سيميولوجية
الشخصية عند فيليب هامون
من
المعروف أن مكون الشخصية من أهم المكونات الغامضة في نظرية الأدب وشعرية الأجناس التي يصعب دراستها بطريقة علمية موضوعية؛
نظرا لما تطرحها من مشكلات شائكة على مستوى التحليل والوصف والمقاربة.
ومن
ثم، فقد اخترت أن أقدم للقارىء طريقة التعامل مع الشخصية الروائية في ضوء المنهجية
السيميائية ، معتمدا في ذلك على مفاهيم فيليب هامون( Philippe Hamon ) في دراسته للشخصية دالا ومدلولا، مستفيدا
أيضا من السيميائيات السردية لدى كريماس، ووجوزيف كورتيس، وجماعة أنتروفيرن، قدر الإمكان ، من أجل دراسة الرواية دراسة
بنيوية شكلانية لمعرفة كيفية انبثاق المعنى وانجلائه، وتحديد طرائق تحققه نصا
وبروزا، وتحيينه على مستوى البنية السطحية
والبنية العميقة.
بادىء ذي بدء، لابد للباحث أن يحدد بدقة مضبوطة في دراسته السيميائية
التطبيقية مفهومه للشخصية الروائية، بذكر مجمل التصنيفات التي انصبت على الشخصية،
سواء أكانت تصنيفات مضمونية أم شكلية. وبعد ذلك، يتناول مفهوم الشخصية الروائية،
كما يراها فليب هامون في مقاله الذي خصصه لسيميولوجية الشخصية.
تجمع آراء النقاد على مدى الغموض
الذي يكتنف مقولة الشخصية، وقد أشار فيليب هامون في أكثر من مرة ، في مقاله( من
أجل قانون سيميولوجي للشخصية)، إلى أن الدراسات الحديثة قد لاحظت أن مقولة
الشخصية ظلت وبشكل مفارق إحدى المقولات الأشد غموضًا في الشعرية[1].
وتقول فيرجينيا وولف سنة 1925م :" دعونا نتذكر مدى قلة ما نعرفه عن
الشخصية".[2]
هذا، وإنّ ما يميز فيليب هامون، عن غيره من النقاد والدارسين في
موضوع (الشخصية الروائية) ، هو تخصيصه مقالاً خاصًا شاملاً، كاقتراح لمفهوم
الشخصية ، وتبيان إجراءات نظرية وتطبيقية لتحليلها على مستوى الدال والمدلول. كما
أنه استفاد من آراء مختلفة ومتنوعة، محاولا في ذلك التوفيق بينها . وقد تحدث فيه
عن العلامات و أنواعها، ومفهوم الشخصية وأصنافها. ثم، انـتـقـل إلى تحليل ثلاثة
محاور أساسية هي: مدلول الشخصية، ومستويات وصف الشخصية، ودال الشخصية. وقد حدد هذه المحاور في
ضوء تحليل الشخصية الروائية" بوصفها وحدة دلالية قابلة للتحليل والوصف. أي:
من حيث هي دال ومدلول، وليس كمعطى قبلي وثابت" .[3]
ومن ثم، يشكل هذا التصور لبّ
بحثه حول مقولة الشخصية ، وقد قدم من خلاله مجموعة من الإجراءات النظرية التي
تساعد الدارس في تحديد معالم الشخصية، مدعمة بجداول نموذجية لتصنيف المعلومات
المعطاة ، في محاور المواصفات، و محاور الوظائف . بالإضافة إلى جدول خاص آخر،
تـُحدد فيه المواصفات والوظائف تبعا لكيفية الحصول عليها في ثنايا النص، هل هي:
مواصفة وحيدة، أو مكررة، أو احتمال وحيد، أو احتمال مكرر، أو فعل وحيد، أو مكرر.
ومن هنا، يدرس فليب هامون الشخصية من منظور لساني نحوي قائم على
ثنائية العلامة السوسيرية: الدال والمدلول على غرار البنيويين الآخرين، أمثال:
رولان بارت ، وكريماس، وتزفيتان تودوروف، وكلود بريمون... ويعني هذا أن فليب هامون
يتوقف عند وظيفة الشخصية من الناحية النحوية، " فيجعلها بمثابة الفاعل في
العبارة السردية لتسهل عليه، بعد ذلك، المطابقة بين الفاعل والاسم
الشخصي(للشخصية). بل، إن فيليب هامون يذهب إلى حد الإعلان عن أن مفهوم الشخصية ليس
مفهوما أدبيا محضا، وإنما هو مرتبط أساسا بالوظيفة النحوية التي تقوم بها الشخصية
داخل النص، أما وظيفتها الأدبية، فتأتي حين يحتكم الناقد إلى المقاييس الثقافية
والجمالية.
