تصميم خطة البحث

أولاً ـ وضع الخطة المبدئية:
 بعد تحديد موضوع البحث واختيار عنوانه، يشرع الباحث في إعداد خطة مبدئية لبحثه تمثل الإطار الموضوعي الذي يبدأ البحث من خلاله، ولا يمكن للباحث أن يحدد فروضها إلا إذا ألم بموضوع بحثه وتبين المشكلة الرئيسية التي تدور حوله.
        وإعداد الخطة المبدئية عمل صعب إلا أنه عمل خلاق، إذ ليست الخطة مجرد إناء يُصب فيه إبداع الباحث وجهده، بل هي أولى إبداعات الباحث وأهمها. وهي ليست وسيلة تقديم معلومات واستدلالات الباحث، بل تعكس قبل ذلك أسلوب تفكيره وعقليته بصفة عامة، قبل أن تعكس وجهة نظره في موضوع البحث([1]).
        فالوريقات القليلة التي يضع فيها الباحث خطة البحث، تبين بجلاء مدى قدرته على الاستمرار في البحث بسهولة ويسر من عدمه، ويكتفى أحياناً بتلك الخطة إذا أُريد تسجيل البحث في جهة أكاديمية للحصول على درجة علمية كالماجستير أو الدكتوراه. إذ يلزم الباحث أن يقدم مشروع خطة البحث إلى الأستاذ المشرف، فإن أقره هذا الأخير، اتخذ المشروع طريقه إلى القنوات الرسمية المحددة قانوناً حتى يتم التسجيل.
      ونشير هنا إلى أنه من المستحيل على الباحث أن يضع خطة متكاملة يتبعها دون تعديل، وهذا يعني أن الباحث سيدخل تطويرات وتعديلات مستمرة على خطته كلما تقدم في البحث، وألم بأبعاده المختلفة، واكتشف أفكار وآفاق جديدة لبحثه.
       ولما كانت الخطة المبدئية تتم عادةً إثر بعض القراءات السريعة، فإنها تقتصر على التقسيمات التي تتناول العناصر الرئيسية والخطوط العريضة العامة لموضوع البحث، دون التطرق إلى التفصيلات الدقيقة.
 وعلى الباحث ليس فقط الاعتماد على أفكاره الخاصة في إعداد تلك الخطة، بل عليه الاسترشاد بخطط البحوث السابقة القريبة من موضوعه، وبآراء المختصين وذوي الخبرة، حتى تأتي الخطة متوازنة وملائمة لموضوع البحث وقدرات الباحث.
      ويمكن أن نعطي مثالاً عن نموذج لخطة بحث، حيث تصمم كمايلي:
 ( مقدمة تمهيدية يبين فيها الباحث التعريف بالموضوع ومبررات اختياره ـ الأهمية النظرية والعملية للبحث ـ منهج البحث ـ الدراسات والبحوث السابقة ـ النتائج المتوقعة للبحث ـ التقسيم المبدئي للبحث ).
 ثانياً ـ الفرق بين خطة البحث وتبويبه:
 يخلط الكثير من الباحثين بين خطة البحث، وبين تبويبه أو تقسيمه. فخطة البحث هي عبارة عن العناصر الأساسية التي سيدور حولها موضوع البحث وتشمل تلك العناصر، تحديد مشكلة البحث وأهمية دراستها، وأهداف البحث، وخطواته، والمنهج العلمي الذي سيتبع في دراسة المشكلة، والنتائج المتوقعة للبحث، والمراجع التي اطلع عليها الباحث، المصطلحات العلمية الواردة في البحث، أبواب وفصول البحث المقترحة.
       أما تبويب أو تقسيم البحث، فيعني توزيع المادة العلمية للبحث بين ثلاثة أقسام هي ( المقدمة، المحتوى، الخاتمة )، والتي يجب أن تكون مرتبة ترتيباً منطقياً وفقاً لقواعد وأسس علمية معينة تقتضي ضرورة أن يرتبط الجزء بالكل.
      ولا تخفى أهمية هذا التقسيم الذي يعني انتظام البحث في سلسلة منتظمة من الموضوعات المترابطة والمتناسقة فيما بينها لتوجيه جهد الباحث نحو بحث جميع جوانب المشكلة البحثية واقتراح الحلول المناسبة لها.
