمل نصوص القرآن الكريم ،
ونصوص السنة النبوية ، يجد التأكيد الواضح على أن كل فرد مسؤول مسؤولية خاصة عن
نفسه ، وعن أعماله وتصرفاته .
فالإنسان مسؤول عن كسبه من خير وشر
ومجازى عنه ، وباب التوبة مفتوح له ما بقيت الحياة ، والجزاء العادل يوم القيامة .
إن كل إنسان سيتقدم على الله فرداً
وحيداً ، وسيحاسب محاسبة فردية ، فلابد أن يتحمل المسؤولية في تربية نفسه وتزكيتها
وقيادتها إلى طريق الخير والاستقامة .
وقد حاولت في هذا البحث المتواضع أن
أوضح معنى المسؤولية الفردية ، وأبين ملامحها في القرآن الكريم والسنة النبوية ،
مع بيان شروطها وآثارها وغير ذلك .
والله أسأل أن يلهمني الصواب في القول
والعمل ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ...
الباحثة
ملامح المسؤولية في القرآن الكريم :
1- أنها
شخصية : فليس لغيره أن يشاركه فيها أو أن ينقذه من عواقب أعماله السيئة ، كل يسأل
عن تبعة أعماله الحسنة أو السيئة بصفته الفردية .
فلا يؤخذ برئ بجريرة مذنب ، ولا يشترك
أهله فيما اقترفت يداه ، أو نسب إليه ، قال تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى )
2- أنها
عامة لكل المكلفين مهما اختلفت أجناسهم ومراتبهم وأماكنهم في الحياة الدنيا ، (
الأنبياء ، الإنس ، الجن ..... )
قال تعالى ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما
كانوا يعملون ) (2)
3- أنها
شاملة لكل أعمال المكلفين لا تختص
بنوع معين من الأعمال ، لأن القرآن الكريم
أناطها بجميع ما يقع تحت خطاب التكليف من عقائد وعبادات ومعاملات وأخلاق وجنايات .
(1)
قال تعالى ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً
يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره )
وقال تعالى ( ما يلفظ من قول إلا لديه
رقيب عتيد ) (2)
شروط المحاسبة الأخروية :
يشترط لإناطة المسؤولية بالإنسان الشروط التالية :
1- الإسلام
2- الأهلية
الشخصية
أي كون الإنسان بالغاً عاقلاً
3- العلم
بالحكم :
أي بلوغ دعوة الرسول r إلى
الإنسان البالغ العاقل ، لكون هذه الدعوة مخبرة بالتكاليف وملزمة لمن بلغته بالعمل
بها ، ومقتضية مؤاخذة من خالفها .
4- حرية
الإدارة :
يشترط للمسؤولية الفردية إرادة مدركة
مبنية على تصور سابق للفعل المراد مع الحكم عليه ، بحيث يكون الإنسان تجاهه مخيراً
بين فعله وتركه .
5- النية
:
يشترط لثبوت المسؤولية الأخروية على
الفرد وجود نية متوجهة نحو الفعل عند الفاعل .
وتم الإجماع على أنه لا ثواب ولا عقاب
إلا بالنية في جميع الأعمال .
6- الاستطاعة
:
( أي لا يؤاخذ الفرد عن ترك عمل لم
يستطع فعله كالحج مثلاً )
لا مسؤولية على عاجز ولا فيما لا
يستطاع فعله .
والاستطاعة هي : سلامة الجوارح وارتفاع
الموانع . (1)
ارتباط المسؤولية الفردية بالعقل :
ترتبط المسؤولية الفردية بالعقل لعدة وجوه :
1- لأن
العقل مطبوع على التمييز بين الأمور ، ومهيأ لتحمل الأمر والنهي ومعرفة العواقب .
2- لأن
العقل من دأبه الإشارة إلى الصواب والهداية إلى الحق .
