لم تعد المعرفة غاية في حد ذاتها،
و أصبح التركيز على المفهوم الوظيفي لتلك المعرفة . لذا أصبحت الجامعات مطالبة
بالاستجابة و التفاعل مع ظروف ومتطلبات مجتمعاتها من خلال نشر المعارف العلمية و
التقنية عن طريق التدريس الجامعي الفعال الذي لا يعتمد على الحفظ والتلقين والتلقي
السلبي، وإنما يعتمد على النقاش والحوار الفكري والفهم والتحليل والنقد والاستنتاج
. وهذا يشير بوضوح إلى أهمية الجامعة في إعداد الأجيال القادرة على التفكير
والقادرة على البحث في الجديد ليس على مستوى التقليد، وإنما على مستوى الابتكار
لأشياء جديدة تتسم بالأصالة والحداثة . وهو ما نرجوه من الطلبة في التعليم الجامعي,
فالطرائق وأساليب التعليم الجامعي
لم تعد مقتصرة على الطرق التقليدية فقط بل تعدت هذه المرحلة منذ زمن، ولم يعد
الطالب يعتمد كلياً على أستاذه بل أصبح يعتمد على نفسه في الحصول على ما يحتاجه من
معلومات ومعارف خاصة في عصر الحاسبات الآلية والشبكات المعلوماتية وتطور الخدمات
المكتبية وذلك بواسطة تعلمه ذاتياً.
تؤكد الاتجاهات الحديثة في التعليم والتعلم
باستمرار على مساعدة طلبة على أن يتعلموا كيف يتعلمون، وعلى أن يصبحوا مستقلين في
تعلمهم وأن يفكروا لأنفسهم. ولعل من أهم الوسائل الفعالة في تنمية هذه المبادئ لدى
ألطلبه أسئلة وحيوية ونشاط المعلم،كي يصبح الطلبة مستقلين في تعلمهم عليهم أن
يتعلموا كيف يطرحون الأسئلة وكيف يحصلون على المعلومات من مصادرها الأصلية، وهم
يتخذون من المعلم نموذجاً لهم في ذلك. ولكي يكون التعليم فعالاً يجب أن يوفر
المعلم جميع الظروف الملائمة لتعلم الطلبة وأن يعمل على استمرار نشاطهم التعليمي
ويوجهه نحو تحقيق الأهداف الموضوعة، كذلك لابد أن يكون المعلم قادراً على تقدير
وتشخيص نمو طلبته كأفراد (الحيلة، 2002، ص 139).
أكده القرآن الكريم على
استخدام حواسنا وعقولنا للتفكير والتأمل فيما حولنا لمعرفة الحقيقة ( سنريهم
آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) (سورة فصلت, الآية 53) يشير التو يجري في مقدمته لترجمة كتاب التدريس
من أجل تنمية التفكير إلى أن عدد الآيات الحاوية على "فعل" التفكير أو
الأمر بالتفكير أو الإشادة بالمفكرين أو مخاطبتهم بضعا وثلاثين آية وكان جون ديوي
من أوائل من أهتم بالتفكير حيث أشار في كتابه " كيف نفكر، 1910" إلى
الاهتمام بالتفكير وتنشئة الفرد وتعليمه كيف يفكر. ( حبيب , 1995: ص 9 ).
حالة عدم الاهتمام بالتفكير في التعليم الجامعي سوف
يبقى التعليم قائماً على الحفظ والتلقين ، والجامعة لم تتغير كثيراً في هذا
المستوى حيث تخرج أجيالاً قادرة على الحفظ فقط، وهي أبعد ما تكون عن روح الجامعة ،
ولا شك أننا جميعاً نشترك في تخريج عدد من الخريجين تلقوا قدراً معيناً من
المعلومات ولكنهم متخلفون جداً في القدرات والمهارات والنواحي الأخرى
.
لهذا أوصت بعض المؤتمرات
العالمية التابعة لمعهد اليونسكو بالاهتمام بتنمية مهارات التفكير في التدريس.
ونتيجة لذلك انعقد المؤتمر الثالث للوزراء والمسئولين في التعليم في الوطن العربي
في بغداد عام 1985 وكان موضوع المؤتمر حول البيئة التدريسية في الجامعات العربية،
ولهذا قررت بعض الدول العربية تدريس التفكير بأنواعه في مقرر خاص في المرحلة
الثانوية وربطه في مواضيع الرياضيات والعلوم ( بدر, 1980, ص89-90 ).
عملية
إرساء التفكير العلمي باتت ضرورة في العصر فقد أصبحت نهضت الأمم تقاس بعدد ما تملك
من علماء وعقول مبدعيها وبقدر ما تقدمه هذه الأمم من الانجازات العلمية على
المستويات جميعا , وفي المجالات جميعا(حنوش,1999 : ص70).وما تراكم وما تحقق من إبداعات
وكشوف في القرن العشرين يسوغ لنا القول : إن القرن الحادي والعشرين قد يكون قرن
تطوير التفكير , فالتفوق فيه سيكون للمجتمع الذي يعمل على تطوير تفكير أفراده وهذا
المتغير يحتمل أن يكون له أثار كبيرة في محتوى مناهج التعليم المدرسي والجامعي
وطرائق التدريس(جلال,1993 : ص23).
فالتفكير
عاملاً من العوامل الأساسية في حياة الإنسان فهو الذي يساعد على توجيه الحياة
وتقدمها، كما يساعد على حل كثير من المشكلات وتجنب كثير من الأخطار وبه يستطيع
الإنسان السيطرة والتحكم على أمور كثيرة وتسييرها لصالحه، إذ استطاع الفرد به أن
يبدع وينتج ويكتشف أسرار الكواكب مثلاً يستعمل الطاقة الشمسية والتفاعلات النووية
والحاسبات الإلكترونية التي دخلت تقريباً جميع نواحي الحياة.
بكل حال فإن التفكير عملية عقلية معرفية وجدانية راقية تبنى وتؤسس
على محصلة العمليات النفسية الأخرى، كالإدراك والإحساس والتحصيل، وكذلك العمليات
العقلية كالتذكر والتحديد والتقييم والتمييز والمقارنة والاستدلال والتحليل ومن ثم
يأتي التفكير على قمة هذه العمليات النفسية والعقلية والمعرفية وذلك للدور الكبير
الذي يلعبه في المناقشات وحل المسائل الرياضية وغيرها، والبرهان حتى أنه يوصف
بالدعامة الرئيسية للتفكير العلمي عند الأفراد ولا يمكن الاستغناء عنه في عمليات
اكتساب المعرفة وحل المشكلات الرئيسة .
إرسال تعليق