إسباغ الماء وبيولوجية المعصية :
إسباغ
الماء يحقق له ما يتسامى به من الناحية النفسية في تهدئة النفس فتتغير به ملامح
ثورة الغضب تغييراً كاملاً حقيقياً .
وهذا الحديث إعجازه العلمي خارق فهو يشير على ما يحدث بداخل الجسم من
تفاعلات الغضب وما فيها من بيولوجية مشتعلة ثائرة ففي الغضب تتغير كيماويات
الدم(البلازما)وتنشط الغدد الصماء فيفرز الأدرينالين-ويترفع الضغط-ويسرع النبض-ويضطرب
التنفس،ويتصبب العرق،وتتسع الأوعية الدموية،وتنتفخ الأوداج ، وتجحظ العينان،وترتعش
الأطراف،وتهتز المفاصل.
هذه البيولوجية التي تحدث في الغضب هي ما يحدث في كل تفاعلات النفس بصورة
متفاوتة، فهي تحدث في الأمراض النفسية عموماً وهي الآن حقل من حقول البحث المتقدمة
فيمكن تسجيلها بما هو معروف Electrobiography ويستفاد بها في تشخيص الأمراض
النفسية ومعالجتها ومتابعتها.
بيولوجية المعصية :
وبنفس هذه الملامح البيولوجية تتفاعل المعاصي والآثام والذنوب في نفس
الإنسان، ويمكن تسجيلها وتحليل بيولوجيتها.
فالمعاصي ما هي إلا رغبات ونزوات وصراعات ملحة مستبدة طاغية فإن تحركت دون
إشباع فهي أقرب إلى العلة النفسية، وإن لم تشبع فإن بيولوجيتها تقترب في حدتها مع
بيولوجية الغضب، وتختلف الأعراض حسب قوة الدافع ومعوقات الإشباع، وصدق رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو يعطي هذه الصورة البيولوجية للمعصية عموماً في حديث البر
فيقول صلى الله عليه وسلم : " البر حسن الخلق،
والإثم ما حاك في صدرك وكرهت
أن يطلع عليه الناس".
ولهذا تشابه البيولوجيات كلها بما فيها من غضب وقلق ومخاوف وآثام ومعاص
وتتفاوت حسب درجتها وحدة ما يتصارع في نفس صاحبها وكلها إذا حدثت وتفاعلت في النفس
فهي تصيب أعضاء الجسم بالتوتر وتصيب النفس بالضيق وعدم الاطمئنان.
فإذا أُسبغ الماء على أعضاء الجسم فإن الماء يحقق الهدوء والراحة
والاسترخاء بعمومية فائدته، ويحققه الوضوء في خصوصية تشريعه، ويتسامى الوضوء بما
فيه من مسح وتدليك وتغير حركي في الأعضاء فتهدأ به النفس ويتحقق منه كل ما جاء عن
المحو في الأحاديث الصحيحة المتواترة عن الوضوء ،وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو يقول لأصحابه : " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به
الدرجات قالوا بلى يا رسول الله قال إسباغ
الوضوء على المكارة وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم
الرباط فذلكم الرباط".
وعن أبي هريرة وعن عثمان بن عفان رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال :" من توضأ فأحسن الوضوء، خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت
أظفاره".
معنى هذا الحديث بالبيولوجية العلمية أن الوضوء بما فيه من مسح وتدليلك
وإسباغ الماء هدأت به الأعضاء وسكنت النفس واطمأنت الجوارح وتغيرت ملامح البيولوجية
وتعادلت شحنات ما فيها من إفرازات الغدد الصماء ومع الإسباغ وتعميم الماء على
الأعضاء يزول أثر ما في النفس من ثورات وانفعالات وصراعات وأثام، كلها تتفاعل في
النفس فتهدأ النفس وتطمئن، ومع الاطمئنان تزول رواسب الغدد الصماء، وتخرج شحناتها
مع الوضوء ومع قطرات الماء خروجا معنويا علميا بمفاهيمنا، أما بعلم الخالق فهذا له
سبحانه وهذا هو المحو البيولوجي، فلم يعد هناك تغيرات في الدم تتفاعل في داخل
الجسم حتى أنها وهي تمر من الشريان إلى الوريد في أكبر تجمع لهذه الشعيرات من تحت
الأظافر أو من تحت الجلد مع قطرات الماء تمر متعادلة ليس فيها شحنات أو عوائق أو
شوائب بيولوجية وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لعثمان بن عفان إن
المعاصي والذنوب تخرج من تحت أظافر العبد مع الوضوء. أو من تحت الجلد في أكبر
تجمعات للشعيرات الدموية .
ولعل هذا المعنى البيولوجي يلقي الضوء على كل ما جاء عن المحو من الأحاديث
الصحيحة دون أن يحدد أبعادها أو يسبر أغوارها.
فالمحو البيولوجي ما هو إلا وسيلة إيضاح لما في علم الله من اتساع وإحاطة
وشمول ورضي الله عن السيدة نفيسة فقد قالت عندما علمت بموت الإمام الشافعي :
" رحم الله الشافعي فقد كان رجلاً يحسن الوضوء"وليس هذا انتقاصاُ من قدر
علم الإمام، ولكنه تعبير عن اتساع علمه وفضله فقد عرف أسرار الوضوء فأجاده وأحسنه
والإحسان في الوضوء إحسان للصلاة وإحسان للعبادات كلها.
إرسال تعليق