النجاة من العذاب
مصير الإنسان إما جنة أو نار ، والفرد المسلم يرجو رحمة ربه والفوز بجنته ويخشى عذابه والتلظي بناره . قال تعالى : { كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } [ آل عمران : 185 ] . فالفوز الحقيقي هو أن ينجو العبد من عذاب الله ويدخل الجنة ، والاهتمام بالغير سبيل من السبل المؤدية إلى هذا الفوز ، بينما التفريط في هذا الجانب يؤدي بالفرد والمجتمع إلى الهلاك والدمار . قال تعالى : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب } [ الأنفال : 25 ] . قال ابن عباس في تفسير هذه الآية : أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب . (1)
    وحذر سبحانه من فعل أقوام سابقة تهاونوا في هذا الأمر فأنزل عليهم سخطه وعقابه . قال تعالى { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } [ المائدة : 78 ، 79 ]
    وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول : يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال : { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم } إلى قوله { فاسقون } ثم قال : كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر  ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصر . وزاد في رواية : أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننكم كما لعنهم . [ أبو داود : 4/508 ]
    وعن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم . { الترمذي : 4/406 ] .
    وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله يسأل العبد يوم القيامة حتى ليقول : فما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره ، فإذا لقن الله عبدا حجته قال : أي رب وثقت بك وفرقت من الناس . [ ابن ماجة : 2/1322 . وجود الألباني إسناده في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 929 ] وإذا قام كل فرد بواجبه في إصلاح نفسه وفعل الخير والدعوة إليه فإنه لا يضره فساد من فسد وضياع من ضاع وإن كان أقرب الأقربين .
    قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون } [ المائدة : 105 ] وليس في هذه الآية دعوة إلى ترك الاهتمام بالغير وإنما هي إخبار عن حال الإنسان إذا فسد المجتمع من حوله وذلك بأن يثبت على فعل ما أمره الله به وترك ما نهى عنه مع القيام بواجبه في الإصلاح قدر الطاقة . كان هذا هو الفهم الذي أوتيه صديق هذه الأمة حين قام فحمد الله ثم أثنى عليه ثم قال : أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية : { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } وإنكم تضعونها في غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الناس إذا رأوا المنكر لا يغيرونه أوشك أن يعمهم الله بعقابه . [ ابن ماجة : 2/1326 ] .
    ثم إن في القيام بواجب الاهتمام بالغير والنصح لهم إعذارا إلى الله سبحانه وتعالى الذي سيسأل كل امرئ عما عمل فيما علم وهل أدى ما عليه من النصح والاهتمام أم أنه فرط في ذلك .
    قال تعالى : { وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون * فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون * فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين } [ الأعراف : 164 : 166 ] . فبين الله تعالى نجاة الذين بذلوا النصح وسكت عن الذين تراخوا عن هذا الواجب لأن الجزاء من جنس العمل .


(1)  تفسير القرآن العظيم : مرجع سابق ، 2/299

Post a Comment

أحدث أقدم