التصنيف الإسلامي للمعرفة ومناهج البحث.
ينطلق التصنيف الإسلامي لمناهج البحث من التصنيف المعرفي للعلوم، حيث إن المعارف على كثرتها وتنوعها تنحصر في نوعين:
الأول: المعرفة الخبرية والتي مبناها على النقل والإخبار والرواية.
والثاني: المعرفة الاستنباطية أو الاستدلالية، والتي مبناها على استخراج الأحكام واستنتاج النتائج وإعمال العقل في توليد الحقائق، والبرهنة على القضايا.
وقد أشار القرآن الكريم - في مجال رده على عبدة الأصنام - إلى هذا التصنيف المعرفي في قوله تعالى: {قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين (4)} [الأحقاف]. حيث طالبهم المولى عز وجل بإثبات دعواهم وإقامة الدليل عليها، إما بتقديم مستند من النقل ((ائتوني بكتاب من قبل هذا))، وإما بتقديم مستند من العقل (أو أثارة من علم)) أي علامة أو دليل علمي، والآية في معرض التوبيخ لهم، لأنهم ليس لديهم كتاب منزل يشهد


لشركهم، وليس يصح في العقل إقامة دليل على الشرك، أي ليس لهم مستند من نقل أو عقل (1). وقد فطن علماء البحث والمناظرة إلى هذا الحصر المعرفي فطالبوا كل مناظر بقولهم: ((وإن كنت ناقلا فالصحة وإن كنت مدعيا فالدليل)) أي إذا كانت مقولتك عن طريق النقل والخبر، فلا بد من التوثيق وبيان مصدريتها، وإن كانت دعوى واستنباط، فلا بد من إقامة الدليل العقلي والبرهان المنطقي على صحتها.
ثم إن كانت المعرفة خبرية، يكون المنهج الملائم لإثباتها هو المنهج التوثيقي، وهو المنهج الذي يقوم على توثيق النص قبل اعتماده مصدرا للحكم، فإن كانت الأخبار شرعية وهي الروايات والآثار المنسوبة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان منهج تحقيق الخبر عند علماء السنة، وإن كانت الأخبار تاريخية، وهي المنقولة بشأن أحوال الأفراد والأمم في السياسة والعمران والاجتماع وغيرها، كان المنهج التاريخي عند علماء المسلمين.
أما إذا كانت المعرفة استدلالية أو استنباطية، فإن كان طريق الاستدلال ووسائل الاستنباط ((التجربة الحسية))، كان المنهج التجريبي.
وإن كان طريق الاستدلال أو الاستنباط يقوم على العقل المجرد، كان منهج القياس بأنواعه: (التمثيلي، والشمولي، والأولى، والخلف، والآية، والسبر والتقسيم.).
_____
(1) صفوة التفاسير القسم السادس عشر 6، 7.

Post a Comment

أحدث أقدم