بعض قواعد الشريعة التي تعد مصدراً للقانون
الإداري:
1- يقول
تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودُ
" (2)
فمن مجالات تطبيق هذه الآية العقود الإدارية التي تعد من وسائل الإدارة لممارسة
نشاطها الإداري ، فتلتزم جهة الإدارة طبقا لها بالوفاء بالتزاماتها العقدية وعدم
الإخلال بهذه الالتزامات (3) ويلتزم بها أيضاً
المتعاقد مع الإدارة .
2- يقول
سبحانه وتعالى : " وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ
تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ
شَدِيدُ الْعِقَابِ " (4) ، ويشمل تطبيق هذه
الآية العلاقة بين الإدارة العامة والأفراد ليتعاون الجميع على البر والتقوى من
أجل تحقيق المصلحة والأهداف العامة للدولة لتستطيع تلبية الحاجات العامة للمواطنين
ومراعاة حقوقهم ، وهذه الآية ملزمة كذلك للعاملين بالإدارة العامة في علاقاتهم
يبعضهم وعلاقاتهم برؤسائهم وعلاقاتهم بالمواطنين ، فالمؤمنون ملزمون بالعمل بما
يرضى الله من فعل الخيرات واجتناب المنكرات ، وملزمون بعدم التعاون على الشرور
والآثام التي حرمها الله من الظلم والعدوان وسائر ما حرم الله .
3- يقول
سبـحانه وتعالى " يَا أَيُّهَآ الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ
لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ
تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ
اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ "(المائدة:8) ، ويشمل تطبيق هذه
الآية مجال الانتفاع بخدمات المرافق العامة في الدولة بوجوب إعمال العدل والمساواة
وعدم التفرقة بينهم بسبب الجنس أو اللون أو الدين وضرورة إعمال مبدأ المساواة
بينهم في الأعباء والتكاليف العامة طالما أن الشخص توافرت فيه الشروط التي حددها
القانون ، ويعد مبدأ المساواة من الضوابط اللازمة والأساسية لسير المرافق العامة
بانتظام واطراد (1)
4- قوله
سبحانه وتعالي " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ
وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ " (الأنفال:27)
، وعن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله ألا تستعملني ؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم
قال: يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها
بحقها وأدى الذي عليه فيها" (3) ، الآية الكريمة والحديث الشريف يشملان
بأحكامهما أعمال الوظيفة العامة باعتبارها أمانة أودعها المجتمع ذمة الموظف العام
كي يقوم بمسؤولياتها مراقباً ربه في السر والعلن ، فالوظيفة العامة تكليف وأمانة
وليست تشريفا ومكانة ، وإنها يوم القيامة خزي لصاحبها وندامة إلا إذا أدى واجباتها
ووفاها حقوقها ، فعلى الرؤساء والمرؤوسين أن يتقوا ربهم في علاقاتهم يبعضهم وفي
قراراتهم التي يصدرونها في حدود اختصاصاتهم كي تستمر المرافق العامة في أداء دورها
خير قيام طبقا لمبدأ الاستمرارية الذي يعد من المبادئ الأساسية الضابطة لسير
المرافق العامة ، ومن مجالات تطبيق الآية الكريمة أيضا العقود الإدارية حيث توجب
مراعاة الأمـانة في تطــبيق بنودها وإعمال مقتضياتها في كافة مراحلها وعند تقرير
الحاجة إليها أو في إبرامها بالمناقصات أو المزايدات أو الممارسات أو عند إرساء
العطاءات أو عند تنفيذها ، وفي حالة مخالفة
حكم كل من الآية والحديث المذكورين يمكن إثارة المسؤولية الإدارية ضد
الإدارة العامة عن أي خطأ إداري أو عمل إرادي ضار يصدر عنها باعتبار أن الشريعة
مصدر الأنظمة في الدولة .
5- يقول
سبحانه وتعالى : " وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ " (آل عمران :104) ، ويقول سبحانه وتعالى " كُنتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ
خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ "(آل
عمران:110) ، هاتان الآيتان تعدان ركنين أساسيين لعمل كافة الأجهزة الإدارية
بصفة عامة ورجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأمن بصفة خاصة ، والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر هو مقصود الولاية، وصلاح البلاد والعباد يكون بالأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين بهما صارت الأمة الإسلامية خير الأمم (3)،
وأهمية الآيتين أنهما توجبان على الإدارة العامة وعلى أفراد المجتمع الأمر
والائتمار بالمعروف والنهي والانتهاء عن المنكر كي يكون مجتمعاً معافى من الفساد
والرذيلة ويعيش في إطار الخير والفضيلة كل هذا بفضل إعمال أحكام الشريعة الإسلامية
.
