السلوك المتميز في حياة الإنسان يطلق عليه القيم الروحية مع أنها في حقيقة
تفاعلها قيم نفسية، وبعد أن تعايشت النفس مع رغباتها-استسلمت لشهواتها وزين لها
الشيطان أعمالها حتى أكل آدم من الشجرة ونسى نداء ربه، واستجاب لنداء إبليس،
وعندئذ تمكن جانب التقصير من النفس البشرية، وبدأت النفس تعمل بطاقتها التي أرادها
الله لها، وبهذا اكتمل بناء النفس بصورته التي نحن عليها بعد أن أكل آدم من
الشجرة، وبعدها ظهرت معالم المعصية مجسدة وهذا ما اخبرنا به ربنا سبحانه من قصة
آدم وإبليس حين يقول سبحانه:
(فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما
من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما
عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين).(الأعراف:22)
فما هي هذه الشجرة ؟
اختلف المفسرون رضي الله عنهم في حقيقة هذه الشجرة وما نوعها، والحقيقة
التي لا يختلف عليها أحد أن الشجرة تختلف ثمارها عن ثمار الجنة وإن تشابهت في
مظهرها، بمعنى أن من يأكل من ثمار هذه الشجرة تتفاعل أمعاؤه وأحشاؤه بطريقة تختلف،
فالثمار لها قشور عسرة الهضم ويتم هضمها في الأمعاء شأن طعام الدنيا الذي تتفاعل
له الأمعاء والأحشاء لأن بيولوجيته تختلف عن بيولوجية ثمار الجنة التي لا فضلات
لها إطلاقاً أما ثمار هذه الشجرة فهي بمواصفات الدنيا تحرك الغرائز وتحرك الأمعاء
وتحرك الشهوات ولهذا عندما تفاعلت في الجسم بدت لهما سوءاتهما وظهرت العورة تفصح
عن مكان الغريزة.
وفي الدنيا أصبح آدم إنساناً يحمل نفساً تجمع بين الملائكية التي عاش بها
في الجنة وبين الغريزية التي أكل بها من الشجرة، وظلت النفس تحمل التقوى والفجور
معاً، ولعلني قد وضحت بعض ما يلتبس على الناس وهم يخلطون في المفهوم بين النفس
والروح-أما الروح فعلمها لله وحده، وكل ما يصل إليه علم البشر أن الجسم خلق مادي
عضوي، والنفس خلق معنوي وربنا سبحانه سوى الجسد بعلمه فقال سبحانه(سبح اسم ربك
الأعلى الذي خلق فسوى)(الأعلى : 1-2)
وسوى النفس بحكمته فقال :(ونفس وما سواها)(الشمس :7)
والروح بينهما من أمر الله تسير الجسم والنفس معاً، فإذا خرجت الروح فلا
جسم يتحرك ولا نفس تشتهي وصدق ربنا سبحانه
وتعالى وهو يقول :
(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا
قليلاً)(الإسراء:85)
وأصبح من توجيهات رسالات السماء إلى البشر أن يصلوا إلى تزكية نفوسهم
بمنهج الخالق سبحانه مصداقاً لقوله تعالى :
(قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دساها)(الشمس:9-10)
وكان آدم عليه السلام بعد هبوطه على الأرض أول من حمل رسالة السماء، وكانت
نفسه هي أول نفس زكاها ربها بكلماته، وأصبحت هذه الكلمات أعظم توبة تتحقق لمسلم
عندما ينتهي إلى هذا المكان.
(فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم)(البقرة: 37)
إرسال تعليق