عناية الاسلام بالحوار
الحوار نوع من الحديث
يتم بين شخصين ـ على الأقل ـ يتبادلان فيه وجهات النظر ، ولكل منهما فرصة متكافئة
في طرح الآراء والرد عليها ، وعادة ما يتسم الحوار بالهدوء والرزانة بعكس الجدل
المتميز بالمخاصمة ورفع الصوت ، وقد تتضح أثناء الحوار مفاهيم خاطئة أو أمور غامضة
أو أسئلة حائرة لا يجد لها أحد المتحاورين أو كلاهما إجابة حتى يكون الحوار
وقد عني القرآن الكريم
والسنة المطهرة بالحوار عناية بالغة ، وذلك لأهميته للإقناع الذاتي فهو : الطريق
الأمثل للاقتناع الذي ينبع من أعماق صاحبه ، والاقتناع هو أساس الإيمان الذي لا
يمكن أن يفرض فرضا وإنما ينبع من داخل الإنسان(1)
ولكي يحدث هذا
الاقتناع لابد من إخلاص النية والتجرد للوصول إلى الحق بغض النظر عن الأهواء
والشهوات أثناء الحوار مع الآخرين أو حتى مع النفس
يقول تعالى : { قل
إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو
إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد }[ سبأ : 46 ]
فهذه دعوة لكل من يريد
أن يصل إلى الصواب مع من يحاوره أو يخالفه في الرأي وذلك بالتجرد لله تعالى أثناء
المحاورة وبعدها وقبلها ، يقول سيد قطب ـ رحمه الله تعالى ـ حول ظلال هذه الآية :
وهنا يدعوهم دعوة
خالصة إلى منهج البحث عن الحق ( قل إنما أعظكم بواحدة ) إنها دعوة إلى القيام لله
بعيدا عن الهوى ، بعيدا عن المصلحة ، بعيدا عن ملابسات الأرض بعيدا عن الهواتف
والدوافع التي تشتجر في القلب فتبعد به عن الله ، بعيدا عن التأثر بالتيارات
السائدة في البيئة والمؤثرات الشائعة في الجماعة ، دعوة إلى التعامل مع الواقع
البسيط لا مع القضايا والدعاوى الرائجة ولا مع العبارات المطاطة التي تبعد العقل
والقلب عن مواجهة الحقيقة في بساطتها
دعوة إلى منطق الفطرة
الهادئ الصافي بعيدا عن الضجيج والخلط واللبس والرؤية المضطربة والغبش الذي يحجب
صفاء الحقيقة ، وهي في الوقت ذاته منهج في البحث عن الحقيقة ، منهج بسيط يعتمد على
التجرد من الرواسب والغواشي والمؤثرات وعلى مراقبة الله وتقواه ، وهي واحدة إن
تحققت صح المنهج واستقام الطريق ، القيام لله لا لغرض ولا لهوى ولا لمصلحة ولا
لنتيجة .. التجرد .. الخلوص ، ثم التفكر والتدبر بلا مؤثر خارج عن الواقع الذي
يواجهه القائمون لله المتجردون . ( أن تقوموا لله مثنى وفرادى ) مثنى ليراجع
أحدهما الآخر ويأخذ معه ويعطي في غير تأثر بعقلية الجماهير التي تتبع الانفعال
الطارئ ولا تتلبث لتتبع الحجة في هدوء ، ... وفرادى مع النفس وجها لوجه في تمحيص
هادئ عميق . ( ثم تتفكروا ) فما عرفتم عنه إلا العقل والتدبر والرزانة وما يقول
شيئا يدعو إلى التظنن بعقله ورشده إن هو إلا القول المحكم المبين (1)
وليس
الوصول للحق هو الهدف الوحيد من الحوار بل إن هناك أهدافا أخرى منها استعادة
المعلومات ومراجعتها لتثبيتها بدل أن تبقى رهينة العقول وفي ذلك يقول الزهري :
إنما يذهب العلم بالنسيان وترك المذاكرة . ويقول آخر : مطارحة ساعة خير من تكرار
شهر .
Post a Comment