نقض ابن تيمية للعلاقات في البيئات العلمية :

غلب التعصب المذهبي والجمود الفكري، وعلى العلاقات في البيئات العلمية في عصر ابن تيمية، ومن ثم كانت الحقيقة ضائعة بين قوم يعرفون الحق بالإمام والمذهب فما يخالفهم ليس حق وإنما الحق هو الذي يتوافق مع أئمتهم ولقد عانى ابن تيمية كثيرًا من المتعصبين الجامدين الذين أدخلوه السجن أكثر من مرة؛ لأنه خرج في فتاويه عما ألفوه رغم اعتماده على الأدلة فيما قاله، ويرى ابن تيمية: أن اليهود هم أسلاف كل متعصب لطائفة أو مذهب؛ لأنهم كانوا يعرفون الحق قبل ظهور الناطق به، فلما جاءهم الناطق به من غير طائفتهم؛ لم ينقادوا له وهذا داء ابتلي به طوائف من المشتغلين بالعلم والتصوف، فإنهم لا يقبلون من الدين إلا ما يتفق مع ما جاءت به طائفتهم، على الرغم من أن الدين لا يزكي أحدًا غير الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو الإنسان الوحيد الذي يجب اتباعه اتباعًا كاملًا.

ومن ثم يرى ابن تيمية: أن التعصب المذهبي داء يبتلى به كثير من المنتسبين إلى طائفة معينة في العلم أو الدين من المتفقهين أو المتصوفة أو غيرهم، أو إلى رئيس معظم عندهم في الدين غير النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنهم لا يقبلون من الدين رأيًا أو روايةً إلا ما جاءت به طائفتهم.

كان منهج ابن تيمية واضحًا في استنباط معظم فكره التربوي من الأصول الإسلامية وما أُثِر عن السلف، ومع اعتزازه بالكتاب والسنة كان منفتحًا على الثقافات الأجنبية؛ فأخذ منها ما اعتقد أنه صواب -كما رأينا- مثلًا في نظرته إلى المعرفة.

ونرى أن ابن تيمية في هذا الاتجاه سما كثيرًا على معظم المشايعين له من المعاصرين، الذين حصروا المعارف في العلوم الشرعية، وعادوا الثقافات العقلية، ونسبوا ذلك إلى السلفية والسلفية من ذلك براء.

ويحمد لابن تيمية اهتمامه بالتفكير الاستقلالي، ومعاداته للتقليد الأعمى، كما يحمد له إخلاصه لمنهجه ودينه، واعتماده أساسًا في فكره التربوي على الأصول والثقافة الإسلامية، كما يحمد له العمل على تطبيق أفكاره التربوية في محيطه المحدود، فكان مثلًا يحتذى من تلاميذه وأتباعه؛ فلم يرتبط بسلطة ولا منصب وجعل جهده كله خالصًا لله.

ويبدو من آثار ابن تيمية وبخاصة فتاويه أن شئون الشريعة والعقيدة قد ملكت عليه نفسه، وأثارت عليه خواطر الفقهاء والمتصوفة وغيرهم، فكانت إسهاماته التربوية على ما يبدو مرتبطة أشد الارتباط بآرائه في العقيدة والفقه والتصوف وغيره.

Post a Comment

Previous Post Next Post