3- لأن
العقل أداة الاختيار ، إذ به يحسن الإنسان أن يستطيع أن يختار الفعل أو يتركه . (2)
مسؤولية الفرد نحو المجتمع :
( المسؤولية الاجتماعية )
تتلخص مسؤولية الفرد نحو المجتمع في التالي :
1- الالتزام
بقانون الجماعة ، وهذا يستلزم الالتزام بعقيدة المجتمع الأساسية .
2- التعاون
مع الجماعة في سبيل الخير العام ، من مساهمة الاقتصاد وغيره .
3- تقديم
العمل الصالح والتنافس في هذا السبيل .
4- نشر
العلم الذي يسهم إسهاماً إيجابياً في بناء المجتمع وتطويره ، واستغلال الذكاء في
هذا السبيل ، ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . (3)
( المحاسبة الأخروية والإكراه )
هل يعد المكره مسؤولاً عن عمله ، وهل يستحق عليه الجزاء في
الآخرة ؟
أولاً :
* الإكراه هو : فعل يفعله المرء بغيره ، فينتفي به رضاه ، أو
يفسد به اختياره .
* ثانياً :
ينقسم الإكراه إلى قسمين :
1- إكراه
بحق : وهو الإكراه المشروع الذي لا يظلم فيه ، كإكراه المرتد على الإسلام ، وإكراه
المدين القادر على وفاء الدين .
2- إكراه
بغير حق : وهو الإكراه ظلماً
وينقسم إلى الحنفية هذا النوع من
الإكراه إلى قسمين :
أ- الإكراه
الملجئ : وهو الذي يكون بالتهديد بإتلاف النفس أو عضو منها ، أو بإتلاف جميع المال
، أو بقتل من يهم الإنسان أمره .
حكمه : هذا الإكراه يعدم فيه الرضى
ويفسد الاختيار .
ب- الإكراه
غير الملجئ : وهو الذي يكون بما لا يفوت النفس كالحبس أو الضرب الذي لا يخشى منه
القتل
حكمه : هذا الإكراه يعدم فيه الرضا
ولكن لا يفسد الاختيار ، وذلك لعدم اضطرار المكره إلى الإتيان بما أكره عليه ،
لتمكنه من الصبر على تحمل ما هدد به ، بخلاف النوع الأول .
ثالثاً :
أثر الإكراه عند العلماء :
يختلف أثر الإكراه عند العلماء باختلاف القول أول الفعل الذي
يقع الإكراه عليه .
1- فإن كان الإكراه غير ملجئ :
فلا يحمل الإقدام على الفعل ، وإذا أقدم المكره على الفعل بناء
على هذا الإكراه كانت المسؤولية عليه وحده ، لا على من أكرهه .
2- وإن كان الإكراه ملجئاً :
- فإن
كانت أفعال أباح الشارع إتيانها عند الضرورة كشرب الخمر وأكل لحم الميتة ، فهذه
يباح للمكره فعلها ، ولا إثم عليه .
- أما
إن أكره الإنسان على الكفر بالله مثلاً ، فإن صبر على الأذى وتحمل ، كان مثاباً
عند الله تعالى ، وإن فعل فلا إثم عليه .
- وهناك
أفعال لا يحل للمكره أن يفعلها بحال من الأحوال ، كقتل النفس بغير حق ، أو الضرب
الذي يؤدي للهلاك ، فهذه الأفعال لا يجوز للمكره الإقدام عليها ، ولو كان في
امتناعه عنها ضياع نفسه ، لأن نفس الغير معصومة كنفس المكره ، ولا يجوز للإنسان أن
يدفع الضرر عن نفسه بإيقاعه على غيره ، فإن فعل كان آثماً . (1)
·
وبذلك نرى أن العلماء قد اختلفوا في
وضع حد للإكراه ، وأن هذا الحد يختلف باختلاف القول أو الفعل الذي يقع الإكراه
عليه .
إرسال تعليق