ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النثر - منهج البشر - سيد قطب
منهج للبشر - لسيد قطب
التعريف بالكاتب
:
1- واحد من أبرز أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث - كما أنه رواد الأدب المعاصر .
2- ولد سنة 1321هـ سنة1903 في صعيد مصر بقرية تابعة لمحافظة أسيوط في أسرة ميسورة الحال متدينة .
3- تعلم في مدارس أسيوط - ثم التحق بكلية دار العلوم حتي تخرج منها .
4- كان محبا للقراءة الأدبية والدينية ، فتكونت له ثقافة واسعة راسخة .
5- اتصل بالأستاذ عباس العقاد وأعجب به ، ونهل من فكره ، ودافع عنه كثيراً .
6- أعدم - يرحمه الله - في سنة 1386/ 1966م .
النص :
" هذا المنهج الإلهي ، الذي يمثله الإسلام في صورته النهائية ، كما جاء بها محمد - صلي الله عليه وسلم - لا يتحقق في دنيا الناس ، بمجرد تنزله من عند الله ، ولا يتحقق بمجرد إبلاغه للناس وبيانه ، ولا يتحقق بالقهر الإلهي على نحو ما يمضي ناموسه في دورة الفلك وسير الكواكب . إنما يتحقق بأن تحمله جماعة من البشر تؤمن به إيماناً كاملاً ، وتستقيم عليه بقدر طاقتها ، وتجتهد لتحققه في قلوب الآخرين وفي حياتهم كذلك ، وتجاهد لهذه الغاية بكل ما تملك .
تجاهد الضعف البشري ، والهوى البشري في داخل النفوس ، وتجاهد الذين يدفعهم الضعف والهوى للوقوف في وجه الهدي ، وتبلغ - بعد ذلك كله - من تحقيق هذا المنهج إلي الحد الذي تطيقه فطرة البشر ، والذي يهيئه لهم واقعهم المادي . على أن تبدأ بالبشر من النقطة التي هم فيها فعلا ، ولا تغفل واقعهم ، ومقتضياته في سير وتتابع مراحل هذا المنهج الإلهي ، ثم تنتصر هذه الجماعة على نفسها وعلى نفوس الناس معها تارة ، وتنهزم في المعركة مع نفسها وعلى نفوس الناس معها تارة ، وتنهزم في المعركة مع نفسها أو مع نفوس الناس تارة بقدر ما تبذل من الجهد ، وبقدر ما تتخذ من الوسائل المناسبة للزمان ولمقتضيات الأحوال ، وقبل كل شئ ،بمقدار ما تمثل هي ذاتها من حقيقة هذا المنهج ، ومن ترجمته ترجمة عملية في واقعها وسلوكها الذاتي .
هذه هي طبيعة هذا الدين وطريقته ، وهذه خطته الحركية ووسيلة ، وهذه هي الحقيقة التي شاء الله أن يعلمها للجماعة المسلمة وهو يقول لها ( إن الله لا يغير ما يقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم ) ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) .

