علة التدابير الاحترازية :
     تستمد التدابير الاحترازية وجودها من قصور فكرة العقوبة عن القيام بدورها في مكافحة الجريمة وصيانة المجتمع ضد حالات الخطورة الإجرامية . فلقد سبق وأن ذكرنا أن جوهر العقوبة هو الألم الذي يصيب المحكوم عليه في حق من حقوقه اللصيقة بشخصيته كالحق في الحياة أو في الحرية أو الحق في التملك أو في الشرف والاعتبار. بهذا الأسلوب العقابي أراد المشرع أن ينقل المحكوم عليه من مرحلة تمثل الألم إلى مرحلة التذوق الفعلي له لكي لا يعود إلى الجريمة مرة أخرى[1].

كما سبق وأن قلنا أن هذا الأسلوب العقابي يرتكن إلى فلسفة قوامها الإرادة الآثمة أو الخطأ، أي اندفاع المجرم بإرادته نحو الجريمة حراً مختاراً. وارتكان العقوبة على هذا المنطق يعطيها المشروعية كوسيلة لتقويم الإدارة الآثمة عن طريق إشعار المجرم بما يجره عليه الإجرام من متاعب وآلام.

هذا الأسلوب يظل قاصر في الحالات التي تكون الجريمة فيها قد ارتكبت تحت تأثير الجنون أو المرض العقلي أو النفسي أو بسبب انعدام التميز والإدراك. فلدى المصابون بتلك الحالات ينعدم استشعار الألم والإحساس به مهما عظم العقاب وتكرر. فأي ألم يجدي في منع الصغير أو المجنون المجرم أو المجرم العائد من تكرار الجريمة.

من هنا كان لابد من البحث عن منهج آخر خلاف ألم العقوبة ، وكان هذا السبيل هو استخدام وسائل تقوم على التأهيل والعلاج ، ولا تستند مشروعيتها إلى الخطأ بقدر ما تستند إلى أساس اجتماعي مضمونه الدفاع عن المجتمع ضد حالات الخطورة الإجرامية ، والتي أطلق عليها اسم التدابير الاحترازية[2]. هذا السبيل الذي بدأت المؤتمرات الدولية الحث على الأخذ به بدءً من المؤتمر الرابع للأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في كيوتو باليابان في الفترة من 17 إلى 26 أغسطس 1970.


[1] د. محمد زكي أبو عامر ، المرجع السابق ، ص 346.
[2] د. محمود نجيب حسني ، القسم العام ، المرجع السابق ، ص987.

Post a Comment

Previous Post Next Post