دور اهمية التسأل في حياة الانسان
اسلوب السؤال من الأساليب التي لا يستغنى عنها الإنسان الذي منحه الله القدرة على النطق والتفكير ، وهو في حياته اليومية يجد نفسه في حوار أو سؤال مع جيرانه أو أصدقائه أو أهله أو غيرهم ، والمرء في حياته العادية يحتاج إلى هذا الأسلوب كي يشعر بالراحة والطمأنينة ، فما هو دور كل منهما كأسلوب من أساليب التربية ؟ وكيف يمكن توجيهها لتحقيق هذا الغرض ؟
1ـ السؤال :
كل إنسان في هذه الحياة له طاقات معينة وبالتالي فإن معارفه محدودة ولن يحيط بكل شيء ، ومن عرف أشياء غابت عنه أشياء أخرى كثيرة ، ولذا تراه يبحث عن إجابات لما يجهل ، ومن ضمن وسائل الكشف عن المجهول السؤال
وللسؤال مزايا متعددة من توفير للجهد والوقت والمال ، كما أن فيه تحصيل منفعة ودفع مضرة في أمور الدنيا والدين ، خاصة إذا كان المسئول من أهل الخبرة والاختصاص ، قال تعالى { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } [ النحل : 43 ، والأنبياء : 7 ]
ولما كان الأمر كذلك فلا ينبغي للعاقل التردد في السؤال والسكوت على الجهل حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه سواء في القريب العاجل أو في البعيد الآجل ، ويذكر عبد الحميد الهاشمي أن سكوت الإنسان على جهله قد يكلفه غير قليل من تجارب فاشلة ومن آلام ومتاعب ، لأنه لو عرف الإجابة الموفقة لضمن لنفسه العمل السليم أو السلوك الصائب لاسيما في أمور تتصل بالمحاولة والخطأ والتجريب (1)
وتذكر لنا كتب السيرة مثلا يبين مغبة تجاهل السؤال لطلب العلم وتلقي المعرفة ، عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه فقال : هل تجدون لي رخصة في التيمم ، فقالوا : ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات ، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال : قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال ... الحديث
                 [ أبو داود : 1/239 ، وصححه الألباني في إرواء الغليل برقم 105]
ولأهمية السؤال حرص الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ رجالا ونساء على السؤال عما يخفى عليهم من أمور دينهم وورد في القرآن الكريم ما يدل على ذلك مثل قوله : يسألونك ويستفتونك ، وليس هذا خاصا بالرجال بل حتى النساء أيضا ، تقول عائشة بنت الصديق ـ رضي الله عنهما ـ : ...نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين [ مسلم : 1/261] ، ولم يحقق عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ دعوة رسول الله له بالتفقه في الدين إلا بسؤال أهل العلم حتى أنه كان يقول : إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (1)، فبلغ في ذلك شأنا بعيدا حتى أن عمر ـ رضي الله عنه ـ كان يجله ويكرمه لعلمه وكان يدنيه ويستشيره في المعضلات
روى الإمام أحمد عن الزهري بسند ضعيف قال : قال المهاجرون لعمر : ألا تدعو أبناءنا كما تدعو ابن عباس قال : ذاك فتى الكهول إن له لسانا سؤولا وقلبا عقولا (2)
وذكر ابن عبد البر قول عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : زيادة العلم الابتغاء ودرك العلم السؤال فتعلم ما جهلت واعمل بما علمت ، كما ذكر قول ابن شهاب : العلم خزانة مفاتحها المسألة(3)
وقال أمية بن الصلت (4) :
لا يذهبن بك التفريط منتظرا      طول الأناة ولا يطمح بك العجل
فقد يزيد السؤال المرء تجربة        ويستريح إلى الأخبار من يسل
وليس ذو العلم بالتقوى كجاهلها   ولا البصير كأعمى ما له بصر
فاستخبر الناس عما أنت جاهله    إذا عميت فقد يجلو العمى الخبر
ويحمل بالسائل أن يتأدب بآداب السؤال فلا يرفع صوتا ولا يقاطع متكلما ، ويراعي اختيار الألفاظ المناسبة في غير ما تكلف ، ثم ينتظر الإجابة في تواضع واحترام وينصت لفهمها واستيعابها
ومن عود نفسه على السؤال زادت ثقته بنفسه وشعر بالطمأنينة والارتياح لمعرفة الإجابة عما كان يجول بخاطره ويشغل ذهنه ، وإن لم يجد الإجابة لدى المسئول فحسبه أنه بذل وسعه ، وربما يعاود السؤال في مناسبة أخرى


(1) الرسول العربي المربي : مرجع سابق ، ص 233
(1) سير أعلام النبلاء : مرجع سابق ، 3/344
(2) كتاب فضائل الصحابة : أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ، تحقيق وتخريج / وصي الله محمد عباس ، نشر مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي ، مكة ، مؤسسة الرسالة ، 1403 هـ ، جزءان ، 2/844
(3) جامع بيان العلم : مرجع سابق ، 1/87 ـ88
(4) ديوان أمية بن أبي الصلت : جمع وتحقيق ودراسة عبد الحفيظ السطلي ، دمشق ، المطبعة التعاونية ، الطبعة الثانية ، 1394هـ ، ص 436

Post a Comment

Previous Post Next Post