 وسنقوم بتوضيح كل قسم من أقسام البحث، وذلك كمايلي:
 1 ـ المقدمة:
 تمثل المقدمة مدخلاً للبحث، ورغم أنها لا تحتل من البحث سوى صفحات قليلة، إلا أنها يجب أن تشكل بانو راما تعطي للقارئ انطباعاً شمولياً وافياً عن موضوع البحث.
      ويجب أن تشمل المقدمة: تعريفاً بموضوع البحث، والمشكلات التي يثيرها، والأسباب التي دفعت الباحث لاختيار الموضوع، والأهداف التي يرمي الوصول إليها، والصعوبات التي واجهها في إعداد بحثه، والمنهج العلمي المتبع في الدراسة.
     ومقدمة البحث هي أول ما يقرؤه قارئ البحث، ولكنها آخر ما يكتبه الباحث، ويجب أن تتزامن كتابة المقدمة مع كتابة الخاتمة، فالمقدمة أداة التعريف بالبحث ولن يكون التعريف واضحاً ودقيقاً ما لم يكن المعرف قائماً ومكتملاً.
 2 ـ المتن أو محتوى البحث:     
محتوى البحث هو الجزء الجوهري في البحث، حيث يحتوي على الأفكار، والمناقشات، والتقييمات، وعرض النظريات.
       ويجب أن يكون العرض في هذا القسم من البحث، محكماً، متسلسلاً، متوازناً، ومتفقاً مع ما يرمي إليه الموضوع ومع ما يسعى إلى إثباته أو اكتشافه، وإلى ما يقدمه من نتائج منطقية.
       ويجب توزيع هذا المحتوى وفق هيكل تنظيمي معين، ويقوم هذا الهيكل على تقسيم البحث إلى:
 أقسام، والقسم يتفرع إلى أبواب، والباب إلى فصول، والفصل إلى مباحث، والمبحث إلى مطالب، والمطلب إلى فروع، والفرع إلى غصون، والغصن إلى بنود... كمايلي([2]):
  قسم ــ باب ــ فصل ــ مبحث ــ مطلب ــ فرع ــ غصن ــ بند ــ أولاً ــ 1 ..
 وهناك مجموعة من الضوابط التي يجب مراعاتها عند إجراء التقسيم أو التبويب أهمها:
 أ ـ الالتزام بالإطار الشكلي في التقسيم: ويخضع هذا الإطار لتقسيم تنازلي يبدأ من الأوسع نطاقاً إلى الأضيق نطاقاً كما وضحنا سابقاً ( قسم ــ باب ــ فصل ــ مبحث.... الخ ).
 ب ـ التسلسل المنطقي: ومعنى هذا الضابط ضرورة ألا تكون جزئيات البحث منعزلة عن بعضها البعض، بل يجب أن تكون مربوطة في سلسلة واحدة، بحيث ترتبط كل جزئية بالجزئية الأخرى، بما يؤدي إلى جعل البحث في مجموعه مثل اللوحة الفنية المتكاملة والمتناسقة في خطوطها وألوانها.
       وقبل أن ينتقل الباحث من باب إلى باب، أو من فصل إلى فصل، أو من مبحث إلى مبحث، يكون من الملائم أن يمهد للموضوع الذي سيعالجه في الباب أو الفصل أو المبحث اللاحق، حتى لا يشعر القارئ بانقطاع مفاجئ لانسياب الأفكار.
 ج ـ اختيار العناوين المختصرة الدالة على موضوع الباب أو الفصل أو المبحث: وضرورة وجود تناسق وتناغم بين عناوين الأبواب والفصول مع بعضها البعض، وبينها وبين العنوان العام للبحث، بحيث تكون عناوين المباحث مثلاً مشتقة من عنوان الفصل الذي تتبعه، متفرعة عنه، ودالة بوضوح عليه ( من ذلك مثلاً بحث عنوانه " مضمون فكرة النظام العام ودورها في مجال الضبط الإداري " يكون مقبولاً جعل عنوان الباب الأول: مضمون فكرة النظام العام في مجال الضبط الإداري، وجعل عنوان الفصل الأول: التعريف بالنظام العام كفكرة قانونية، وجعل عنوان المبحث الأول من هذا الفصل: اختلاف الآراء حول الوجود القانوني للنظام العام ).
