كيف بدأ التدوين في علم أصول
الفقه؟
بدأ
تدوين
علم أصول الفقه بنحو متكامل على يد الإمام الشافعي في كتابه (الرسالة) بناء ً على طلب الإمام ابن مهدي
الذي أعجب بالرسالة أعجابا شديدا ًوكان بعد ذلك
يكثر من الدعاء للشافعي وكان يقول لمّا نظرت
الرسالة للشافعي أذهلتني لأنني رأيت كلام رجل
عاقل ٍفصيح
ٍناصح فإني لأكثر الدعاء له . وقد بحث الشافعي في كتابه هذا مصادر التشريع فأوضح البيان في القرآن وأبان حجية السنة ومنزلتها من
القرآن حتى لقب بأنه ناصر السنة ِ وإمام
المحدثين وتحدث عن الناسخ والمنسوخ وعلل الأحاديث وأثبت حجية
خبر الواحد ثم
أفاض بالكلام عن الإجماع والقياس والاستحسان وما يجوز الاختلاف فيه ومالا يجوز فضبط أصول الخلاف ووضع قواعد الاستنباط وأنار الطريق
لمن بعده من العلماء لتأصيل مباحث هذا
العلم وقواعده ومناهجه وتبيان طرق الاجتهاد والاستنباط
وكان في هذا
الرائد الأول في تحديد المفاهيم الأصولية ِ وضبطها وإبرازها للعلماء بل كان واضع هذا العلم في الجملة كما تقدم الإشارة لذلك .
ولا نعني
أن بدء
التدوين لعلم أصول الفقه على يد الشافعي أن قواعد هذا العلم من
وضعه المستقل وإنما
كانت تلك القواعد مرعية ً في اجتهادات الصحابة ِوالتابعين وظهرت
أيضا
في وقائع اجتهاداتهم قواعد أصوليه فرعيه تعد
أساسا في مبادئ الترجيح بين الأدلة المتعارضة
ومثال ذلك ما
ورد عن الإمام علي رضي الله عنه بقياسه حد السكران على المفتري القاذف وكما أفتى ابن مسعود بأن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها بوضع
الحمل لأن سورة الطلاق وفيها عدة الحوامل نزلت بعد
سورة البقرة وفيها عدة الوفاة والمتآخر من النصوص ينسخ
المتقدم أو
يخصصه وكتقديم المتواتر على الآحاد والخاص على العام والتحريم على الإباحة وتخصيص العام بالخاص وحمل المطلق على المقيد فمثلا ً
قوله تعالى "حرمت عليكم الميتة والدم"
وقوله تعالى "إلا أن يكون ميتة ً أو دما مسفوحا " فاللفظ المطلق في الآية الأولى الدم محمول على المقيد في الآية الثانية
أو دما مسفوحا
ويكون الدم المحرم هو الدم
المسفوح كذلك كان لأئمة المذاهب قبل الشافعي كأبي حنيفة
ومالك وأحمد
رحمهم الله قواعد وأصول يعتمدونها في استنباط الأحكام الشرعية ِمن أدلتها وما تزال هذه الأصول والقواعد منقولة ٌ عنهم متميزة ٌ
فيهم تميز كل مذهب عن غيره, ولا تزال آثارها
واضحة ً في الاجتهادات المنقولة ٍ عن أولئك الأئمة الأعلام
والتي سنوضحها
إن شاء الله تعالى فيما ورد من مؤلفات ٍ لعلماء أصول الفقه من خلال بحث مناهج المؤلفين في هذا العلم , تتابع العلماء بعد الأمام
الشافعي رحمه الله في تدوين وتوضيح علم أصول
الفقه وفي طليعتهم ما ورد عن الإمام أحمد رحمه
الله الذي ألف
كتاب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وكتاب الناسخ والمنسوخ وكتاب
العلل
وجاءت كتب علماء الحنفية والمالكية والشافعية
والحنابلة بعد ذلك لتأصيل مناهج وقواعد
لاستنباط
الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية أي لتأصيل مناهج وقواعد أصول الفقه ومن خلال ما تقدم يتضح لنا شرف هذا العلم ومدى عناية
العلماء به ابتداء ًمن عصر الصحابة ِ رضوان
الله عليهم إلى عصرنا الحاضر وسنورد فيما يأتي أن شاء الله
تعالى من
حلقات بيانا لواقع اهتمام العلماء بالتأليف في هذا العلم من خلال كلامنا على مدارس هذا العلم ومناهج التأليف فيه ونعيد التنبيه إلى أن
علم أصول الفقه كغيره من العلوم وجد في أذهان
الصحابة والتابعين ومن تبعهم وذلك يظهر لنا من خلال
اجتهاداتهم في
الأحكام التي وقعت في أعصارهم فقد أتبعوا مناهج معينه في الاستنباط أو في الترجيح بين النصوص وهذه المناهج تعد قواعد اُستفيد منها
