نشأة القانون الإداري
 هناك رأيان لدى شراح القانون الإداري(1) حول نشأته تتم الإشارة إليهما في الفرعي التاليين :
الفرع الأول
عدم اشتراط قضاء إداري
أي لا يشترط وجود قضاء إداري للقول بوجود قانون إداري في الدولة فهذا الرأي يذهب الى أن القانون الإداري وجد مع وجود الإدارة العامة ليحكم تنظيمها الإداري بتحديد الهيكل التنظيمي للإدارات الحكومية وتقسيم الإدارات والفروع ، وتقسيم الأعمال على هذه الإدارات ، وتحديد اختصاصات كل إدارة وبيان العلاقة بين هذه الإدارات وكيفية إدارتها سواء بالأسلوب المركزي أو اللامركزي ، ويحدد هذا القانون أيضا نشاط الإدارة العامة بتحديد الوظائف والمهام التي يقوم بها منسوبي الإدارات المختلفة ، ويبين الامتيازات التي تتمتع بها الإدارات الحكومية عند ممارسة هذا النشاط منها : إصدار اللوائح والقرارات الإدارية الملزمة لمنسوبيها وأفراد المجتمع ، وسلطة فرض الشروط الاستثنائية في العقود الإدارية ، وتمتعها بالسلطة التقديرية في اتخاذ القرار أو عدم اتخاذه ، وسلطة التنفيذ المباشر لقراراتها دون حاجتها لللجوء إلى القضاء ، وسلطة نزع الملكية للمنفعة العامة، والاستيلاء المؤقت على العقارات ….الخ ) ، فطبقا لهذا الرأي فإنه طالما كانت قواعد التنظيم الإداري والنشاط الإداري مقننة وتحمي حقوق الأفراد بما لا يخل بالمحافظة على المصالح العامة فإن القانون الإداري يكون موجودا سواء كانت الدولة تأخذ بالقضاء العادي أو القضاء الإداري طالما أن القاضي يطبق قواعد قانونية تمنح الإدارة العامة الامتيازات اللازمة لتحقيق المصلحة العامة ، ويتفق هذا الرأي مع التاريخ لأن القول بعدم وجود قانون إداري إلا بوجود قضاء إداري يعني أن الإدارات العامة في الدول التي لم يوجد بها هذا القضاء كانت بدون قواعد تحكم التنظيم والنشاط الإداريين ، وهذا غير منطقي بدليل أن كثيرا من شراح القانون الإداري قالوا بوجود قانون إداري في مصر قبل إنشاء القضاء الإداري "مجلس الدولة" ، والواقع في المملكة العربية السعودية يؤكد وجود قانون إداري قبل صدور نظام ديوان المظالم عام 1402هـ .