 هـ ـ الحفاظ على التوازن والتماثل في تقسيمات البحث: ونعني بذلك ضرورة وجود توازن بين أعداد الفصول في كل باب، وأعداد المباحث في كل فصل، وأعداد المطالب في كل مبحث. فتغطية الباحث لأجزاء بحثه يجب أن تكون وافية وكافية، ومن ثم لا يصح أن يهتم الباحث بجزئية من بحثه على حساب جزئية أخرى.
       وتحقيق هذا التوازن والتماثل في التقسيم، يتوقف على عدة عوامل منها: نوع وكم المعلومات التي حصلها الباحث، وتوازنه في تغطية كافة جوانب موضوع بحثه قراءةً وتفكيراً وتحليلاً. ولا شك أن ثراء المادة العلمية يفتح المجال أمام الباحث لظهور أفكار جديدة تساعده على إجراء التوازن المطلوب.
     غير أنه يجدر التنبيه إلى أن التوازن المقصود، هو التوازن النسبي وليس التوازن الحسابي بطبيعة الحال، بمعنى أنه لا يشترط أن تأتي الأبواب والفصول والمباحث على مدار البحث كله بنفس عدد الصفحات، بل يجب أن يكون هناك تقارباً في ذلك.
 3 ـ الخاتمة:        
إذا وصل الباحث إلى نهاية مشواره، كان عليه أن يعطي بياناً مركزاً عن بحثه، يلخص فيه النتائج التي توصل إليها في بحثه، والتوصيات والمقترحات التي يرى ضرورة الأخذ بها([3]).
ويجب أن تكون الخاتمة قصيرة فلا تتجاوز بضع صفحات، وإذا كان يسمح بإطالة المقدمة إلى بضع عشرة صفحة، فليس الأمر كذلك بالنسبة للخاتمة.
       ويجدر بالباحث أن يوجه عناية فائقة للمقدمة والخاتمة، لأن البعض يفضل أخذ فكرة عامة عن بحث أو كتاب بقراءة مقدمته وخاتمته، والارتباط بينهما ينشأ من كون المقدمة طرح للمشكلة والخاتمة عرض لحلها.
      ويجب ألا تحتوي الخاتمة على تقسيمات داخلية أو عناوين جزئية، بل مجرد فقرات متتالية، توضح موقف الباحث ووجهة نظره من مشكلة البحث، بما يثري البحث ويرفع من قيمته، ويفتح الباب للنقاش من جديد حول الموضوع، أمام باحثين آخرين.
 ثالثاً ـ تعديل الخطة أو التبويب:
إن تعديل خطة البحث وتبويبه من الأمور الشائعة في عالم إعداد البحوث العلمية، ذلك أن الباحث قد تدفعه ظروف معينة إلى التسرع في إعداد خطة للبحث، يسير على هديها في تجميع مادته العلمية، وقراءاته حول موضوعه.
        غير أنه مع تقدم الباحث في قراءاته وإطلاعه على المراجع وما تحويه من معلومات، قد تطرأ أمامه عناصر وأفكار جديدة جديرة بالبحث والدراسة والتحليل، كما قد يتبين له أن هناك عناصر ومسائل ضئيلة الأهمية، أو غير منتجة في خدمة غرض بحثه، بحيث يكون من الملائم إهمالها أو تعديلها، وهنا يكون على الباحث أن يعدل خطة البحث بما يتماشى مع الموقف الأخير.
       وتجدر الإشارة إلى أن تعديل الخطة وإعادة تبويب المادة العلمية للبحث إن كان جائزاً، إلا أنه يجب ألا يمس جوهر الموضوع الذي اختاره الباحث للدراسة، وإلا كنا بصدد موضوع جديد، تترتب عليه نتائج علمية وإجرائية إن كان البحث مسجلاً لنيل درجة علمية في أحد الكليات الجامعية.
      وتفادياً لهذا الاحتمال الأخير، تجري معظم الجهات الأكاديمية ( ومن ذلك مثلاً كلية الحقوق بجامعة دمشق ) على عقد جلسة " سيمينار " للباحث، لمناقشته حول مختلف جوانب خطة بحثه للوقوف على مدى إلمامه بالموضوع، والمنهج الذي سيتبعه، والنتائج المتوقعة لبحثه، وعلى ضوء تلك المناقشة قد يضطر الباحث إلى إدخال التعديلات الضرورية على خطة بحثه وتبويبه.
أدوات البحث العلمي

