كيف نشأ علم أصول الفقه؟
نشأ علم أصول الفقه إبان ظهور الحركة الاجتهادية في عهد الخلفاء الراشدين وبقية الصحابة الذين كانوا يستفتون في المسائل المستجدة
 فيبحث المجتهد منهم عن حكمها الشرعي في نصوص القرآن الكريم وظواهره ثم في منطوق الحديث النبوي ومفهومه وإيحاءاته وذلك عملا ًبقوله تعالى (فاعتبروا يا أولي الأبصار ) وعملا ًكذلك بما دلت عليه السنة النبوية بآثار بلغت حد التواتر على مشروعية القياس والاجتهاد منها حديث معاذ الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم قاضيا ًومعلما ً إلى اليمن حيث تضمن ذلك الحديث سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ ماذا تصنع إن عرض لك قضاء ؟ قال: أقضي بكتاب الله قال: فإن لم تجد قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله قال: أجتهد رأيي ولا آلو رأي ولا أقصر فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدر معاذ وقال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله , فهذا يدل على إقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمل بالرأي الصحيح المستند إلى النصوص التشريعية والقياس نوع من الرأي.
استمر العمل بهذا المنهج في عصر التابعين فقدموا القرآن أولا ثم السنة ثم الإجماع ثم الرأي والاجتهاد وكان بعضهم يميل إلى العمل بالقياس الضيق بإلحاق الأمور غير المنصوص على حكمها بالمنصوص عليه وبعضهم مال إلى العمل بالمصلحة المتفقه مع مقاصد التشريع وذلك إن لم يكن في المسألة ِنص على حكمها وكان التابعون يأخذون بآراء الصحابة ويقدمونها على العمل برأيهم .
ثم تبلور علم أصول الفقه في عهد أئمة المذاهب ابتداء ً من عصر الإمام أبي حنيفة َرحمه الله المتوفى عام 150 هـ وبرزت تسميات المصادر المختلف فيها مع اتفاقهم على مضمونها الصحيح في الواقع وظهر لديهم ما يعرف بمصطلح القياس ومصطلح الاستحسان ومصطلح المصالح المرسلة ومصطلح قول الصحابي ومصطلح شرع من قبلنا ومصطلح سد الذرائع ومصطلح عمل أهل المدينة ونحو ذلك من المصطلحات التي بحثها وقررها الأصوليون بعد ذلك في مؤلفاتهم وظهرت فيهم مدرستان مدرسة أهل الحديث بالحجاز ومدرسة أهل الرأي بالعراق ومع اتفاق أهل المدرستين على العمل بكل من الحديث الصحيح والرأي إلا أنه كان يغلب على اجتهاد أهل المدرسة الأولى الأخذ بالحديث الذي ثبت عندهم والوقوف عنده دون أخذ بالرأي المنسجم مع قواعد الشريعة العامة ومبادئها الكلية ويغلب على اجتهاد المدرسة الثانية العمل بالرأي عند عدم وجود نص قرأني أو نبوي صحيح علما ً أن بيئة العراق التي لم يتوافر لها ثقات كثر من الرواة كانت سببا ًواضحا ً في هذا الاتجاه كما أدى ذلك إلى خصوبة فقه أهل الرأي بسبب تقدم المدنية وازدهار الحضارة واستقرار الخلافة الإسلامية العباسية في بغداد وتوابعها .\

Post a Comment

Previous Post Next Post