6-
الصدق والإخلاص في أداء أعمال الوظيفة العامة وتجنب الغش والكذب والخداع والتهرب
من أداء الأعمال طبقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الصدق بر وإن
البر يهدي إلى الجنة وإن العبد ليتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، وإن الكذب
فجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن العبد ليتحرى الكذب حتى يكتب كذابا"(1) .وقوله صلى الله عليه وسلم " ما من وال
يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة " (2).
7- إن
القائد مسؤول عن مرؤوسيه وإن الموظف (مدني أو عسكري) مسؤول عن أعمال الوظيفة
المسندة إليه ، لذا يجب على كل منهم القيام بمسؤولياته خير قيام لأنه سيسأل عنها
" يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ
بِقَلْبٍ سَلِيمٍ " (الشعراء88، 89) ، وهذا يفهم من قوله صلى الله
عليه وسلم :" ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع
وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت
بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راع
وكلكم مسؤول عن رعيته" (1).
8-
حسن الخلق ملزم للموظف في تعامله مع رؤسائه ومرؤوسيه وأفراد
الشعب من لين في القول وأدب في التخاطب وشفافية في اللقاء وترحيب بالقادم عليه
وحسن الاستماع لطلباته بعد حسن رد السلام وعدم رفع الصوت عليه ، وأن يتعامل مع
المراجعين في تواضع وأدب يعكس حسن تربيته وأصالة معدنه ونبل أخلاقه وتأسيه برسول
الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى فيه :" فَبِمَا رَحْمَةٍ
مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ
مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ
فَإِذَا عَزَمْتَ
فَتَوَكَّلْ
عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ "(آل عمران:159)، وعملا
بقوله تعالى : " وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي
الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ "
(18:لقمان) ، وفي سيرته وسنته صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة حيث قال : "
ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه
الله"(2)
وقال "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" (3) : وقال "
المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" (1)
: وقال " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"(2)
: وقال " من يحرم الرفق يحرم الخير" ، وقال "إن الرفق لا يكون في
شئ إلا زانه ولا ينزع من شئ إلا شانه" (3) ، وقال "إن
شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه أو تركه الناس اتقاء فحشه" (4)
.
9- يجب
على منسوبي الجهات الإدارية إنجاز المعاملات وتبسيط الإجراءات تجنبا للروتين
والتعقيد لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من سمَّع سمَّع الله به ومن
يشاقق يشقق الله عليه يوم القيامة" (1) وفي الحديث تحذير
وتنفير من الرياء وإدخال المشقة على الناس، وقال صلى الله عليه وسلم "إن الله
يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا"(2).
10- يجب
على الموظف (مدني أو عسكري) طاعة رؤسائه في غير معصية الله لأنهم من أولي الأمر ،
وعليه تجنب الفتن وأوجه الاختلاف مع زملائه ورؤسائه وعليه أيضا رد الاختلاف إن وجد
إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم طبقا لقوله سبحانه : " يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي
الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ
وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً " (النساء:59) وطبقا لقوله صلى الله عليه
وسلم : " من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع أميري فقد
أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني"(1) ، والطاعة للرؤساء
مقيدة بعدم معصية الله لقوله صلى الله عليه وسلم "على المرء المسلم السمع
والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة "
11- يجب
على منسوبي الجهات الإدارية عدم قبول الرشوة أو الهدايا التي ظاهرها التقدير
وحقيقتها الرشوة والحصول على حقوق الآخرين وعلى الرؤساء مراقبة مرؤوسيهم وتوجيههم
ومحاسبتهم في هذا الشأن وغيره سيرا على هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد
أورد الإمام مسلم في صحيحه بابا سماه "باب تحريم هدايا العمال" وذكر
الحديث التالي : "عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه
وسلم رجلا من الأزد على صدقات بني سليم يدعى إبن الأتبيّة فلما جاء حاسبه. قال هذا
مالكم وهذا هديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فهلا جلست في بيت
أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا " ؟. ثم خطبنا بحمد الله وأثنى عليه
ثم قال :" أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي
فيقول: هذا لكم وهذا هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن
كان صادقا والله لا يأخذ أحدكم منها شيئا بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم
القيامة : فلأ عرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو
شاة تيعر" ثم رفع يديه حتى روي بياض إبطيه ثم قال " اللهم هل بلّغت
" (1).