        البحث العلمي لا يتم في فراغ، بل له أدوات يستعين بها الباحث في التعرف على المشكلة التي ينوي اتخاذها موضوعاً لبحثه، وفي جمع المعلومات والبيانات عنها، وفي التعرف على الأفكار والآراء المختلفة والمتعلقة بموضوع البحث. وتلك هي المصادر والمراجع التي يستقي منها الباحث مادته العلمية.
 وتتفاوت قدرة الباحثين في الإفادة من مصادر أو مراجع البحث، بتفاوت إمكانياتهم وقدراتهم، على الفهم والتحليل والتمحيص.
       وسنقوم بدراسة أدوات البحث العلمي، وفق ترتيب العمليات التي يقوم بها الباحث في استخدام هذه الأدوات، وذلك بتقسيم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث، كمايلي:

                      المبحث الأول: حصر المصادر والمراجع المتصلة بالبحث
                      المبحث الثاني: جمع المعلومات والبيانات
                      المبحث الثالث: تدوين وتوثيق المعلومات



حصر المصادر والمراجع المتصلة بالبحث

         سبق أن علمنا أن الخطوة الأولى في البحث، تتضمن تحديد موضوعه، ووضع خطة مبدئية له، يعقب ذلك تحديد المراجع التي تتصل بموضوع البحث. وإذا كان الباحث أثناء اختيار موضوع البحث ووضع خطة مبدئية له، يطلع على بعض هذه المراجع بصورة سريعة، فإن الخطوة التي نحن بصدد بحثها ، تختلف تماماً عن ذلك؛ فهذه الخطوة تتضمن حصر وتحديد المصادر والمراجع المتصلة بالبحث([4]).
        وهي مرحلة تتسم بالدقة والصعوبة، إذ تقتضي من الباحث أن يطلع على مراجع شتى وفي أماكن كثيرة، وعليه أن ينقب فيها ويبحث عما يفيده من هذه المراجع في موضوع بحثه. وتهدف المراجع إلى توفير المعلومات والبيانات التي تشكل المادة الأولية التي سوف يواجه بها الباحث موضوع بحثه.
وعلى ذلك فإنه بقدر دقة هذه المصادر والمعلومات التي تأتي منها، بقدر ما يأتي البحث منضبطاً وسليماً في أساسه العلمي وفروضه، وما يرتبه من نتائج.
       وسنقوم بدراسة هذا المبحث من خلال تقسيمه إلى ثلاثة مطالب، كمايلي:

                        المطلب الأول: المكتبة وكيفية الاستفادة منها
                        المطلب الثاني: الكمبيوتر والانترنت وكيفية الاستفادة منهما
                        المطلب الثالث: أنواع المصادر والمراجع