الفرع الثاني
ضرورة القضاء الإداري
يشترط الرأي الثاني لوجود القانون الإداري أن يوجد قضاء إداري ـ بجانب القواعد القانونية للتنظيم والنشاط الإداريين ـ ليتولى حل المنازعات الإدارية باعتباره قضاء متخصصا يجيد إجراء الموازنة بين مصالح الأفراد والمصلحة العامة بما يحمي حقوق كل من الإدارة العامة والأفراد بدرجة أفضل من عرض هذه المنازعات على قضاء ينظر في كافة المنازعات بنفس الدرجة من المساواة فلا يفرق بين منازعة إدارية ومنازعة مدنية أو تجارية أو جنائية ، فالقضاء الإداري في نظر هذا الرأي ركن إذا تخلف ينتفي القول بوجود قانون إداري بالمعنى الفني الدقيق  ، وإبداءً للرأي حول هذين الاتجاهين يمكن القول بالآتي  :
أن القانون الإداري يوجد مع تناوله لأحكام التنظيم والنشاط الإداريين بطريقة تحدد الاختصاصات والمهام والجهات الإدارية المختصة بالقيام بها على نحو تقوم معه بواجباتها تحقيقا للمصلحة العامة وحماية لحقوق الأفراد وحرياتهم سواء عرضت المنازعات الإدارية على قاض عادي أو إداري ، لكن هذا لا يعني الإقلال من شأن القضاء الإداري فإن عرض المنازعات الإدارية على قاض متخصص يجعله أقدر من غيره على حسن تقدير الأمور، فمن خلال اطلاعه على الكثير من القضايا الإدارية يكون أكثر دراية بأبعاد العمل الإداري ويستطيع بما له من سعة اطلاع وحسن تقدير أن يحمي المصلحة العامة من اعتداء الأفراد ويحمي الأفراد من تعسف الإدارة ، ولهذا يكون من الأفضل إسناد الفصل في المنازعات الإدارية لقضاء إداري متخصص في نظرها ، مما يجعل من قواعد القانون مصدرا حقيقيا للتوازن بين المصلحة العامة والمصلحة الفردية ، وهذا يتحقق إذا وجد الخبير بكيفية وأبعاد هذه الموازنة ، أي القاضي الإداري المتخصص .
خلاصة القول : أن القانون الإداري وجد مع قيام الإدارة العامة سواء كانت الدولة بها قضاء إداري أم لا ، لكن وجود القضاء الإداري يجعل له دوراً أكثر أهمية عند قيام المنازعات الإدارية ، ويؤكد ذلك أنه قبل صدور نظام ديوان المظالم عام 1402هـ كانت توجد في المملكة قواعد قانونية إدارية تبين تنظيم الإدارة العامة وتحكم نشاطها ، واستمرت هذه القواعد بعد إصدار هذا النظام الذي جعل من ديوان المظالم هيئة قضاء إداري مستقلة تفصل في المنازعات الإدارية ، وبذلك يكون قد تحقق لدى المملكة مزايا التخصص بإسناد الفصل في المنازعات الإدارية لقاض متخصص على دراية بأبعاد ومراحل العمل الإداري وما ينجم عن ممارسته من آثار ، وبهذا التطور أيضا فإنه يوجد في المملكة الآن بجانب قواعد التنظيم الإداري وقواعد النشاط الإداري قضاء إداري متخصص في نظر المنازعات الإدارية المترتبة على ممارسة الإدارة العامة للنشاط الإداري ، وبهذا تكون موضوعات القانون الإداري الثلاثة ؛ التنظيم الإداري ، والنشاط الإداري ، والقضاء الإداري موجودة في المملكة منذ عام 1402هـ (1).
والدليل على ما سبق : نذكر أمثلة من القواعد النظامية على التنظيم والنشاط الإداريين قبل عام 1402هـ وبعده :من الأنظمة التي كانت تحكم التنظيم والنشاط الإداريين في المملكة قبل أن يصبح ديوان المظالم قضاء إداريا مستقلا ما صدر من أنظمة في الأعوام التالية :
سنة 1345هـ نظام التدريس في المسجد الحرام ، وسنة 1346هـ نظام كتاب العدل، نظام النقد الحجازي النجدي ، نظام العمد ، نظام دائرة بلدية مكة المكرمة، نظام مجلس الشورى ، وفي سنة 1350هـ نظام المأمورية العامة ، وفي عام 1397هـ : نظام الخدمة المدنية ، ونظام الأحوال المدنية، ونظام مشتريات الحكومة (1) ، ولقد صدر نظام النيابة العامة عام 1344هـ الذي عين بموجبه رئيسا للحكومة ومرجعا للدوائر الرسمية ، أيضا صدرت التعليمات الأساسية عام 1345هـ وقضت الأوامر الملكية بالآتي: إنشاء المجالس الاستشارية، ومجلس الشورى ، ومجالس الإدارة في جدة المدينة ، ومجالس النواحي ، ومجالس القرى والقبائل، والمجالس العمومية البلدية، وديوان المحاسبات ، والمفتشية العامة، وهيئة الرقابة الإدارية، ولجنة التفتيش والإصلاح ، ومجلس الوزراء..الخ(1) ، وبذلك يكون القانون الإداري قد نشأ في المملكة قبل عام 1402هـ وإن كان قد حالفه التطور منذ إنشاء ديوان المظالم وصدور المجموعات النظامية عنه وأخيرا بلوغه المزيد من التطور بعد أن أصبح الديوان هيئة قضاء إداري مستقلة تعمل على تطوير أحكام القانون الإداري بمراعاة التوازن بين مصالح الأفراد والمصلحة العامة.


(1) د. بكر القباني المرجع السابق ص 26 : 28 ، د. ثروت بدوي القانون الإداري ، دار النهضة العربية 1974 ص  63:60 ، 81 : 86 ، د. ماجد راغب الحلو المرجع السابق ص 37: 50 د.سليمان الطماوي المرجع السابق ص 5 : 11 د. أنور أحمد رسلان القانون الإداري السعودي المرجع السابق ص 28: 41 ، د. عادل عبد الرحمن خليل القانون الإداري السعودي ص 25 : 29 .
(1) د. أنور محمد رسلان المرجع السابق ص 34، 39.
(1) د. أحمد بن عبد الله بن باز،النظام السياسي في المملكة العربية السعودية،بدون الناشر 1414هـ ص90: 103

Post a Comment

أحدث أقدم