أجواء نمو الشخصية
كيف يمكن إنماء الشخصية الاجتماعية حتى يصل الاجتماع إلى شخصيته المطلوبة، أي القابلة؟ إن ذلك إنما يكون في ظل إنماء الشخصية الفردية، إذ الشخصية الاجتماعية عبارة أخرى عن تجمع الشخصيات الفردية، إنه لاشك في أن الاجتماع له شخصية غير شــخصيـــة كل فرد فرد، كــما أن البحر له قوة غير قوة كل قطرة قطرة، لكن بصورة عامة يتوقف الكيان الاجتماعي على الكيان الفردي، سواء في الشخصية أو في البحر والقطرة، أو في الجيش والجندي، أو في البناء والأجرة، أو في الواحد والألف ـ من الأعداد ـ.
وعليه فاللازم ملاحظة أنه كيف تنمو شخصية الفرد ـ ثم إذا كان للاجتماع بما هو اجتماع شرائط وآداب لنموه، يلزم ملاحظة ذلك في مرتبة ثانية ـ ولدى الاستقراء والسبر يرى أن الشخصية الفردية إنما تنمو في ظل كون [الحكم] و [العلم] و [المال] للجميع بأن يكون الناس يحكمون أنفسهم بأنفسهم، وكل يتمكن من العلم تمكنه من الماء والهواء، وكل له نتيجة سعيه الفكري والجسدي، بالإضافة إلى [قيمة المواد، وما له من الشرائط والعلاقات الاجتماعية].
وفي مثل هذا الجو [لكل قدر استحقاقه من الحكم والعلم والمال] تنمو الشخصيات نمواً ممكناً، وقد كان قبل الإسلام كل من الثلاثة محتكرة على طائفة الحكام، وحتى أن العلم كان محظوراً إلا للموبذ ـ في إيران ـ وللكنيسة ـ في الرومان ـ وجاء الإسلام ليعطي لكل حقه، ولكن إلى الآن لم تقدر الدنيا على ذلك، حيث أن العلم محروم منه الطبقات الفقيرة ـ كما تقدم في مسألة سابقة ـ.
والحكم في الغرب تحت سيطرة المال، وفي الشرق تحت سيطرة الديكتاتور… والمال يستغل في الغرب لمصلحة الرأسماليين، وفي الشرق لمصلحة الحكام… وليس المراد بكون الحكم للجميع إلا [الاستشارية] الصحيحة ـ مع لزوم أن يكون بالشرائط الإسلامية، كما هو عقيدة المسلم ـ.
ولا يمكن إخراج الحكم والمال والعلم عن السيطرة الفردية، والاحتكار إلى التوزيع العادل بين الجميع، إلا بتوزيع القدرة، فقد قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (من ملك استأثر)(1) وتوزيع القدرة لا يمكن إلا بالوعي الجماهيري بأن يعرف الكل كم حق كل أحد من العلم والمال والحكم
[2]فإذا وعى الجميع لا يتمكن المستثمرون من استثمار علم أو مال أو حكم غيرهم، كما هو الحال في عالم اليوم وإن اختلفت البلاد في شدة الاستثمار وضعفه، نتيجة لكثرة الوعي ـ في الجملة ـ في بعض البلاد وقلته في بعض البلاد الأخر.
فإذا وعى الجميع، تبع ذلك تشكل المنظمات الحافظة للمكاسب، والمنمية لها، أما المنظمة الواحدة فهي عبارة أخرى عن الديكتاتورية، كما نشاهد ذلك في البلاد التي يحكم فيها حزب واحد، فإن الإنسان أقرب شيء إلى الديكتاتورية والفردية.
Post a Comment