المكتبة وكيفية الاستفادة منها

         تمثل المكتبة المصدر الأهم والأساسي للبحث العلمي. والاهتمام بالمكتبات والعاملين بها يمثل المدخل الطبيعي للاهتمام بالبحث العلمي. وعلم المكتبات أصبح علماً وتخصصاً مهماً يُدرس في معظم الجامعات.
       واللجوء إلى المكتبة هو المصدر الأساس للحصول على المعلومات والبيانات الخاصة بكل بحث علمي، وإن التعامل مع المكتبة وما تحويه من كنوز وما تتضمنه من معلومات، أمر له أصول وقواعد وآداب، نوضحها فيمايلي:
 أولاً ـ آداب التعامل مع المكتبة:
ونقصد هنا الآداب التي يجب على الباحث التحلي بها حين التعامل مع المكتبة بكافة عناصرها، سواء كان هذا التعامل مع المكان وما يضمه من أثاث، أو مع العاملين في المكتبة، أو مع ما تحويه من كتب ومراجع، وذلك على النحو التالي:
 1 ـ آداب التعامل مع المكتبة كمكان:
يتميز المكان المخصص للمكتبة بقدسية يجب ألا يسمح لأحد أن ينتهكها. فلا يجوز رفع الصوت فيها حتى لا يتشتت ذهن المترددين عليها، ويجب إغلاق الهاتف الخليوي قبل ارتياد المكتبة حتى لا يسبب رنينه أي إزعاج لرواد المكتبة.
       ولا يجوز بأي حال من الأحوال التعامل مع المكان باستهتار، أو جلب المأكولات والمشروبات إليها، فالمكتبة ليست صالة طعام أو مكان للحديث والمسامرة بين روادها، وإنما هي مكان للبحث والعلم والإطلاع([5]).
      ويوجد في مدينة دمشق، مكتبة عامة شاملة لكل أنواع المعارف والعلوم هي مكتبة الأسد، وتضم هذه المكتبة آلاف الكتب والمراجع في مختلف ميادين العلوم، ويرتادها آلاف الطلبة والباحثين للاستفادة من كنوزها المعرفية الثمينة.
     ويوجد في هذه المكتبة خدمة البحث الالكتروني عن المصادر والمراجع، حيث تمت فهرسة الكتب الكترونياً، وتم تخصيص عشرات أجهزة الكمبيوتر لهذه الغاية، ويمكن للباحث أن يصل إلى ما يريد من مراجع عن طريق تزويد جهاز الكمبيوتر بعنوان البحث، فيحصل على كل ما كتب حول موضوع بحثه، ويستطيع طباعة أسماء المراجع والمصادر المتعلقة بموضوع بحثه والموجودة ضمن المكتبة.
     كما يوجد في جامعة دمشق مكتبة مركزية للجامعة كلها، فضلاً عن وجود مكتبة متخصصة لكل كلية أو معهد([6]).
 2 ـ آداب التعامل مع العاملين في المكتبة:
يقوم على المكتبة هيكل إداري وفني مدرب على التعامل مع الباحثين ومع الكتب. وهم من الحاصلين على مؤهلات جامعية في علوم المكتبات، وهم بحسب تكوينهم وعلمهم وثقافتهم في علم الوثائق والمكتبات، يكونون على إلمام تام بكل ما يتعلق بأماكن تواجد الكتب والمراجع ونظام فهرستها.
       وبالعلاقات الطيبة مع العاملين والقائمين على شؤون المكتبة، يستطيع الباحث أن يتخطى العديد من الصعوبات المتعلقة بالعثور على المراجع والمصادر التي تهمه، ويمكنه الوصول إلى المعلومات التي يبتغيها بأيسر السبل وفي وقت قصير([7]).
 3 ـ آداب التعامل مع الكتاب:
يمثل الكتاب بما يحتويه من معلومات وبيانات ثروة حقيقية تتوارثها الأجيال وينتفع بها الباحثون على مر العصور والأزمان، لذلك فإن التعامل مع الكتاب تحكمه آداب يجب الالتزام بها. ومن أهم هذه الآداب:
 أ ـ الحفاظ عليه وعدم تعريضه للتلف، أو انتزاع أي جزء من صفحاته، أو التأثير على متانة تغليفه، وتماسك ملازمه.
 ب ـ عدم التأشير بالقلم على صفحاته، أو وضع أية علامات أو تسويد يشوهه، فيجب أن يتركه بعد قضاء مأربه منه، وكأنه لم يطلع عليه.
 وإذا كانت هذه الآداب لازمة للتعامل مع أي كتاب، فإنها بالنسبة للكتب والمراجع القانونية ألزم وأولى. ذلك أن دراسة الطالب بكليات الحقوق تهتم بالكليات والقواعد الأساسية، ومن ثم تمثل الكتب الدراسية الجامعية إطلالة مهمة على العلوم القانونية، بحيث تضيف إلى بعضها البعض ليترابط   التكوين القانوني للطالب في سنوات الدراسة، فإذا ما انتهى من السنة الرابعة فإنه يكون قد اكتمل له البناء القانوني الذي يمكنه من التعامل مع النص القانوني في أي قانون حتى ولو لم يدرسه في دراسته بالكلية.
      ومن هنا كان مهماً بالنسبة لطالب الحقوق أن يحتفظ بالكتب التي يدرسها لكي يرجع إليها لكي تساعده على التذكر، ومعرفة ما سبق دراسته في عام سابق حتى تسهل عليه الدراسة في الأعوام المقبلة. وذلك لأن دراسة القانون هي دراسة تراكمية تبدأ من دراسة الأصول والقواعد العامة لتنتهي عند دراسة الفروع والحالات الخاصة.
 ثانياً ـ الاستفادة من المكتبة:  
تبدأ رحلة الباحث في المكتبة عبر ثلاث خطوات: تبدأ بطلب الكتاب والحصول عليه، ثم الاستفادة منه على الوجه المناسب، وأخيراً رد الكتاب إلى مكانه مرة أخرى.
 وترتبط هذه الخطوات بكيفية ترتيب وتنظيم الكتب داخل المكتبة. وحتى تتضح هذه النقطة فلا بد من دراسة أمرين أساسيين:
 1 ـ الفهرسة وأنواعها:
 من المفيد أن نورد هنا بعض المعلومات عن نظام الفهارس أو ( الببليوجرافيا )([8])، باعتباره المدخل لعملية حصر المصادر والمراجع، ولتزويد الباحث بالمعلومات والمهارات اللازمة لمساعدته في جمع وحصر مصادر ومراجع بحثه.
