سياسة المملكة الحالية المتعلقة بالغاز الطبيعي
الغاز الطبيعي و سياسات الطاقة بالمملكة العربية السعودية
أسواق
الغاز الطبيعي العالمية ونموها على نحو مطرد خلال العقود الثلاثة الماضية مدعومة
بعدة عوامل مثل التطورات التقنية والاهتمام بالبيئة وأسعار المنتجات المنافسة
واهتمامات أمن الإمدادات وغيرها من العوامل. و قد جاءت المكتسبات المتحققة في حصص
السوق مصحوبة بزيادة مستمرة في الأسعار في الأسواق الرئيسية. ويبدو مستقبل الغاز
الطبيعي على المدى البعيد إيجابياً مع امتداد الاتجاهات الحالية إلى المستقبل في
ظل العوامل المشار إليها أعلاه.
من
ناحية أخرى فان نفس العوامل التي ساعدت في
بلورة توقعات الغاز الطبيعي تعمل بصورة سلبية أيضاً في تحديد مستقبل النفط الخام
عموماً وزيت الوقود الثقيل على وجه الخصوص. وما لم تطرأ تطورات رئيسية تكبح
الاتجاهات الحالية أو تعكسها، فإن الآفاق المستقبلية لزيت الوقود الثقيل تعد غير
مشجعة فيما يكتنف الغموض تلك المتعلقة بالنفط الخام.
أن
الفجوة المتزايدة في حصص السوق لكل من الغاز الطبيعي من جهة و زيت الوقود من جهة
أخرى، يتوقع أن يتبعها مزيدا من الانفصام بين أسعارهما، حيث من المتوقع أن يتسع
فرق السعر بين الغاز الطبيعي وزيت الوقود بوتيرة متزايدة. وهذه التوقعات بالنسبة
للدول التي تتمتـع باحتياطات كبيرة من النفط والغاز، ذات أهمية قصوى فضلاً عن
كونها تنطوي على تحديات متنوعة تتعلق بالسياسات ذات العلاقة.
حماية
قيمة هذه الموارد وأسواقها في ظل المعوق الكبير المتمثل في أن النفط و الغاز
الطبيعي منافسين لبعضهما البعض، جزئياً في الوقت الحاضر، و كليا مستقبلاً، بسبب
التقنيات الناشئة واستخداماتها الجديدة. الأمر الذي ترى معه الورقة، في ظل تباين
الآفاق المستقبلية والحاجة إلى زيادة العائدات من هذين الموردين ضرورة بلورة
استراتيجية للطاقة تساهم في تحقيق توازن أمثل بين سياسة الطاقة في السوق المحلية
من جانب وسياسة تصدير الطاقة من جانب آخر. كما ينبغي أن تضمن مثل هذه الاستراتيجية
تكامل هذه السياسات وعدم تناقضها قدر الإمكان.
سياسة
المملكة الحالية المتعلقة بالغاز الطبيعي والمتمثلة باستخدامه بالكامل في السوق
المحلية على المدى المنظور.
حيث يتم حالياً تصدير سوائل الغاز الطبيعي فقط، بينما
تستخدم كافة منتجات الغاز الأخرى محلياً كمواد لقيم للصناعات البتر وكيماوية
المتنامية أو كوقود في محطات التحلية وتوليد الكهرباء و غيرها من المرافق. وتتميز
هذه الإستراتيجية بالعقلانية والانسجام
حيث تهدف إلى إحلال الغاز الطبيعي محل النفط الخام ومنتجاته المكررة الخفيفة في
السوق المحلي و توفير تلك المنتجات للاستخدامات عالية القيمة بما في ذلك التصدير
للأسواق الخارجية. إلا أنه ينبغي أن تكون هذه الاستراتيجية قادرة على الاستجابة
للحاجة إلى حماية وتوسعة سوق زيت الوقود الثقيل. لذلك، يجب على سياسة الطاقة
المحلية تبني موقف محايد تجاه الغاز الطبيعي وزيت الوقود. فلا بد أن تحقق أسعار
هذين المنتجين، سواء تم تحديدها عبر السياسات أو بواسطة قوى السوق، تعظيم المنفعة
الكلية للاقتصاد الوطني.
وفي
ضوء التوقعات المستقبلية للغاز الطبيعي وزيت الوقود في الأسواق العالمية، والتي
تنبيء بازدياد قيمة الأول و ازدياد الطلب عليه بينما تقل حظوظ الأخير، أن من المهم
أن تتسم سياسة الطاقة في المملكة بالمرونة في هذا الصدد بحيث تبقي الخيارات
المستقبلية مفتوحة بالنسبة لتصدير الغاز. وهذا ينسجم مع الاحتمال الكبير بأن تكون
احتياطات الغاز الطبيعي النهائية أكبر بكثير من الاحتياطات المعروفة حالياً وقد
تتجاوز الاحتياجات المحتملة للاقتصاد الوطني.
كما
تتطلب هذه المرونة من استراتيجية الطاقة توفير القدرة لاستعمال كل من الغاز
الطبيعي و زيت الوقود الثقيل في سوق المراجل المحلي. وبالتالي ينبغي أن تكون محطات
توليد الطاقة الكهربائية ومحطات التحلية وغيرها من المرافق المعتمدة على المراجل
قادرة على استخدام الغاز الطبيعي و زيت الوقود الثقيل. ونظرا لأن العمر التشغيلي
لتلك المرافق قد يصل إلى 35 عاماً أو أكثر، فإن تحقيق هذه المرونة مستقبلا يتطلب
اتخاذ قرارات مهمة فيما يتعلق بتقنيات توليد الطاقة والتحلية و ذلك في أقرب وقت
ممكن.
ـــــــــــــــ
د.
خليل محمد زهر، دكتوراه في الهندسة الكهربائية (نظم التحكم ذو المتغيرات المتعددة)
من جامعة ميسوري، الولايات المتحدة الأمريكية، ويعمل حالياً في وزارة التخطيط
بوظيفة كبير مستشاري الطاقة، إدارة الشئون الاقتصادية والاجتماعية، الأمم المتحدة.
وسبق له العمل مهندس تخطيط نظم، شركة إيباسكو للخدمات – نيويورك، الولايات المتحدة
الأمريكية. ومساعد تدريس وأبحاث، شعبة الهندسة الكهربائية، جامعة ميسوري –
الولايات المتحدة الأمريكية. نشرت له عشرين ورقة علمية وألّف أكثر من تسعين
تقريراً ودراسة علمية، وهو عضو في معهد المهندسين الكهربائيين والإلكترونيين وفي
نقابة المهندسين اللبنانية.
إرسال تعليق