التلويث البشري للبيئة، والمتعاظم منذ القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا، فلا يشك كثيرون في تسببه المباشر بالانحباس الحراري، ففيما كان محتوى الهواء من غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) يقدّر بنحو280  جزء بالمليون قبل الثورة الصناعية، التي بدأت تشتد في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وامتدت بتعاظم كبير إلى القرنين اللاحقين وأدت إلى تلويث اصطناعي لم يشهد تاريخ البشرية مثيلاً له من قبل، غدا محتوى الهواء من ثاني أكسيد الكربون في عام 2005 نحو379  جزء بالمليون، ويتوقع العلماء أن يصبح560  جزءاً بالمليون عام 2100.
ويمكن رؤية التلوث مباشرة من دون الدخول في معركة قياس محتوى الهواء منه، فظاهرة الانقلاب الحراري تعمل على منع انتشار الهواء الملوث وتحجزه بواسطة طبقة من الهواء الدافئ تقع فوقه على بعد مئات الأمتار، فتتجمع الملوثات في الهواء بتركيز عالي بالقرب من سطح الأرض، وبخاصة في فصل الخريف وبعد الغروب حتى الفجر حينما يكون تركيز الملوثات أعلى ما يمكن.
وقد عانت مدناً كثيرة من تلك الظاهرة، ففي لندن، يوم الرابع من شهر كانون أول لعام 1952، أدى التلوث العظيم، الذي تزامن مع وجود درجات حرارة متدنية، إلى وفاة آلاف الأشخاص، كما تكررت الحادثة في نيويورك عام 1963، وفي لوس أنجلوس عام 1997، وهي تحدث اليوم في القاهرة منذ نهاية التسعينيات بفعل التلوث المتعاظم في الجو، وبخاصة في مواسم حرق القش الناجم عن زراعة الأرز وغيره من المحاصيل الزراعية.
ولا يقتصر ضرر تعاظم غاز ثاني أكسيد الكربون على ارتفاع درجة حرارة الأرض بفعل تشكــّـل غلاف غازي كثيف حول الأرض يعكس الإشعاع الحراري إلى الداخل ويمنع جزءَاً كبيراً منه من الهروب إلى الفضاء الخارجي، إنما ينبغي التطلع إلى كمية غاز ثاني أكسيد الكربون الهائلة التي تذوب في المسطحات المائية على الأرض فتزيد من حموضة المياه، ويمكننا تخيل أثرها السلبي على التنوع البيولوجي، كما ينبغي التطلع إلى الضرر الناجم عن زيادة التبخر من اليابسة والبحار معاً بفعل ارتفاع درجة الحرارة وانطلاق جزيئات المياه إلى الغلاف الجوى؛ التي تساهم مساهمة كبيرة في ظاهرة الانحباس الحراري أيضاً.

Post a Comment

أحدث أقدم