        والفهرسة هي علم رصد ووصف الكتب، وعرض المطبوعات التي تنشر في مجالات المعرفة المختلفة، مع إعطاء فكرة موجزة عنها، سواء تعلق الأمر بكتاب أو رسائل جامعية.
والفهرسة التي عرفت منذ القديم هي الفهرسة اليدوية، حيث تدون عناوين الكتب والمصنفات على بطاقة من الورق المقوى مربعة أو مستطيلة الشكل، وفقاً للترتيب الهجائي ( لأسماء المؤلفين أو لعنوان الكتاب أو لرؤوس الموضوعات ). وتوضع تلك البطاقات في أدراج ثلاثة مرتبة ترتيباً هجائياً، يطلع عليها الباحث للوصول إلى المصادر والمراجع المتعلقة ببحثه.
    غير أنه مع التقدم في الوسائل العلمية والتعليمية وظهور الكمبيوتر، صارت الفهرسة الكترونية، حيث يتم تغذية برامج الكمبيوتر بالمعلومات والبيانات الخاصة بالمرجع والمادة العلمية التي يحتويها، مرتبة هجائياً، ويكون من السهولة استدعاؤها.
 والفهرسة أنواع ثلاثة([9]):   
 1ـ الفهرسة الوصفية: وفيها يتم تحديد معالم المرجع ببعض البيانات الوصفية الخارجية، التي تيسر على الباحث عملية العثور على الكتاب أو المرجع، وقد تستند تلك البيانات إلى:
 أ ـ اسم المؤلف، حيث يدرج اسم المؤلف في بطاقة الفهرس، وترتب المراجع ترتيباً هجائياً، وتوضع البطاقات في أدراج، ويكون مفتاح البحث عن المرجع اسم المؤلف.
 ب ـ عنوان المرجع، حيث يدرج اسم المرجع أو الكتاب في البطاقة المذكورة، وترتب هجائياً، ويكون مفتاح البحث عن المرجع عنوانه.
 ج ـ موضوع المرجع، حيث يدرج موضوع المادة العلمية التي بين دفتي المرجع في البطاقة، وترتب البطاقات هجائياً، ويكون مفتاح البحث عن المرجع موضوعه.
 2ـ الفهرسة الموضوعية: وفيها يتم تحديد معالم المرجع عن طريق تدوين مدخل الموضوع العام، ثم الموضوعات الفرعية الخاصة، وترتب البطاقات هجائياً حسب رؤوس الموضوعات.
 3ـ الفهرسة القاموسية: وهي تجمع كلا النوعين السابقين، وتزيد عليها. حيث تتضمن بطاقة الفهرس عنوان الكتاب، واسم المؤلف، وموضوع المادة العلمية للكتاب. وفضلاً عن ذلك يمكن تجميع أعمال المؤلف الواحد وجردها، أو موضوع واحد لعدة مؤلفين.
 ثالثاً ـ كيفية البحث عن المراجع:
 يتم البحث عن المراجع إما:
 أ ـ بالرجوع إلى الفهارس الهجائية بأنواعها التي ذكرناها. حيث أن كل فهرس مدون في بطاقات معدة في مجموعات ثلاث من الأدراج، وما على الباحث إلا أن يقلب البطاقات حتى يعثر على البطاقة التي تحمل اسم المرجع والمبين فيها رقمه، والمجموعة التي تدل على مكان وجوده بالمكان المحفوظ فيه، ويطلب من أمين المكتبة استخراجه للإطلاع عليه.
 ب ـ بالرجوع إلى أرفف المكتبة والبحث عن المرجع، وهذا يستلزم أن يكون الباحث على دراية بنظام تصنيف المراجع وتوزيعها على الأرفف.
 واشهر نظم التصنيف المعروفة في العالم هو نظام التصنيف العشري للعالم الأمريكي ديوي Dewy، وتتبعه معظم مكتبات الجامعات في العالم.
 ووفقاً لهذا النظام تقسم ميادين المعارف الإنسانية إلى عشرة معارف رئيسية، ترتب كمايلي([10]):
 1 ـ المعارف العامة                                                                      00   
 2 ـ الفلسفة والنظم المتصلة بها                                                          100 
 3 ـ الديانات                                                                             200 
 4 ـ العلوم الاجتماعية                                                                    300 
 5 ـ اللغات                                                                               400   
 6 ـ العلوم البحتة                                                                         500 
 7 ـ التكنولوجيا والعلوم التطبيقية                                                         600    
 8 ـ الفنون                                                                               700  
 9 ـ الآداب                                                                               800
 10 ـ الجغرافيا العامة والتاريخ                                                           900   
 وكل مجال معرفي من تلك المجالات ينقسم بدوره إلى عشرة مجالات فرعية ( 100 فرع )، وكل مجال فرعي ينقسم هو أيضاً إلى عشرة أقسام أخرى ( 1000 فرع ).
       فالمجال الرابع مثلاً وهو العلوم الاجتماعية، ينقسم إلى عشرة مجالات فرعية، وهي:
 1 ـ الإحصاء       310                                      6 ـ الإنماء الاجتماعي  360
 2 ـ السياسة        320                                      7 ـ التربية              370
 3 ـ الاقتصاد       330                                      8 ـ التجارة والخدمات   380
 4 ـ القانون         340                                      9 ـ العادات والفلكلور   390
 5 ـ الإدارة العامة   350                                     10 ـ الاجتماع          400                                     

