خصائص مميزات القانون الإداري 
يتناول هذا المطلب خصائص القانون الإداري وعلاقته بعلم الإدارة العامة في الفرعين التاليين :

خصائص القانون الإداري
تتمثل أهم هذه الخصائص في الآتي :
1ـ عدم تقنين كل قواعده : إن القانون الإداري في المملكة العربية السعودية شأن غيرها من بلدان نظام القانون والقضاء المزدوج لا تجمع قواعده مجموعة نظامية واحدة كتلك التي تجمع قواعدها مجموعة واحدة ( مثل النظام الأساسي للحكم والعمل والعمال والمرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية ) .
وهذا مرجعه التطور المستمر في مختلف النواحي الاقتصادية والاجتماعية والذي يشمل الأجهزة الإدارية وأنشطتها المختلفة .
المقصود بالتقنين : ويقصد بتقنين فرع معين من فروع الأنظمة : تجميع قواعد هذا الفرع في مجموعة نظامية واحدة تشمل كافة القواعد التي يقوم عليها هذا الفرع فأحكام العمل والروابط بين العمال والمسؤول عن العمل مثلا يجمع قواعدها مجموعة نظامية واحدة يطلق عليها نظام العمل والعمال  ، ولا شك أن التقنين يضفي على النظام المقنن ثباتاً وأفضلية على النظام غير المقنن مما يجعل من اليسير الرجوع إلى قواعده من قبل كل من  : القاضي والباحث وغيرهما ، والتقنين يجعل من السهل أيضا تطبيق هذه القواعد من قبل موظفي الجهات الحكومية المخاطبة بتطبيقها .
 وهذا بالتأكيد أفضل من تفرق هذه القواعد بدرجة يصعب معها الرجوع إليها ، ويلاحظ أن سمة التقنين هذه تتعارض إلى حد كبير مع طبيعة قواعد القانون الإداري حيث لا تقتصر هذه القواعد على تلك التي تصدر في شكل أنظمة وإنما تشمل أيضاً :ما تتضمنه اللوائح المختلفة والتي كثيراً ما تتغير وتتبدل لمواجهة التطور في أي ظروف من شأنها التأثير في العلاقات الإدارية وأيضا كثرة الأعراف الإدارية التي تسير عليها الجهات الحكومية والتي تختلف من جهة إلى أخرى ، وهذا يجعل سمة عدم الثبات تسري على الأنظمة واللوائح الإدارية بالمقارنة بغيرها من الأنظمة واللوائح لأن الأولى تواجه المشاكل الإدارية المتجددة باستمرار .
وهذا بدوره يجعل من الصعوبة بمكان إعداد تقنين يجمع كل نصوص وقواعد القانون الإداري ، وحلا لهذه المشكلة يتم إعداد تقنين جزئي لبعض الموضوعات الإدارية التي تتفق طبيعتها مع التقنين الثابت ثباتاً نسبياً مثل : نظام الخدمة المدنية ونظام مجلس التعليم العالي ونظام تأمين مشتريات الحكومة ونظام خدمة الضباط ونظام الكليات العسكرية ...إلخ.
2- لديوان المظالم دور متميز في تطوير أحكامه :  نظراً للدور المتميز الذي يقوم به القاضي الإداري في مجال القواعد القانونية الإدارية أطلق شراح القانون الإداري اصطلاح " القانون القضائي" على القانون الإداري   
وهم يعنون بهذا أنه وإن كان القاضي في مجال تطبيق فروع القانون الأخرى يقوم بتفسير النصوص النظامية وتحديد ضوابطها متقيدا بهذه النصوص فهو في مجال القانون الإداري له دور أوسع مدى وأبعد عمقاً ويتمتع بسلطة أوسع (1) ، وكثيرا ما يستنبط مبادئ قانونية عامة لحل المشكلات الإدارية إذا لم تسعفه النصوص الموجودة ، فالقضاء الإداري ( ديوان المظالم ) يقوم بدور هام وأساسي لإيجاد الحلول للمشكلات والمنازعات الإدارية حتى تلك التي لا توجد نصوص نظامية أو لائحية تضع لها حلولاً.
 ويراعي الديوان ضرورة التوازن بين المصلحة العامة ومصالح الأفراد(1) ، وكان للقضاء الإداري دور بناء في إيجاد وتطوير نظريتي القرارات الإدارية والعقود الإدارية وتطبيق مبدأ المساواة في التمتع بخدمات المرافق العامة والمساواة في التكاليف والأعباء العامة وكفالة حق الدفاع أمام القضاء…الخ ، والقاضي الإداري وإن كان يتمتع بسلطة أكبر حيال المنازعات الإدارية إلا أن هذه السلطة ليست مطلقة وإنما تتقيد بأحكام الشريعة الإسلامية ونصوص الأنظمة واللوائح المعمول بها في الدولة .
ومن المبادئ التي قررها ديوان المظالم في هذا الشأن:" أن الديوان يفصل في المنازعات التي تثور بين جهات الإدارة المختلفة والأفراد بوصفه قاضيا إداريا على نحو يحقق التوازن والانسجام بين مقتضيات النشاط الإداري ومتطلبات المصلحة العامة التي تقوم عليها الإدارة وبين كفالة حق الطرف الآخر في المنازعة ومصلحته الخاصة ، نتيجة لذلك إذا لم تكن ثمة قاعدة نظامية تحكم موضوع النزاع المطروح فللديوان أن يجتهد في وضع الحل المناسب الذي يتسق مع وقائع المنازعة وملابسات إثارته  " (1).
