ضوابط قاعد درء المفاسد
مقدم على المصالح
قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح فرع
من فروع القاعدة الكبرى " لا ضرر و لا ضرار " .
أن الله عز و جل بين علة حكم تحريم الخمر و الميسر
أن فيهما منافع و مفاسد لكن مفاسدهما أعظم
من مصالحهما فقدم درء المفسدة على جلب المصلحة ، يقول في تفسيرها محمد رشيد رضا في تفسيره : وهذا
القول إرشاد للمؤمنين إلى طريق الاستدلال ، فكان عليهم أن يهتدوا منه إلى القاعدتين
اللتين تقررتا
بعد في الإسلام : قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وقاعدة ترجيح
ارتكاب أخف الضررين إذا كان لا بد من أحدهما ، ولكن لم يهتد إلى ذلك جميعهم ، إذ ورد
أن بعضهم ترك الخمر عند نزول الآية وبعضهم لم يترك كما تقدم[1]
، " أما منفعة الخمر فبالتجارة ونحوها، وأما منفعة
الميسر فبما يأخذه القامر من المقمور وأما مفسدة الخمر فبإزالتها العقول، وما تحدثه
من العداوة والبغضاء، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة. وأما مفسدة القمار فبإيقاع العداوة
والبغضاء، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهذه مفاسد عظيمة لا نسبة إلى المنافع المذكورة
إليها. وإن كانت المصلحة أعظم من المفسدة حصلنا المصلحة مع التزام المفسدة، وإن استوت
المصالح والمفاسد فقد يتخير بينهما وقد يتوقف فيهما، وقد يقع الاختلاف في تفاوت المفاسد[2]
.
أن سب آلهة المشركين فيه المصالح و
المفاسد ، لكن لما كانت المفاسد أعظم و هي سب الله تعالى كان قدم الله تعالى دفع
المفسدة على جلب المصلحة " وفيها دليل على أن المحق قد يكف عن حق له إذا أدى إلى
ضرر يكون في الدين[3]
" ، " يقول تعالى ناهيا لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن سب آلهة
المشركين، وإن كان فيه مصلحة، إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها، وهي مقابلة المشركين
بسب إله
المؤمنين، وهو الله لا إله إلا هو[4]
" .
فقد منعنا من سب مايعبده المخالفون لنا من
أوثان و أصنام ، احتراما لعواطفهم ليلا يحملهم سبنا لآلهتم على المساس بعواطفنا و
سب إلاهنا الحق ، فشتم ما يدعو اليه غيرنا يؤدي إلى مفسدة و هو سب الالاه الكبير
فوجب سد هاتيك المفسدة[5]
قد يحب المرء شيئًا لمصلحة، ولكن قد تكون
وراءها مفسدة أشدّ منها وهو لا يعلم .
فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة،
وكثر المسلمون، وقووا أمرهم الله تعالى بالقتال، وأخبر أنه مكروه للنفوس، لما فيه من
التعب والمشقة، وحصول أنواع المخاوف والتعرض للمتالف، ومع هذا، فهو خير محض، لما فيه
من الثواب العظيم، والتحرز من العقاب الأليم، والنصر على الأعداء والظفر بالغنائم،
وغير ذلك، مما هو مرب، على ما فيه من الكراهة القعود عن الجهاد لطلب الراحة، فإنه شر،
لأنه يعقب الخذلان، وتسلط الأعداء على الإسلام وأهله، وحصول الذل والهوان، وفوات الأجر
العظيم وحصول العقاب[6].
إرسال تعليق