   والمجال الفرعي الرابع وهو " القانون " رقم 340، يمكن تقسيمه إلى عشرة مجالات فرعية كمايلي:
 1 ـ القانون المدني 341                               6 ـ القانون الدولي الخاص      346
 2 ـ القانون الإداري 342                             7 ـ القانون الدستوري           347
 3 ـ القانون الجنائي 343                             8 ـ القانون المالي               348
 4 ـ القانون التجاري 344                            9 ـ الشريعة الإسلامية           349
 5 ـ القانون الدولي العام 345                        10 ـ قانون المرافعات            350
         وكل مجال فرعي يمكن أيضاً تقسيمه إلى عشرة مجالات أخرى، مع وضع العلامة العشرية، كما جاء بنظام ديوي، بعد الرقم...


    فمثلاً القانون الإداري يقسم إلى:
 1 ـ القانون الإداري ( النظرية العامة ) 342.1
 2 ـ القضاء الإداري                    342.2
 3 ـ العقود الإدارية                     342.3
 4 ـ الضبط الإداري                    342.4
 5 ـ التنظيم الإداري                    342.5
 6 ـ المرافق العامة                     342.6
 7 ـ الوظيفة العامة                     342.7
 8 ـ الأموال العامة                     342.8
 9 ـ القرارات الإدارية                 342.9  
 10 ـ مبدأ الشرعية                   342.10
 وبانتهاء ترقيم المراجع وتصنيفها يتم توزيعها على أرفف المكتبة، مع وضع علامات إرشادية ظاهرة أمام كل مجال رئيسي وفرعي من مجالات المعرفة.



 (2) علي ضوى، مرجع سبق ذكره، ص 79 وما بعدها.
 (1) تقسيم البحث إما أن يكون تقسيماً ثنائياً: أي يقسم البحث إلى قسمين أو بابين أو فصلين حسب الأحوال. ,إما أن يتخذ التقسيم شكل الأقسام المتعددة.
 وفي التقسيم الثنائي، يتم تقسيم البحث إلى قسمين أو جزأين رئيسيين، وعلى سبيل المثال ( إذا كان الموضوع ذا صبغة تاريخية، فيمكن تقسيمه إلى حقبتين من التطور تتميز كل منهما بخصائص معينة في نظر الباحث، وإذا كانت الناحية التاريخية مهمة ولكن يوجد إلى جانبها عرض قانوني آخر، فيمكن جعل القسم الأول للناحية التاريخية والثاني للعرض القانوني. وإذا كان للموضوع جانب عملي تطبيقي وآخر نظري أو فلسفي، فيمكن جعل كل من هذين الجانبين في قسم على حدة. وإذا تناولت الدراسة نقداً لتطبيق نظام قانوني معين، فإن شرح هذا النظام وتطبيقه يأتيان في قسم، والنقد والمقترحات لإصلاحه في القسم الثاني... وهكذا.
 ويمتاز التقسيم الثنائي لموضوع البحث بدقته ووضوحه وتركيزه على جوانب البحث المتعددة في قسمين، مما يؤدي بالباحث أن يسير في بحثه دون خوف من تشتيت جهوده في بحث موضوعات فرعية تخرج عن الإطار الحقيقي للبحث. وهذا التقسيم شائع في الدراسات القانونية تأثراً بالمنهج الفرنسي في البحث.
أما التقسيم المتعدد للبحث، ففيه يقسم البحث إلى ثلاثة أقسام أو أكثر حسب طبيعة ومقتضيات البحث. ويبدو أن تقسيم البحث إلى أكثر من ثلاثة أقسام أو أبواب، يصلح لتأليف المراجع العامة لأنها تشمل موضوعات مختلفة ومتعددة ولو كانت ترتبط بمادة واحدة، فعلى سبيل المثال ( عند تأليف مرجع عام في القانون الإداري، يمكن تقسيمه إلى خمسة أبواب كمايلي: الباب الأول: الوظيفة العامة، الباب الثاني: الضابطة الإدارية، الباب الثالث: القرارات الإدارية، الباب الرابع: العقود الإدارية، الباب الخامس: الاستملاك للمنفعة العامة ).
أما في الأطروحة أو الرسالة الجامعية، فالأمر مختلف، حيث أن الباحث يتناول موضوعاً واحداً، هو نقطة صغيرة في مادة، محاولاً تعميقها إلى ابعد مدى. لذلك يجب تقسيم بحثه تقسيماً ثنائياً أو ثلاثياً، بحيث يؤدي كل جزء دوره في نطاق الكل، أي يجب أن يكون بين الأقسام علاقة تكامل وترابط.
ونشير أخيراً إلى أن التقسيم الثنائي يطلق عليه التقسيم اللاتيني، أما التقسيم المتعدد فيطلق عليه التقسيم الأنكلو سكسوني.  