ـ المرونة والتطور : يتسم القانون الإداري بالمرونة والقابلية الدائمة للتطور ، فنظراً لأن حاجات المجتمع تتطور باستمرار نتيجة للتقدم الاقتصادي والاجتماعي والتقني الذي يترجم تطور وظيفة الدولة الحديثة واتساع صور أنشطتها ، فإن هذا التطور واتساع صور النشاط يترتب عليهما التغير المستمر في ظروف المجتمع مما يحتم على الإدارة الحكومية الاستجابة لهذا التطور ، ويتطلب من المنظم أيضاً مسايرة هذا الوضع بقواعد نظامية إدارية مرنة ومتطورة تساعد الإدارة الحكومية على القيام بتبعاتها وتحريرها بقدر المستطاع من الروتين والجمود مساهمة في نمو وتقدم المجتمع وازدهاره (2) ، والذي يرصد سير الوزارات والإدارات الحكومية خلال المائة عام الماضية يتبين له صدور كثير من المراسيم والأوامر السامية بشأن إنشاء وزارات جديدة أو التوسع في مهام تلك الوزارات أو إنشاء مؤسسات عامة جديدة أو إلغاء بعض الإدارات الحكومية أو إدماج بعضها مع الآخر.
 على سبيل المثال : فقد مر تطور النظام الإداري لبعض الأجهزة الحكومية في المملكة بالآتي : تولى المجلس الأهلي عام 1433هـ مهام الإدارة في الحجاز وكان يعاونه مجالس استشارية ، وعندما تأسست النيابة العامة عام 1345هـ أصبحت الشؤون الداخلية جزءاً منها.
 وفي عام 1350هـ صدر نظام مجلس الوكلاء وألغيت النيابة العامة وتم تقسيمها إلى قسمين :
 القسم الأول : وزارة الداخلية: ويتبعها : المحاكم والشرطة العامة والبلديات ومديرية الصحة ومديرية البرق والبريد ومديرية المعارف.
والقسم الثاني: رئاسة مجلس الوكلاء ويتبعه: وزارة الخارجية ومجلس الشورى ورئاسة القضاء ومديرية الشؤون العسكرية ووكالة المالية وأمراء ملحقات الحجاز ، وفي عام 1353هـ تم دمج وزارة الداخلية مع ديوان رئاسة مجلس الوكلاء وظل وضعها كذلك حتى صدر المرسوم الملكي رقم (5/11/ع/8697) وتاريخ 26/8/1370هـ بتشكيل وزارة الداخلية . أيضا قبل صدور المرسوم الملكي بإنشاء مجلس الوزراء عام 1373هـ وجد بالمملكة ست وزارات هي الداخلية والدفاع والطيران والمالية والصحة والمواصلات , وبعد ذلك وحتى عام 1389هـ أنشئت وزارات جديدة مثل الحج والأوقاف والعمل والإعلام والتجارة والصناعة والمعارف بالإضافة إلى مؤسسات عامة وهيئات وأجهزة إدارية أخرى .
أيضا تم إنشاء وزارة البرق والبيد والهاتف ثم ألغيت بعد ذلك . كذلك تم تغيير مسمى وزارة المعارف إلى مسمى وزارة التربية والتعليم . أيضا ألغيت الرئاسة العامة لتعليم البنات وتم ضمها إلى وزارة المعارف والتي سميت بوزارة التربية والتعليم .
مما سبق يتضح أنه صدرت عدة قرارات إدارية بإنشاء وزارات ومؤسسات عامة عاصرها أوامر ملكية بتعيين وزراء ورؤساء للتنظيم الإداري لهذه الإدارات ، وطرأ تطور على هذه الإدارات بالإلغاء والتعديل والإنشاء وصدور قرارات إدارية تعكس مرونة القانون الإداري واستجابته للحداثة والتطور(1) ، ونظرا لأن المال العام يعد من العناصر المادية للمرافق العامة فإن ديوان المراقبة العامة يتابع مدى ملاءمة الأنظمة المالية للتطورات التي تطرأ على الإدارة العامة ويقدم الاقتراحات اللازمة لتطويرها ، ويستفاد هذا من نص المادة (8/ج) من نظام الديوان لعام 1391هـ والتي تقضي بالآتي: " تقوم أجهزة الديوان بمتابعة الأنظمة واللوائح المالية والحسابية النافذة للتحقق من تطبيقها وكفايتها وملاءمتها للتطورات التي تطرأ على الإدارة العامة بالمملكة وتوجيه النظر إلى أوجه النقص في ذلك وتقديم الاقتراحات اللازمة لتطوير هذه الأنظمة واللوائح أو تغييرها ، وعند دراسة اللجنة العليا للإصلاح الإداري نجد أن من أهم اختصاصاتها اتخاذ القرارات التي توصي بتعديل بعض الأنظمة ورفعها لجهة الاختصاص لتعديلها طبقا للإجراءات الواجبة الإتباع.


(1) د. ماجد راغب الحلو، المرجع السابق، ص53،54، د.سليمان الطماوي ، المرجع السابق ص 4،13.
(1) د.محمود حلمي ، د. فؤاد النادي ، المرجع السابق ص 11 .
(1) قرار ديوان المظالم رقم (70/ت) لعام 1400هـ في القضية رقم (266/1/ق لعام 1399هـ)
(2) د. أنور أحمد رسلان ، المرجع السابق، ص 128، د. محمود حلمي، د. فؤاد النادي المرجع السابق ، ص 139.
(1) تطور الإدارة العامة في المملكة العربية السعودية خلال مائة عام إعداد معهد الإدارة العامة، المرجع السابق ص 165، 166، 199، 200.

Post a Comment

أحدث أقدم