نشأة وتطور التدابير الاحترازية :
عرفت التدابير الاحترازية منذ زمن بعيد ، حتى قبل
ظهور أفكار المدرسة الوضعية الإيطالية كإجراءات مشتتة لا يجمعها نظرية عامة موحدة وتحت أسماء متفاوتة
كالتدابير الإدارية في حالة إيداع المجنون في محل معد لذلك أو كعقوبة تبعية أو تكميلية
كما هو الحال في المصادرة أو الحرمان من بعض الحقوق والمزايا
.
إلا أن تأصيل جملة التدابير - على تنوعها - وإعطائها صفة الجزاء الجنائي ووضعها في إطار
نظرية عامة كان الفضل فيه للمدرسة الوضعية الإيطالية. ويرجع السبب في ذلك
إلى أن عقيدة تلك المدرسة هي حماية المجتمع والدفاع عنه ضد مصادر الخطورة الإجرامية. ولما كانت العقوبة في نظر أنصار
هذه المدرسة قد أفلست في القيام بدورها سواء قبل معتادي الإجرام أو قبل طائفة
المجانين وعديمي التميز والشواذ والأحداث فكان لابد من ابتداع ما أسمته تلك
المدرسة تدابير الأمن Mesures de
sûreté اللاحقة على ارتكاب الجريمة متى كانت
هذه الأخيرة تنم
عن خطورة إجرامية في المستقبل.
ولقد أثرت المدرسة الوضعية على تشريعات العديد من الدول فأخذت بصور
متنوعة من التدابير
، مثال
ذلك القانون الفرنسي عام 1885 الذي كان يقضي بالنفي Relégation على معتادي الإجرام ، وكذلك القانون البلجيكي عام 1891
الذي كان يقرر وضع المتشردين تحت تصرف الحكومة بغرض تأهيلهم ، وقانون البرتغال عام 1892
والأجنتين عام 1903 وكذلك قانون الحجز الوقائي في إنجلترا عام 1908.
غير أن أولى المحاولات الجادة لوضع
تنظيم متكامل للتدابير كان في مشروع قانون العقوبات الذي قدمه كارل
استوس Karl Stooss في سويسرا عام 1893 ، والذي أصبح قانوناً بالفعل بعد عدة سنوات في
عام [1]1937. هذا
المشروع اختص
بالتدابير حالات معتادي الإجرام والمتشردين ومن اشتهر عنهم سوء السلوك ومدمني الكحول. حيث اقترح إرسالهم لأماكن خاصة
عازلة في حالات الخطورة الجسمية أو إلى محال عمل لذوي الخطورة المتوسطة أوالبسيطة[2].
وقد دعت مدارس الوسط ، والتي ترمي إلى التوفيق بين
أفكار المدرسة الكلاسيكية والمدرسة الوضعية ، إلى الأخذ بالتدابير الاحترازية إلى
جوار العقوبة مع الاحتفاظ لكلا الجزاءين بنطاقه الخاص. فتختص العقوبات بالمجرمين كاملي
الأهلية وتنفرد التدابير بالحالات التي تحتاج إلى العلاج أو التقويم كالأحداث وناقصي وعديمي الأهلية.
وإلى هذا النظام الجمعي بين العقوبة
والتدابير ذهبت
العديد من التشريعات كالقانون اليوغسلافي عام 1929 ، والألماني عام 1933 ، وقوانين كل من إيطاليا والدنمارك
وبولندا عام 1930 ، والمكسيك في عام 1928 ، وقانون الدفاع الاجتماعي الكوبي
عام
1936. واخذ بهذا الاتجاه أيضا المشرع الفرنسي في
قوانين كثيرة ، منها قانون عام 1953 المتعلق بالاتجار واستعمال المواد المخدرة ، وقانون 14 أبريل عام 1954 بشأن
علاج مدمني الكحول والخطرين على الغير ، وقانون 4 يوليو سنة 1954 بشأن
العائدين ، وقانون مارس لسنة 1955 بشأن حظر الإقامة. وأخذ بذلك أيضاً بشأن
المجرمين الشواذ ومعتادي الإجرام 1936. يضاف إلى ذلك بعض التشريعات العربية كلبنان عام 1943 ، وليبيا عام 1953 ، والأردن عام 1960 ، وقانون العقوبات الاتحادي
الإماراتي رقم 3 لسنة 1987 والذي خصص الباب السابع منه (م 159 –132) لبيان التدابير الجنائية. وقد نهج هذا
النهج مشروع
قانون العقوبات المصري عام 1967 والذي خصص
للتدابير
الاحترازية الفصل الثالث والرابع منه (م 76 إلى 113)[3].
Post a Comment