منهج الغزَّالي في تربية الطفل :
يقدم لنا الغزَّالي منهجًا عمليًّا في
تربية الطفل تربية إسلامية صحيحة، فبعد أن أكد
أن الطفل قابل لكل نقش وصورة، نصح الوالد بأن يؤدب ابنه
وينشّئه على
محاسن الأخلاق، وأن يحفظه من قرناء السوء، وأوصى الأب بأن لا يحبب ابنه في أسباب الرفاهية حتى لا يتعود نعيم العيش فيصعب تقويمه بعد
ذلك، وعليه أن يعوده على اللباس المحتشم الوقور،
وأن يمنعه من النوم نهارًا وتعويده الحركة والرياضة،
وأن يمنعه من
الافتخار على أقرانه بما يملكه هو أو والده، وتعويده التواضع وطيب الحديث، وتعويده على العطاء لا الأخذ حتى ولو كان فقيرًا، وأن
ينهاه عن القسم صادقًا أو كاذبًا تأكيدًا
لقول الله: {وَلا تَجْعَلُوا
اللَّهَ
عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} (البقرة: من الآية: 224) وأن
ينهاه عن الأعمال غير المستحسنة كالبصاق
والتثاؤب لا
سيما في المجالس، وأن يعوده على الإقلال من الكلام إلا لحاجة وبقدر ما تتطلبه هذه الحاجة، وأن يخوفه من السرقة وأكل الحرام، وغيرها من
الأخلاق المذمومة، وأن يعوده على الصبر، وأن
يأذن له باللعب بعد الدرس حتى يستريح ويتجدد ذكاؤه ونشاطه
ويروح عن نفسه
مشقة العلم.
وقد أشار إلى أن أول ما يغلب على الطفل
شره الطعام وهو في هذا يتفق مع ابن مسكويه وطالب
الأب أن يؤدبه في ذلك، وأن يعوده أخذ الطعام بيمينه
والبدء باسم
الله والأخذ بما يليه، وأن يقبح عنده كثرة الأكل بطريق غير مباشر كأن يذم الطفل الشره ويمدح المتأدب قليل الأكل، كما طالب الأب بأن
لا يتساهل مع ابنه إذا بلغ سن التمييز في كل
ما يحتاج إليه أمر الشرع.
ويقدم لنا الغزَّالي أسلوب الثواب
والعقاب لتأديب الصبي إلا أنه يرى ألا يكون العقاب
لكل أمر بل من الأفضل التغاضي عن بعض الأمور إذا خجل الطفل
منها وتستر
بإخفائها، ولا يكون العقاب علنًا حتى لا يشجع الطفل على تعود الخطأ، ويجب أن يُقل من العقاب حتى لا
يتعود الطفل المهانة ويهون عليه
سماع اللوم والتأنيب.
تعليم الصبيان :
يؤكد الغزَّالي في كلامه عن تعليم
الصبيان عدة مبادئ تربوية هامة من أبرزها :
البدء بالتعليم في الصغر :
ينبغي أن يبدأ تعليم الصغار من صغرهم وقديمًا قالوا: التعليم في الصغر كالنقش على الحجر.
ويؤكد الغزَّالي نفس المعنى عندما يقول
عن الصبي: وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة
خالية من كل نقش وصورة، وهو قابض لكل ما نقش عليه.
وقد ردد هذا القول "جون لوك"
بعد حوالي ثلاثة عشر قرنًا من الزمان عندما ذهب إلى أن
عقل الطفل صفحة بيضاء تنقشه الخبرة والتعليم، ويؤكد
الغزَّالي إلى
أن التربية والتعليم عملية تتعاون فيها طبيعة الصبي مع
بيئته.
مراعاة طبيعة الصبي :
يؤكد الغزَّالي ضرورة فهم المعلم
لطبيعة الصبي، وهذا يتأتى من دراسته لنفسية الصبيان
الذين يعلمهم فهم ليسوا سواء، وهذه الدراسة تساعده من ناحية أخرى على إيجاد الصلة الإنسانية بينه وبينهم، وعلى المعلم أن
يتدرج في تعليم الصبي وأن يبدأ معه من السهل إلى
الصعب، وفي ذلك يقول الغزَّالي: إن أول واجبات المربي أن
يعلم الطفل ما يسهل عليه فهمه؛ لأن الموضوعات
الصعبة تؤدي
إلى ارتباكه العقلي وتنفره من العلم. ويشير الغزَّالي إلى قضية نفسية هامة هي أن صحة النفس تتحقق من اعتدال مزاج البدن عندما يتكامل
الجسم والنفس.
إرسال تعليق