اللغويات :
المنهج : الطريق الواضح المستقيم ، فطرة : الطبيعة السلمية الخالية من كل عيب
صورته النهائية : الإسلام خاتم الأديان ، مقتضياته : متطلباته
إبلاغه : إعلانه والدعوة إلي اتباعه ، ترجمته : تحويله إلي واقع عملي
بيانه : توضيح تعاليمه ، الحركية : العلمية
القهر الإلهي : القدرة الإلهية النافذة ، يعلمها : يخبرها - يعلنها
ناموسة : قانونية وشريعته ، تمثل : يكون دورها في أنفاذ هذا المنهج
تستقيم عليه : تسير بانضباط والتزام تام عليه .
الشرح :
1- الإسلام الذي جاء به محمد - صلي الله عليه وسلم - هو المنهج الإلهي في أكمل صورة ، وأتم خصائصه ولكن هذا المنهج الإلهي المتمثل في الدين الإسلامي الصحيح لن يتحقق بمجرد إعلانه للناس ، ولا بمجرد توضيح أصوله لهم ، كذلك لا يتحقق بالقوة الإلهية التي تتحكم في سير المخلوقات كدورة الفلك وسير الكواكب .. لكن يتحقق هذا المنهج الإلهي القويم بأن تتبعه بمجموعة من الناس أتباعا كاملاً ، ثم تجاهد ليتحقق في نفوس غيرهم من الناس ويرسخ الإيمان به في قلوبهم ، وتسير عليه حياتهم .
2- يجب على جماعة المسلمين الذين يتولون تعميق الإيمان في قلوب وحياة الناس أن تحارب أهواء النفس ، وتحارب الذين يمنعون انتشار دين الهدي .
3- وعلى هذه الجماعة المؤمنة بالمنهج الإلهي المتمثل في الإسلام الكامل أن تعمل على تحقيقه في حدود طاقة البشر ، وأن تكون البداية ما يعيشونه فعلا . ثم تتخذ الوسائل الكفيلة بتحقيق هذا المنهج على مراحل ... فقد تنتصر هذه الجماعة على نفسها مرة وقد تهزم مرة أخري . وقد تنتصر على نفوس الناس أو تنهزم مرة أخري .
4- ويكون النصر على نفسها وعلى نفوس بمقدار ما يتحقق من هذا المنهج تحقيقا عمليا فكلما طبقنا هذا المنهج في حياتنا ونفوسنا أكثر كان النصر أكثر .
5- تلك هي حقيقة الإسلام - وهذه هي خطته العملية التي يجب أن يسير عليها كل مسلم ملتزم بالمنهج الإلهي .
وهذه هي الحقيقة التي يريد الله أن يبلغها للمسلمين ، وهي أن الله لن يغير حال الناس إلا إذا غيروا ما بأنفسهم ، ووعد الذين يجاهدون لإعلام دينه بالنصر.
التحليل والتذوق :
- المنهج الإلهي : الدين الذي يريده الله للبشر .
- الإسلام في صورته النهائية : فالإسلام آخر الديانات ، وهو الصورة الكاملة للمنهج الإلهي الذي يجب أن يسير عليه البشر جميعاً .
- لا يتحقق بمجرد إبلاغه للناس وبيانه لهم :
- لا يتحقق بمجرد نزوله من عند الله :
- لا يتحقق بالقهر الإلهي كالأمور الكونية :
- إنما يتحقق بأن تحمله جماعة من الناس تؤمن به وتسير عليه في حياتها -لكن بشروط هي أن :
1- تؤمن به إيماناً كاملاً .
2- تسير على نهجه قدر طاقتها .
3- تعمل على تحقيقه في نفوس الآخرين وحياتهم .
4- تجاهد بكل ما تملك لتحقيق هذا الدين علمياً .
- هذا المنهج الإلهي : إشارة إلي حقيقة الإسلام وجوهر تعاليمه - وقد وصفه بالإلهي ليؤكد أنه ليس من صنع البشر أو الملائكة - وما كان إلا هياً فهو فوق الشبهات وفوق التناقص .
- لا يتحقق في الأرض ، وفي دنيا الناس : الأولي إشارة إلي تحقق المنهج الإلهي في الأرض كلها بكل مخلوقاتها ، الثانية إشارة إلي تحققه في دنيا الناس وحياتهم شاملاً الإيمان والتوحيد والالتزام بالأوامر وترك النواهي . فليس ذلك مطلوبا من غير الناس في الأرض .
- لا يتحقق بمجرد إبلاغه للناس وبيانه : إشارة إلي أن إبلاغ الناس بالمنهج الإلهي ليس كافيا لتحقيقه في حياتهم . فقد يبلغون ولا يؤمنون به ولا يعملون بما جاء فيه - فليس كل من بلغ آمن .
- ولا يتحقق بالقهر الإلهي : إشارة إلي أن المنهج الإلهي الذي جاء به الإسلام لا يتحقق بالقهر الإلهي ، لأن ذلك يبعد كونه الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل - ولأنه لو تحقق بالقهر الإلهي كما هو الحال في تسخير الكواكب والنجوم لما كان لأحد الخيار في الإيمان والكفر .
- إنما يتحقق بأن تحمله جماعة : أسلوب قصر طريقته ( إنما ) - لإفادة التخصيص .
- تجاهد الضعف البشري والهوى البشري : استعارة مكنية تجعل الضعف والهوى شخصين عدوين تجب على الجماعة التي تجاهد في سبيل تحقيق الدين مجاهد هما حتي تتغلب عليهما .
- إلي الحد الذي تطيقه فطرة البشر : إشارة إلي أن الدين ليس فيه قهر ولا جبروت ، ولا تكليف الناس بما لا يطيقون - فالدين يسر ، والنبي صلي الله عليه وسلم يقول :" اتقوا الله ما استطعتم " .
- هذه الشروط الأربعة هي الخطة الحركية التي يمكن بها أن يطبق الدين الإسلامي .

Post a Comment

أحدث أقدم