* المعرفة عند ابن تيمية : -

شاع عند القدماء استخدام العلم، وكانوا يقصدون به المعرفة التي تعني الإدراك البسيط أو المركب لكل المعارف والعلوم بالوسائل الحسية والعقلية، والعلم النافع عن ابن تيمية هو الذي يبنى الكلام فيه في الأصول والفروع على الكتاب والسنة، وما أُثِر عن السابقين وطريقه هو طريق النبوة، وهو أصل الهدى، ولا ينفصل هذا العلم النافع عند ابن تيمية عن العمل؛ لذا يحتاج جهادًا وصبرًا على الطلب، الدين كله علم بالحق وعمل به والعمل به لا بد فيه من الصبر.

وإذا كان الدين علمًا بالحق كما يقول ابن تيمية؛ فإن هذا العلم يقوم على الإدراك الحسي والعقلي؛ لذا يتفاوت الناس في العلم بالدين كما يتفاوتون في فهم أصوله وقضاياه، والمشكلات التي نبحث لها عن حلول في الأصول الإسلامية من هنا لزم الاجتهاد والبحث عن حلول فيما لا نص فيه، وتتجدد الحاجة إلى الاجتهاد في كل عصر؛ لأن النصوص محدودة، والمشكلات غير محدودة، وعطاء الكتاب والسنة بلا حدود بعيدًا عن التكلف والاصطناع.

من هنا يجب علينا أن نبحث فيها عن الهداية في كل عصر إلى قيام الساعة، ولكي يكون العلم والعمل نافعين لا بد أن يقوما على الكتاب والسنة والمنهج الذي كان عليه الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه رضوان الله عليهم، فهذا هو طريق أئمة الهدى؛ فمن بنى الكلام في العلم الأصول والفروع على الكتاب والسنة والآثار المأثورة عن السابقين؛ فقد أصاب طريق النبوة، وكذلك من بنى الإرادة والعبادة والعمل والسماع المتعلق بأصول الأعمال وفروعها من الأحوال القلبية والأعمال البدنية على الإيمان والسنة والهدى الذي كان عليهم محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه فقد أصاب طريق النبوة، وهذه طريق أئمة الهدى.

وطلب العلم الشرعي عند ابن تيمية فرض على الكفاية، يجزئ فيه البعض عن الآخرين إلا فيما يتعين على الإنسان علمه، ليقيم أمر دينه عليه، فإن هذا فرض على الأعيان كما أخرجه في الصحيحين عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: ((مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ))، وكل من أراد الله به خيرًا لا بد أن يفقهه في الدين، فمن لا يفقه في الدين لم يرد الله به خيرًا.

ويحرص ابن تيمية على توفير المتخصصين في كل مجال يحتاجه الناس، ولذا يرى أن الأعمال التي هي فرض على الكفاية إذا لم يتوفر فيها القادرون عليها؛ صارت فرض عين لا سيما إن كان الآخرون عاجزين عنها فمثلًا إذا كان الناس محتاجين إلى فلاحة قوم أو نساجتهم أو بنائهم؛ صار هذا العمل واجبًا يجبرهم ولي الأمر عليه، كما إذا احتاج الجند المرصدون للجهاد إلى فلاحة أرضهم أُلْزِمَ من صناعته الفلاحة بأن يصنعها له.

Post a Comment

Previous Post Next Post