إن المنهج العملي والقولي في التسامح والارتقاء فوق حظوظ النفس يؤتي أكله كل حين بإذن الله تعالى، فقد أثّر في نفوس الصحابة والتابعين رحمهم الله ومن جاء بعدهم إلى يومنا هذا نرى صورًا ونماذج من التسامح التي ازدانت بها صفحات التاريخ كالخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في لون آخر من التسامح مـع المشركين فقد أخرج البخـاري بسنـده عـن عبد الله بن دينار قال: " سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: { رأى عمر حلة سيراء ([1]) تباع، فقـال: يا رسول الله، ابتع هذه والبسها يوم الجمعة وإذا جاءك الوفود، قال: إنما يلبس هذه من لا خلاق له، فأُتِيَ النبي r منها بحلل فأرسل إلى عمـر بحلة فقـال: كيف ألبسها وقد قلت فيها ما قلت ؟ قال: إني لم أعطكها لتلبسها، ولكن لتبعها أو تكسوها، فأرسـل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبـل أن يسلم } ([2]) .
وهذا أنموذج آخر في زمن معاوية tفإن الكفار لمّا نقضوا عهدهم امتنع المسلمون من قتالهم وقالوا: وفاء بغدر خيرٌ من عذر بغدر ([3]) .
إنه ذروة التسامح الذي نهجه النبي وأمر به بقوله: { أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك } ([4]) ([5]) .
وإليك أنموذجًا آخر في زمن التابعين في درء الحدود فقد أخرج البخاري بسنده عن أبي قلابة أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يومًا للناس ثم أذن لهم فدخلوا، فقال: ما تقولون في القسامة ؟ قالوا القسامة القود بها حق، وقد أقادت بها الخلفـاء، قال لي: ما تقول يا أبا قلابة ؟ ونصبني للناس ؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، عندك رءوس الأجناد وأشراف العرب، أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل محصن بدمشق أنه قد زنى ولم يروه أكنت ترجمه ؟ قال: لا، قلت: أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص أنه سرق أكنت تقطعه ولم يروه ؟ قال: لا... ([6]) .
إنه منهج دقيق في التثبت واحتياط رفيق بالمتهم لأن الشبهة قائمة والتهمة لم يجزم بها بواسطة الرؤية التي هي محور الجزم.
Post a Comment