إن الإفراط في الإنتاج Over-production لتلبية الحاجات اللامحدودة للسوق، وهي نزعة تصاحب نمط الإنتاج العالمي السائد، هدفه الربح السريع وجني الثروات حتى لو كان ذلك على حساب تدمير البيئة واستهلاك الموارد الطبيعية المحدودة، فإنتاج طن واحد من الورق، على سبيل المثال، يحتاج إلى مئات الأمتار المكعبة من الماء ناهيك بتدمير الغابات لإنتاج الورق وتصنيع الأخشاب وما إلى ذلك.
ويغلب الإفراط في الاستهلاك الترفي على نمط الإنتاج الرأسمالي العالمي حيث يتفاوت الدخل بمقادير كبيرة، ففيما تصارع الأكثرية الفاقة والمرض، تغرق الأقلية الثرية في الاستهلاك الجائر والرفاهية المفرطة والتبذير غير المعقلن.
ويزداد الأمر سوءَاً بتدني الوعي البيئي العام وانقسام العالم إلى شمال غني وجنوب فقير، ولا يقل ذلك أهمية عن الإفراط في الاستهلاك من حيث الدور الذي يلعبه الفقر في تلويث البيئة من جهة الجهل واللامبالاة باستنزاف الموارد الطبيعية، فضلاً عمّا يسببه الفقر من أضرار نفسية وصحية على الإنسان والجماعات، وما ينجم عن ذلك من  انعكاسات على البيئة متمثلة في التدمير المنظم لها، والاستغلال المفرط لمواردها المحدودة بهدف البقاء على قيد الحياة مهما كان الثمن، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه للصراعات المسلحة بين الدول والتطهير العرقي والطائفي في داخل البلد الواحدة.
ويستفحل الوضع البيئي في العالم بفعل عدم الاكتراث الإنساني بما يجري من تدمير للبيئة العالمية نتيجة الجشع والأنانية، فيظن الإنسان أنه لا يريد أن يعرف طالما يعتقد أنّ الضرر لن يصيبه مباشرة. ولكن الحقيقة هي أنه هو المتضرر الأعظم نفسياً وصحياً واقتصادياً واجتماعياً؛ نتيجة الأمراض التي يصاب بها والتوتر الذي يعاني منه والموارد التي يهدرها ويحرم الأجيال القادمة من التمتع بها.
ونتيجة شح الموارد الطبيعية، وزيادة الطلب عليها، ارتفعت أسعارها. وقد تعاظم ارتفاع الأسعار بفعل الحملة السائدة لاستخدام محصول بعض النباتات في إنتاج الوقود العضوي Bio-fuels والإيثانول، من بذور قصب السكر والبنجر والتمر وعباد الشمس والحبوب ونحو ذلك، فقد ازداد الطلب على هذه النباتات لتصنيع الوقود العضوي فارتفعت أسعارها. إذ قفزت أسعار المعكرونة في إيطاليا فجأة بمقدار 40 %؛ نتيجة اتجاه مزارعي القمح صوب زراعة بذور عباد الشمس؛ لخدمة صناعات الوقود العضوي، وما زالت الأسعار معرضة للارتفاع المفاجئ في كل لحظة.
وقد حدث الأمر ذاته في البرازيل وبعض دول أمريكا الجنوبية والشرق الأقصى، وبخاصة في ضوء قرار الإدارة الأمريكية الأخير بتحويل 20% من الوقود التقليدي إلى وقود عضوي بحلول عام 2020. وقد أصدرت الأمم المتحدة مؤخراً تقريراً يسم تحويل الأراضي الزراعية إلى مزارع لإنتاج الوقود الحيوي بالقرار الخطير؛ الذي سيزيد الفقر والجوع في العالم نتيجة ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية. وهو مؤشر مهم على قلق المجموعة الدولية من هذا النشاط الزراعي الهدّام.
ولحسن الحظ، فقد بدأت الصين وموزامبيق وبعض الدول الأخرى في زراعة نبات الجاتروفا، وهو ينتج حبوباً كبيرة قاسية لا تؤكل، ويمكن تصنيع الوقود العضوي منها، وهناك نباتات أخرى على هذه الشاكلة يمكن الاستفادة منها لغرض إنتاج الوقود العضوي، ولكن الاهتمام بها لا يذكر، علماً بأن بعضها يصلح للزراعة في المناطق الصحراوية.
إن العلاقات السياسية والعادات الاجتماعية والأنماط الاقتصادية السائدة هي التي تحدد نمط الاستهلاك العالمي السائد. وتطغى هذه العناصر المتشعبة وتتعمق من خلال وسائل الإعلام والترويج لهذه السلع على علم أخلاقيات البيئة، من حيث أنها تنظر إلى الأمور البيئية بوصفها نتيجة طبيعية للتقدم في العالم.
هناك قصور في النظرة الإنسانية إلى الطبيعة التي تنظر إلى عناصر الطبيعة جميعها، من حيوان ونبات وجماد ومياه وهواء، بأنها كلٌ مترابط؛ تتداخل علاقاته على نحو يجعل من دورة الحياة في الطبيعية تتأثر بأي خلل يصيب أحد عناصرها. وهذه النظرة هي من وظيفة الفلسفة البيئية التي تنظر إلى هذا التكامل نظرة شمولية لا تقلل من شأن أي عنصر على حساب عنصر آخر، وتتطلع إلى خلق التوازن الذي استطاعت البيئة الطبيعية عبر تاريخها السحيق، خلال بضع مليارات من السنين، أن تحافظ على اتساق نظامها البيئي وتكامله.

Post a Comment

أحدث أقدم