أدلة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح من السنة النبوية :
1 - أخرج البخاري "عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : يا عائشة ، لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض وجعلت له بابين بابا شرقيا وبابا غربيا فبلغت به أساس إبراهيم "[1] ، يقول الإمام النووي رحمه الله في شرح الحديث : " وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام منها اذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم لان النبي صلى الله عليه و سلم أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد ابراهيم صلى الله عليه و سلم مصلحة ولكن تعارضه مفسده أعظم منه وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريبا وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة فيرون تغييرها عظيما فتركها صلى الله عليه و سلم "[2] و بنى على هذا أمور منها " فكر ولي الأمر في مصالح رعيته واجتنابه ما يخاف منه تولد ضرر عليهم في دين أو دنيا الا الأمور الشرعية كأخذ الزكاة وإقامة الحدود ونحو ذلك"[3]
2- عن أبى هريرة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال « دعونى ما تركتكم ، إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شىء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم »[4] ، قال الحافظ ابن حجر مبينا وجه الاستدلال من الحديث " واستدل بهذا الحديث على ان اعتناء الشرع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات لأنه اطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك وقيد في المأمورات بقدر الطاقة[5] .
3 -  جاء في الحديث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور[6] ، و وجه الاستدلال بالحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى النساء عن زيارة رغم وجود منافع في زيارة القبور في ترقيق القلب و ذكر الآخرة و دمع العين و الدعاء للميت ، و ذلك لما يترتب في حقهن من مفاسد عظيمة و أعمال جاهلية ، قال ابن القيم : " و أما النساء، فإن هذه المصلحة ـ زيارة القبور ـ و إن كانت مطلوبة منهن ، لكن ما يقارن زيارتهن من المفاسد التي يعلمها الخاص و العام ، من فتنة الأحياء و إيذاء الأموات ، و الفساد الذي لا سبيل إلى دفعه إلا بمنعهن منها ، أعظم مفسدة من مصلحة يسيرة تحصل يسيرة ، تحصل لهن بالزيارة ، و الشريعة مبناها على تحريم الفعل إذا كانت مفسدته أرجح من مصلحته ، و رجحان هذه المفسدة لا خفاء به ، فمنعهن من الزيارة من محاسن الشرع[7] "
                    


[1] صحيح البخاري ، كتاب الحج ، باب فضل مكة و بنيانها رقم 1483 ، صحيح مسلم ، كتاب الحج ، باب نقض الكعبة و بنائها ، رقم 3308 .
[2] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي  ج 9/89 .
[3] نفسه
[4] صحيح البخاري ، كتاب الاعتصام بالكتاب ، باب الاقداء بسنن رسول الله ، رقم الحديث 7288 ؛ و مسلم في صحيحه كتاب الفضائل ، باب توقيره و ترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه رقم الحديث 6259 .
[5] فتح الباري 3/ 262 .
[6] مسند الإمام أحمد ج14 / 164 ، و الترمذي في سننه كتا الجنائز ، باب ماجاء في كراهية القبور للنساء ج3 / 371 وقال هذا حديث حسن صحيح .
[7] تهذيب السنن لابن القيم ، كتاب الجنائز، باب في زيارت النساء القبور ، ص 1553

Post a Comment

أحدث أقدم