 (1) يعتقد الكثير من الباحثين أن الخاتمة هي تلخيص وعرض لخطة البحث وللموضوعات المدرجة في الفهرس النهائي، وهذا اعتقاد خاطئ؛ لأنه يجب قصر موضوع الخاتمة على عرض ما توصل إليه الباحث من نتائج، إضافة لما يقدمه من حلول واقتراحات لحل المشكلات التي يثيرها موضوع البحث.
 (1) تجري التفرقة أحياناً بين المصدر source والمرجع reference ، فالأول يعني الوعاء الذي نشر فيه الموضوع أو المادة العلمية لأول مرة ومثاله ( المخطوطات، والوثائق، والمذكرات )، أما الثاني، فهو الوعاء الذي نشر فيه الموضوع أو المادة العلمية في وقت لاحق عن زمن المصدر، كما أن تلك المادة مأخوذة عن المصدر الأصلي.
عير أن الدارج والمتعارف عليه عادةً، هو حمل المصدر والمرجع على معنى واحد. فالمصدر والمرجع هو كل ما يرجع إليه لاستمداد المعلومات البيانات الخاصة بموضوع معين.  
 (1) من الأمور المؤسفة أن نجد بعض رواد المكتبات في بلادنا، لا يحترمون هذه القواعد والآداب، فتؤدي تصرفاتهم غير المسؤولة، إلى التأثير سلباً على الباحثين الجادين، بما يؤدي إلى تعطيل عملهم البحثي وضياع وقتهم وجهدهم.
 (1) لقد قمت أثناء إيفادي إلى جامعة عين شمس في جمهورية مصر العربية، للحصول على درجة الدكتوراه في الحقوق، بارتياد العديد من المكتبات في الجامعات المصرية المختلفة، وخصوصاً ( جامعة عين شمس، وجامعة القاهرة، وجامعة حلوان، وجامعة الأزهر، وجامعة المنصورة، وجامعة الإسكندرية )، إضافة إلى المكتبات العامة كمكتبة الإسكندرية، ومكتبة المعادي في القاهرة.
وتضم هذه المكتبات كتباً قيمة في مختلف المعارف والعلوم، إضافة إلى الخدمات الموجودة في هذه المكتبات كالتوثيق الالكتروني والانترنت، مما يسهل على الباحث إنجاز عمله البحثي.
وقد استفدت ـ شخصياً ـ من هذه المكتبات، في إتمام مسيرتي البحثية، التي توجت بالحصول على درجة الدكتوراه في الحقوق من جامعة عين شمس، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، في عام 2007.
 (2) نظراً لأهمية الدور الذي يقوم به أمناء المكتبات، فإنه في المكتبات الكبرى لا يسمح للباحث أن يحصل على الكتاب إلا عن طريق أمين المكتبة، حتى إذا ما فرغ من استخدامه فإنه يسلمه إلى أمين المكتبة. وبذلك نضمن أن يرجع الكتاب إلى مكانه وبنفس الرقم المسلسل، إذ أن ترك هذا الأمر للباحثين يؤدي إلى اضطراب الفهرسة وتداخلها، مما يصعب معه الحصول على الكتاب مرة أخرى.


 (1) استخدمت كلمة ببليوجرافيا Bibliography منذ القدم للدلالة على كل ما يتصل بصناعة الكتب، من حيث تأليفها ونسخها وتيسير الإفادة منها.
غير أن الببليوجرافيا قد تحدد مفهومها في القرن التاسع عشر، فصارت تعني " الكتابة عن الكتب "، أي تجميع مواد الإنتاج الفكري المستخدمة في الإعلام والتعلم والبحث ـ سواء كانت هذه المواد مخطوطة أو مطبوعة مسموعة أو مرئية ـ في قوائم ذات نظام موحد تربط بين موادها صفة مشتركة ويحكمها غرض معين ـ كأن تكون حول شخص أو موضوع، زمان أو مكان، بشكل عام أو محدد ـ وصار الببليوجرافي هو من يصنع هذا العمل.
والببليوجرافيات تقدم خدمة لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة للبحث بصفة عامة، وبالنسبة للبحث الوثائقي بصفة خاصة.. ذلك لأن الببليوجرافيا تجمع كل الأعمال المتصلة بموضوع معين، وبالتالي فإنها تختصر الوقت الذي يبذله الباحثون في التعرف على ما نشر في مجال دراستهم.. فالمعلومات المتوفرة عن موضوع معين تحدد إلى حد كبير، مسار البحث والمشكلة التي يمكن أن يعالجها الباحث، فضلاً عن درجة أصالة البحث ونوعيته ومستواه...
انظر: د. أحمد بدر، مرجع سبق ذكره، ص 213 وما بعدها.
 (1) د. أحمد عبد الكريم سلامة، مرجع سبق ذكره، ص 89 وما بعدها. ود. جابر جاد نصار، مرجع سبق ذكره، ص 115 وما بعدها.
 (2) د. جابر جاد نصار، مرجع سبق ذكره، ص 117 وما بعدها. ود. أحمد بدر، مرجع سبق ذكره، ص 154 وما بعدها.

Post a Comment

أحدث أقدم