الإيمان بالقضاء والقدر
والإيمان بالقضاء والقدر هو الركن السادس من أركان الإيمان وأصول الاعتقاد، التي لا يصح إيمان المكلف ولا يقبل إلا إذا أتى به على الوجه الصحيح الموافق للكتاب والسنة، بعيدا عن الإفراط أو التفريط اللذين وقعت فيهما الفرق والمذاهب الكلامية المختلفة، والتي عولت على بعض النصوص الموافقة لرأيها، وتعسفت في رد أو تأويل النصوص الأخرى.
مفهوم القضاء والقدر:
يراد بالقضاء والقدر اصطلاحا: «أن الله تعالى علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها، ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد، فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته»([223]) أو هو: «تقدير الله تعالى الأشياء في القدم، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده، وعلى صفات مخصوصة، وكتابته سبحانه لذلك، ومشيئته له، ووقوعها على حسب ما قدرها، وخلقه لها»([224]).
أدلة وجوب الإيمان بالقضاء والقدر:
وقد تضافرت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب الإيمان بالقضاء والقدر، واعتباره أصلا مهما من أصول الإيمان، ومن أدلة القرآن في ذكر القدر والتقدير
وأما أدلة السنة فهي كثيرة جدا، وقلما يخلو كتاب من الكتب المصنفة في الحديث النبوي من عقد فصول أو أبواب لذكر أحاديث القدر، سواء كان ذلك تحت باب مستقل للكلام عن القدر، كما هو الحال في صحيحي البخاري ومسلم وسنن الترمذي، أو كان ضمن الأبواب والفصول المختلفة كما هو الحال في سائر كتب السنن ومن أشهر الأحاديث في هذا الباب، حديث جبريل الذي تقدم معنا مرارا وفيه قال ^: «وتؤمن بالقدر خيره وشره» وقال ^: «كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس»([225]) وقال ^: «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه»([226])، وقال ^: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان»([227]) كما حذر ^ من التكذيب بالقدر، ونفى الإيمان عمن فعل ذلك فقال: «لا يدخل الجنة عاق، ولا مؤمن بسحر، ولا مدمن خمر، ولا مكذب بقدر»([228]).
وأما الإجماع فقد اتفقت كلمة أهل العلم جميعا – سلفا وخلفا – على إثبات قضاء الله وقدره، ووجوب الإيمان به، والإنكار الشديد على من خالف أو شكك في شيء من ذلك، وكما يقول الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم، فقد: «تظاهرت الأدلة القطعيات من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأهل الحل والعقد من السلف والخلف على إثبات قدر الله سبحانه وتعالى»([229]).

Post a Comment

Previous Post Next Post