12- يجب
على الموظفين قادة ومرؤوسين مراقبة الله في السر والعلن وتطبق حقيقة معنى الإحسان
الوارد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن تعبد الله كأنك تراه فإن
لم تكن تراه فإنه يراك" (1) : والعبادة كما
قال الإمام ابن تيمية : " اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال
الباطنة والظاهرة وأن يذعن العبد إذعانا كاملا"(2)،
فهي ليست مجرد أقوال باللسان وحركات بالجوارح مجردة المعنى وإنما هي مراقبة لله
تعالى في السر والعلن لأنه سبحانه"يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" ،
فعلى منسوبي المرافق العامة مراعاة حمى الله باجتناب محارمه إعمالا لقوله صلى الله
عليه وسلم " الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من
الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى الحمى
يوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى ألا إن حمى الله في أرضه محارمه ألا وإن في
الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"(1).
13-
على كل موظف أن يعي حقيقة أن المركز
الوظيفي الذي يشغله مؤقت وزائل بأقرب الأجلين الموت أو الإحالة إلى التقاعد، لذا
يجب عليه تجنب أمراض القلب من حسد، وغل، وبغضاء، وشحناء، وعجب، وخيلاء، ونفاق،
ورياء وتزلف وإراقة ما للوجه من ماء، وجدال، وحقد وسعي للانتقام، وظلم ونهب للمال
الحرام لأن الله سبحانه وتعالى حي لا يموت مطّلع على أعمال خلقه"لا تأخذه سنة
ولا نوم" سبحانه " يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، لذا وجب على
الموظف حسن القيام بتبعات الوظيفة العامة على خير ما يرام كي يكون مطعمه حلالا
وملبسه حلالا وتنشأ ذريته من حلال ويبارك الله له في رزقه ووقته وبذلك يكسب رضا خالقه
لأنه مطلع على عمله وسيحاسبه على التقصير فيه لقوله تعالى : " وَقُلِ
اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ
وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا
كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " (التوبة:105)، وأنه سبحانه يحاسب الظالمين على
أعمالهم كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل
يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته" ثم
قرأ " وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ
إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ " (هود: 102) ، لكل هذا وجب على
الموظف أن يتقي الله ولا يظلم عباده ولايكسب إلا حلالا لأن خالقه سبحانه :"وَهُوَ
اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ
وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ "(سورة الأنعام:3)
14- يجب
على الموظف أن يوقن حق اليقين ويؤمن بقلبه حق الإيمان لا مجرد ألفاظ باللسان أن
الرزق بيد خالقه الرزاق وحده سواء أكان الرزق ترقيات أو منح علاوات أو بعثات أو
انتدابات ، فكل هذا وغيره من مزايا استمرار الوظيفة أو إنهاء الرابطة الوظيفية بيد
الله وحده القائل في محكم التنزيل " إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو
الْقُوَّةِ الْمَتِينُ " (الذاريات:58) والقائل
" لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن
فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ " (النور:38) والقائل
" وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي
الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا
وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ " (هود:6) ،
والقائل " وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ
لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ " (العنكبوت:60) ، والقائل " اللَّهُ لَطِيفٌ
بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ"
(الشورى:19) ،
وليعلم كل موظف أن الأجل بيد الله وحده القائل في كتابه الكريم : " وَلَن
يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ "(المنافقون:11) ، والقائل :"وَلَوْ يُؤَاخِذُ
اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن
يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ
سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ "(النحل:61) ، والقائل : " هُوَ
الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ
ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ " (الأنعام:2) ، والقائل " وَمَا
كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن
يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ
نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ "(آل عمران:145) ،
فطالما أن الرزق والأجل بيد الله فعلى كل موظف أن يتقي الله في أي قرار يصدره
ويؤدي أعمال الوظيفة بإخلاص لله دون نفاق للرؤساء أو خداع لخلق الله من المستحقين
لخدمات المرافق العامة ، وأن يعمل لغده الذي هو آت لا ريب فيه ولا يشغله حاضره
الذي هو زائل لا راد عنه ، يقول سبحانه وتعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " (الحشر:18)،
ويقول سبحانه: " وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ
وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ
وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ
" (القصص:77) ، ويقول سبحانه وتعالى : " مَّنِ اهْتَدَى
فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ
تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ
رَسُولاً " (الاسراء:15) ، ويقول سبحانه :" مَنْ عَمِلَ
صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ
تُرْجَعُونَ " (الجاثية:15) ، لذا كان على الموظف أن
ينجو بنفسه من زخارف الدنيا الزائلة وشرورها العاجلة والآجلة بتقوى الله الذي تكفل
لمن تمسك بتقواه بالمخرج من كل مأزق ومنحه الرزق الحسن ، يقول سبحانه وتعالى:
" وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ
حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ
اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا " (الطلاق:2،
3) ، وليعلم كل موظف أنه لن ينفعه ماله ولا مركزه ولا قريب له ولا حسيب وإنما
التقوى فقط هي معيار التفاضل عند رب العالمين يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا
وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ
اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ "(الحجرات:13)،ويقول سبحانه"يَوْمَ
يَفِرُّالْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ.وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ.وَصَاحِبَتِهِ
وَبَنِيهِ.لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ" (عبس:37:34)
وليعلم كل موظف يضيع وقت العمل في الغيبة والنميمة واستخدام الهاتف في إهدار وقت
العمل أنه محاسب عن كل قول يصدر عنه لقوله تعالى: " مَا يَلْفِظُ مِن
قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ " (ق:18).