بعد ذلك في إقرار جمله من المسائل الأصولية
ونخص من ذلك ما ورد من اجتهادات ٍ لعمر بن الخطاب رضي
الله عنه في
وقائع كثيرة إذ كثيرا ما كان يرسم جملة من القواعد التي يسعى من خلالها إلى إقرار حكم معين فاستفاد من ذلك السلف من خلال نظرهم في تلك
الاجتهادات وهكذا استفاد أيضا علماء أصول
الفقه من اجتهادات الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه
وسلم ومن
اختلافهم وطرق تعاملهم مع النصوص الشرعية والوقائع الحادثة في وضع قواعد ينطلقون منها في استنباط أحكام الفقه
فالذي يطلع على كتاب الرسالة للشافعي يلحظ الأسلوب الواضح والكلام الجلي والاتجاه الصحيح في رسم جملة من القواعد التي احتاج إليها علماء عصره في ذلك الوقت وكان لهذه القواعد التي رسمها الإمام الشافعي أثرا ًواضحا للعلماء الذين أتوا بعد ذلك من مختلف المذاهب حتى كان له تأثيره في علماء المذهب المالكي وعلماء المذهب الشافعي والمذهب الحنبلي ولا يزال هذا الأثر مستمرا إلى عصرنا الحاضر وكل أهل مذهب يؤكدون أن إمامهم هو واضع هذا العلم ولكن لا يسعفهم واقع المؤلفات التي بين أيدينا .
فالذي يطلع على كتاب الرسالة للشافعي يلحظ الأسلوب الواضح والكلام الجلي والاتجاه الصحيح في رسم جملة من القواعد التي احتاج إليها علماء عصره في ذلك الوقت وكان لهذه القواعد التي رسمها الإمام الشافعي أثرا ًواضحا للعلماء الذين أتوا بعد ذلك من مختلف المذاهب حتى كان له تأثيره في علماء المذهب المالكي وعلماء المذهب الشافعي والمذهب الحنبلي ولا يزال هذا الأثر مستمرا إلى عصرنا الحاضر وكل أهل مذهب يؤكدون أن إمامهم هو واضع هذا العلم ولكن لا يسعفهم واقع المؤلفات التي بين أيدينا .
وهناك مؤلفات ألفت في عصر الشافعي
وقبله من أئمة المذاهب على اختلافهم سواء
من المذهب الحنفي أو المالكي أو الحنبلي أو الشافعي أو
حتى الظاهري
لكن هذه المؤلفات من المذهب الحنفي خاصة والمالكي والظاهري لم تكن شاملة لمسائل أصول الفقه وإنما كانت مؤلفات تهتم بجزئيات محددة
في هذا العلم فمنهم من يؤلف مثلا في علم القياس
أو علم التقليد ومنهم من يؤلف في حجية خبر الواحد ومن
يؤلف في
دلالات الأخبار المتواترة وهكذا.
وهذه المؤلفات على تخصصها في علم معين ومسألة جزئية محدده يُلحظ عليها أيضا أنها في الغالب لم
يصل إلينا منها ما يحكم فيه بأن هذا العالم قد
ألف ذلك الكتاب فعلا بهذه الصورة بعلم أصول الفقه وإنما
يستند في ذلك
إلى كتب التراجم التي ترجمت لأولئك الأعلام أو إلى نقولات العلماء الذين جاءوا بعدهم عنهم في مؤلفاتهم التي وصلت إلينا .
فهناك جمله من العلماء ألفوا قبل
الإمام الشافعي في مسائل أصول الفقه لكنها مسائل محددة ليست شامله لمسائل أصول الفقه والأمر الآخر أيضا أنه لم يصل إلينا منها شيء فنحكم
بتقدم أولئك الأعلام على الإمام الشافعي في
التدوين في علم أصول الفقه إنما بالضابط الذي ذكرناه يعد
الإمام
الشافعي هو واضع هذا العلم باعتباره أول من دون كتابا مستقلا في هذا العلم بعد الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أستمر التدوين في هذا العلم
وتنوعت المؤلفات مابين كتاب مختصر في علم
الأصول ومابين شرح كتاب سابق في هذا العلم حتى
أننا نجد بعض
علماء الشافعية من يهتم بشرح كتاب الشافعي (الرسالة ) لكن للأسف اختصر إيراد هذه المؤلفات على كتب التراجم فقط وأما في الواقع فقد
فقدت هذه المؤلفات التي اعتنت بشرح كتاب الرسالة
للإمام الشافعي قد ورد عن بعض الأئمة الإعلام من علماء
الشافعية
الجهابذة الأفذاذ شروحا لهذا الكتاب ولكنها فقدت ولم يصل إلينا منها شيء.
Post a Comment