اهوال يوم القيامة
حين ينفخ في الصور ويبعث من في القبور يحشر كل إنسان إلى
ربه حيث يلاقي جزاء ما قدم في حياته الدنيا .
قال تعالى : {
يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون } [ النحل :
111 ] . ويقول : { هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل
عنهم ما كانوا يفترون } [ يونس : 30 ] .
ومعنى هذه الآية
: أي في موقف الحساب يوم القيامة تختبر كل نفس وتعلم ما سلف من عملها من خير وشر (1)
عندما يحشر
الناس يوم القيامة يكون كل فرد مسئولا عن
نفسه ولن يهتم أو يلتفت إلى أقرب أقربائه
وذلك لأن الموقف عصيب والحساب شديد ، وفي ذلك الموقف تنشر الصحف ويطلع كل امرئ على
صحيفته فيرى ما قدم من أعمال ويعرض على الرب عز وجل بدون واسطة أو شفيع .
قال تعالى : {
وكلهم آتيه يوم القيامة فردا } [ مريم : 95 ]
وعن عدي بن حاتم
– رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما منكم من أحد إلا سيكلمه
الله يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان ثم ينظر فلا يرى شيئا قدامه ، ثم ينظر بين
يديه فتستقبله النار ، فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة . [ البخاري :
4/198 ] .
إن الإنسان قد
يشعر بالرهبة إذا التقى بعظيم من عظماء الدنيا أو بملك من ملوكها ، فكيف اللقيا
برب الأرباب وملك الملوك عظيم السماوات والأرض ، وكيف السؤال وكيف الجواب . فتوهم
نفسك يا عبد الله بعد تطاير الكتب ونصب الموازين للحساب وقد نوديت للمساءلة
والحساب .
يقول الشاعر :
مثل وقوفك يوم العرض عريانا
والنار تلهب من غيض ومن حنق
اقرأ كتابك يا عبدي على مهل
لما قرأت ولم تنكر قراءته
نادى الجليل خذوه يا ملائكتي
المشركون غدا في النار يلتهبوا
مستوحشا قلق الأحشاء حيرانا
على العصاة ورب العرش غضبانا
فهل ترى فيه حرفا غير ما كانا
إقرار من عرف الأشياء عرفانا
وامضوا بعبد عصى للنار عطشانا
والمؤمنون بدار الخلد سكانا
وفي يوم
القيامة أيضا تعدد الأهوال ، ومن ذلك الأسئلة الخمسة التي يسأل عنها كل فرد وهي
كما يلي :
السؤال الأول
: كيف قضى عمره المحدود في الحياة الدنيا وهل كان مؤمنا موحدا أو كان فاسقا
عاصيا أم كان كافرا .
السؤال
الثاني : كيف مرت فترة الشباب التي عاشها ؟ هل كانت في طاعة الله ومرضاته أم
في معصية وفسوق وفجور ؟
السؤال
الثالث : من أين اكتسب المال الذي كان يقتات به في الدنيا ؟ هل مصادر كسبه من
حلال ومباح أم من غش وخداع أم من استحلال المحرمات كالربا والخمر والملهيات
بأنواعها ؟
السؤال
الرابع : ما هي طرق إنفاق ذلك المال ؟ هل أدى حق الله فيها وكان نعم المال
الصالح للرجل الصالح ؟ أم أنفقت فيما لا يرضي الله عز وجل ولا يعود بالنفع ؟
السؤال
الخامس : ماذا كانت نتيجة العلم الذي تحصل عليه ؟ هل كان علما نافعا وعمل به
وأدى زكاته ؟ أم أعرض عنه وجعله مطية للحياة الفانية فقط وكان ممن آمن ببعضه وكفر
بالبعض الآخر ؟
ومصداق هذه
الأسئلة الخمسة من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس : عن عمره فيم
أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وماذا عمل فيما
علم . [ الترمذي : 4/529 . وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 7176 ]
ومن الأهوال
التي لا ينجو منها أحد من المؤمنين أبدا المرور على الصراط . قال تعالى : { وإن
منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا * ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها
جثيا } [ مريم : 71-72 ] .
وقد ثبت من
الأحاديث الصحيحة أن الناس يمرون عليه وتكون سهولة ذلك بقدر أعمالهم في الدنيا ،
فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب ، ومنهم من يمر كالريح ، ومنهم من يمر كالطرف ، ومنهم
من يمر كشد الرحل يرمل رملا . فيمرون على قدر أعمالهم حتى يمر الذي نوره على إبهام
قدمه تخر يد وتعلق يد وتخر رجل وتعلق رجل وتصيب جوانبه النار . (1)
ومن رحمة الله
عز وجل أن الناس يتفاوتون في الحساب فمنهم من يحاسب حسابا يسيرا ومنهم من يحاسب
حسابا عسيرا كل حسب عمله في الدنيا .
فقد حدثت عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك . فقلت : يا رسول الله أليس قد
قال الله { فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا } ؟ فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : إنما ذلك العرض ، وليس أحد يناقش الحساب إلا عذب . [ البخاري
: 4/198 ]
والمراد
بالمناقشة الاستقصاء في المحاسبة والمطالبة بالحقير قبل الجليل وترك المسامحة
والعفو .
وقال رجل لابن
عمر : كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى ؟ قال : سمعته يقول :
يدني المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول : هل تعرف ؟ فيقول
: رب أعرف . فيقول : إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم . قال :
فيعطى صحيفة حسناته . وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق : هؤلاء
الذين كذبوا على الله . [ مسلم : 4/2120 ]
وإذا تقرر ما
ذكر عن الجزاء والحساب يوم القيامة يتضح جليا أن الجزاء من جنس العمل وهذا هو غاية
العدل من رب العباد ، قال تعالى : { قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن
عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ } [ الأنعام : 104 ] .
وقال : { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك
بظلام للعبيد } [ فصلت : 46 ] وقال : { فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن
الجحيم هي المأوى } [ النازعات : 37-41 ] وقال : { لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه
* وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة * ووجوه يومئذ عليها غبرة * ترهقها قترة *
أولئك هم الكفرة الفجرة } [ عبس : 37-43 ] .
إن الفرد الذي
ينتظر جزاء ما قدمت يداه من خير ويخشى سوء ما اقترفت من شر لن يكون في تصرفاته
وسلوكه مثل من لا يعتقد ذلك ، ولذا تراه يراقب الله في كل حين ويسوق نفسه سوقا
لنيل مرضاة الله وفكاكها من عقابه .
أخيرا لا يعد من
المبالغة إذا اعتبر الباحث مبدأ المسئولية أهم مبادئ التربية الذاتية التي تتحكم
في تصرفات الإنسان المسلم . كيف لا وهي تبدأ معه في هذه الحياة ثم تلازمه في قبره
وينتهي به المطاف معها يوم يقوم الناس لرب العالمين حيث يلاقي العبد نتيجة تحمله
إياها . وهي فرصة واحدة فقط لا يعطى عبد غيرها ولا يعوض عنها . فإن أحسن العمل
فهنيئا له بجنة عرضها كعرض السماء والأرض وإن أساء استخدام تلك المسئولية فمصيره
إلى بارئه يجازيه بما يستحق أو يفعل سبحانه ما يشاء . والأمر لله من قبل ومن بعد .
إرسال تعليق