15- يجب
على الموظف تجنب النفاق والذي بين خصاله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي
قال فيه :" أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه
خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف وإذا خاصم
فجر" وفي رواية "آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم"(3).
16-
يجب على منسوبي المرافق العامة
وأفراد المجتمع أن يكون التعامل بينهم على أساس من
الود والحب والتفاهم والتماس الأعذار والحلم والصبر وإتباع الحكمة والموعظة الحسنة
في القول والعمل وأن تكون النصيحة خالصة لله في إطار الأخوة الصادقة إتباعا لسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال :" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللّهِ : «لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا. وَلاَ
تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا. أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا
فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ «أَفْشُوا السَّلاَمَ بَينَكُمْ». " وقال :"
«الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لله وَلِكِتَابِهِ
وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ "(1)
، فإذا طبقت القواعد السابقة وغيرها من قواعد الشريعة الإسلامية في تعامل منسوبي
المرافق العامة رؤساء ومرؤوسين سواء فيما بينهم أو مع أفراد المجتمع لكان هذا هو
الطريق القويم لتقدم المجتمع وازدهاره ، ومصدر حسن النية في تطبيق الأنظمة
واللوائح والقرارات الإدارية في إطار السياسة الشرعية المستمدة من قواعد ومبادئ
الشريعة الإسلامية التي يسعد في ظلها موظفي المرافق العامة وأفراد المجتمع الذين
يترددون عليهم للحصول على المنافع والخدمات العامة.
(2) سورة المائدة الآية الأولى حيث أن كلمة
عقود هنا تشمل العهود التي أوجبها الله على عباده من شرائع دينه وكذلك العهود التي
تعاهد عليها الناس من بيع وشراء وذمة وأمان ، أنظر مختصر تفسير الطبري، اختصار
وتحقيق الشيخ محمد علي الصابوني،د. صالح أحمد رضا دار التراث العربي بالقاهرة،بدون
سنة الطبع، المجلد الأول،ص 186.
(3) د. ماجد راغب الحلو ، المرجع السابق، ص
83 .
(4) سورة المائدة الآية الثانية وانظر مختصر
تفسير الطبري ، المرجع السابق، المجلد الأول، ص 187.
(1) د. ماجد راغب الحلو، المرجع السابق ص
38.
(3) صحيح مسلم
بشرح النووي مجلد 3ص 1457
(3) ابن تيمية ، الجوامع في السياسة الإلهية
والآيات النبوية "السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية" مكتبة نخبة
الأخيار بالقاهرة 1306هـ ، ص 34 .
(1) صحيح مسلم بشرح النووي مجلد4 ص 2013 ( 2) فتح الباري
بشرح صحيح البخاري مجلد13 ص 109
(1) صحيح مسلم بشرح النووي مجلد 3 ص 1459
(3) الحديثان في صحيح مسلم، السابق، ص53 (4) صحيح مسلم،
السابق، مجلد 4 ص200
(1) فتح الباري ، مجلد 13، ص 111. (2) صحيح مسلم
مجلد 4 ص 2018
(1) صحيح مسلم، السابق، مجلد 3، ص 1463،
1464
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، المجلد
الأول، ص 141
(2) نقلا عن الشيخ مناع خليل القطان، وجوب
تحكيم الشريعة الإسلامية، إدارة الثقافة والفتوى والنشر بجامعة الإمام محمد بن
سعود بالسعودية ، 1405 هـ ص 51 وما بعدها.
(1) فتح الباري، المجلد الأول ، ص 153
والمراد بالمحارم فعل المنهي المحرم.
إرسال تعليق