ما هي مسألة
ثبوت الواجب الموسع بمعنى هل هو ثابت
أصلا ً أو غير ثابت وهي مسألة فيها خلاف بين الأصوليين
وبين العلماء بشكل عام
وخلافهم على قولين؟
القول
الأول : أن الواجب الموسع ثابت وموجود في
الشريعة وهذا مذهب جمهور الأصوليين
واستدلوا على ذلك بأدلة
منها قوله تعالى {أقم
الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل} ووجه الدلالة من هذه الآية أن هذا الأمر
عام يتناول جميع أجزاء الوقت المذكور الذي هو من دلوك الشمس إلى غسق الليل من غير إشعار
بالتخصيص من بعض أجزائه فليس المراد من الأمر تطبيق أول فعل الصلاة في أول الوقت وآخر الفعل في آخر الوقت لان هذا خلاف الإجماع وليس المراد من الأمر إقامة الصلاة في كل وقت
من أوقات فلا يخلو جزء من الوقت من الصلاة فهذا أيضا خلاف
الإجماع وليس المراد من الأمر تعين جزء من الوقت لاختصاصه بوقوع الواجب فيه لأن
اللفظ الوارد في الآية عام ولا يوجد مخصص فلم يبقى إذاً عندنا من الاحتمالات إلا أن يكون المراد من الأمر هو أن كل
جزء ً من الوقت صالح ٌ للوقوع الواجب فيه باختيار المكلف لأجل امتناع الأقسام
الأخرى فتعين من ذلك أن عندنا واجب موسع بدلالة هذه
الآية لأنه قال أقم الصلاة لدلوك الشمس يعني من دلوك الشمس إلى غسق الليل .
الدليل الثاني على ثبوت الواجب الموسع الذي قال به جمهور الأصوليين أن ما ورد في حديث قصة جبريل عليه
السلام حينما صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم في أول الوقت وآخره ثم
قال له بعد ذلك يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين، وفي رواية
الوقت فيما بينهما ووجه الدلالة من ذلك أن الله تعالى حينما فرض الصلاة أتى جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمه أوقاتها
وأفعالها فصلى به مرة في أول وقتها وصلى به مرة أخرى في آخر وقتها ثم قال له ذلك
القول الذي ذكرناه
وهذا يفيد تخيير المكلف في أداء الصلاة في جزء ٍ من أجزاء الوقت المحدد لها .
الدليل الثالث على ثبوت الواجب الموسع دليل عقلي حاصلة أن السيد لو قال لعبده أوجبت
عليك بناء هذا الجدار في هذا اليوم في أي جزء منه أن شئت في أوله أو في أوسطه أو في آخره فمهما فعلت تكون قد امتثلت أمري وإن لم تفعل تكون قد
خالفت أمري فإن هذا الكلام
من السيد يكون معقولا ً ولا يمكن أن يقدح في صحته أحد فلا يمكن أن يقول أحد أن
السيد لم يوجب على العبد شيئا لان العبارة
واضحة أنه أوجب عليه شيئا ولا يمكن أن يقال أن السيد قد أوجب على العبد بناء
الجدار في وقت واحد فقط لأنه صرح بأن يفعل في أي وقت فلم
يبقَ من ذلك إلا أنه أوجب بناء الجدار في ذلك اليوم ووسع عليه في الوقت فهذا هو الواجب الموسع وبه يتقرر ثبوت الواجب الموسع عقلا ً .
القول
الثاني هنا: قول بإنكار الواجب الموسع وهذا القول نسبه ابن قدامه إلى أكثر أصحاب
أبي حنيفة وهذا فيه نظر
حيث لم ينكره إلا بعضهم بل نقل بعضهم الاتفاق على انقسام الواجب إلى موسع ومضيق وإنما حصل الخلاف في وقت الإيجاب في الواجب الموسع كما سيأتي
الكلام على ذلك في ضمن
مسائل الواجب الموسع بعد ذلك ؛ فالخلاف
المنقول عن الحنفية إنما هو خلاف في وقت
الإيجاب في الواجب الموسع وليس في أصل إنكار الواجب الموسع وعلى كل حال فهذا
المذهب ذكر أن من أدلته أنهم يقولون في إنكار الواجب الموسع إن التوسع ينافي
ويناقض الوجوب ومعنى هذا أن الوجوب مع التوسعة يتنافيان لأن الواجب لا يجوز تركه
وهذا يجوز تركه عن الوقت الذي وصفتموه بالوجوب فيه وهو أول الوقت وآخره فلا يكون
للواجب الموسع حقيقة,
ومن العلماء من أجاب عن هذا بأننا لم نجوز ترك الفعل في أول الوقت مطلقاً بل جوزنا
ترك الفعل في أوله بشرط العزم على الفعل في آخر الوقت وهناك من أجاب بأن جواز
التأخير إنما يضاد الواجب المضيق أما الواجب الموسع فلا. لأنه لا يجوز ترك فعل
الواجب الموسع في أول وقته وفعله في وسطه أو آخره حيث مخير بين أجزاء الوقت الموسع
قياسا على الواجب المخير هذا فيما يتعلق بمسألة ثبوت الواجب الموسع والخلاف فيها
كما قلنا على قولين مذهب الجمهور
وهو القول القائل بإثبات الواجب الموسع وذكرنا
أدلته من أدلة الشرع وأدلة العقل وهناك قول بإنكار الواجب الموسع منسوب إلى بعض
أصحاب أبي حنيفة وهذا كما قلنا قول فيه نظر والخلاف كما قلنا إنما هو في وقت الإيجاب في الواجب الموسع وليس في أصل ثبوته.
إرسال تعليق