ومن هذه الناحية، يلتقي مفهوم الشخصية بمفهوم العلامة اللغوية، حيث
ينظر إليها كمورفيم فارغ في الأصل، سيمتلئ تدريجيا بالدلالة كلما تقدمنا في قراءة
النص. فالظهور الأولي للشخصية في السرد الكلاسيكي سيشكل شبيها ببياض دلالي أو شكل
فارغ تأتي المحمولات المختلفة لملئه، وإعطائه مدلوله عن طريق إسناد الأوصاف،
والحديث عن الانشغالات الدالة للشخصية أو دورها الاجتماعي الخاص. على أن مدلول
الشخصية أو قيمتها، إذا أردنا استعمال المصطلح السوسيري، لا ينشأ فقط من تواتر
العلامات والنعوت والأوصاف المسندة للشخصية، ولا من التراكمات والتحولات التي تخضع
لها قبل أن تستقر في وضع نهائي آخر النص، ولكن المدلول يتشكل أيضا من التعارضات
والعلاقات التي تقيمها الشخصيات داخل الملفوظ الروائي الواحد. ويعني هذا الأمر، من
وجهة نظر بنيوية، ألا نسعى دائما إلى المطابقة بين الشخصية ومدلولها، فهي وإن كانت
متوفرة على مدلول بارز لا نزاع فيه من غير الطبيعي اختزالها إلى مجرد
مدلول.".[4]
ومن هنا، يدرس فليب هامون الشخصية الروائية من حيث الدال والمدلول
على حد سواء، معتمدا في ذلك على الجداول الوصفية الكمية والنوعية، مع تقديم أنواع
معينة من الشخصيات( المرجعية، والواصلة، والتكرارية)، وطرح مجموعة من المعايير
والمقاييس التي يتم بها تحديد الشخصية المحورية والشخصية البطلة والشخصيات
المقابلة أو المساعدة.
ومن المعلوم فلقد صنفت الشخصية، في مجال الأدب والنقد واللسانيات،
تصنيفات عدة. فمن بين هذه التصنيفات، نستحضر تصنيف جورج لوكاش الذي يقسم الشخصية،
في كتابه( نظرية الرواية) [5]
، إلى:الشخصية المثالية، والشخصية الرومانسية، والشخصية المتصالحة. وهناك، تصنيف
مشيل زيرافا( Michel Zirrafa ) الذي يميز بدوره بين الشخص والشخصية، والشخصية المنجزة وغير المنجزة؛
وتصنيف لوسيان كولدمان( Lucien Goldmann ) القائم على البطل الإشكالي والبطل الملحمي؛ وتصنيف فورستر( Forster ) بين الشخصية البسيطة والشخصية المعقدة، وبين
الشخصية الديناميكية النامية والشخصية الساكنة الثابتة.
وهناك، تصنيفات حديثة بنيوية
وسيميائية كما نجد عند فلاديمير بورب( V.Propp ) الذي يستدعي، في
تصنيفه، سبع شخصيات محورية هي: المعتدي، والواهب، والمساعد، والأميرة، والموكل،
والبطل، والبطل المزيف. أما المحلل السيميائي كريماص، فيصنف الشخصيات، ضمن التصور
السيميائي العاملي، إلى ست شخصيات أساسية هي: المرسل والمرسل إليه، والذات
والموضوع، والمساعد والمعاكس.
ومن جهة أخرى، يصنف كلود
بريمون( C.Bremond ) الشخصية إلى فاعلة
ومنفعلة. أما فليب هامون، فيصنفها إلى ثلاث فئات: شخصيات مرجعية، وشخصيات واصلة،
وشخصيات تكرارية.[6]
هذا، ويقترح فيليب هامون بعض المبادئ العامة لدراسة الشخصية
الروائية، يرى أنها تجنب الدخول في متاهات
الالتباس والغموض الذي تلحق الدراسة التقليدية التي تعتمد على التحليل النفسي أو
التاريخي أو الاجتماعي . وقد اعتبرها الباحث المغربي حسن بحراوى من أهم وأغنى التبولوجيات الشكلية من الناحية
الإجرائية قائلا:" إن أهم وأغنى التيبولوجيات الشكلية من الناحية الإجرائية
هي تلك التي يقترحها فليب هامون في دراسته اللامعة حول القانون السيميولوجي
للشخصية... وأهمية تيبولوجية هامون تأتي من كونها قائمة على أساس نظرية واضحة تصفي
حسابها مع التراث السابق في هذا المضمار(أرسطو – لوكاش- فراي-الخ...)، ولا تتوسل
بالنموذج السيكولوجي أو النموذج الدرامي أو غيرهما من النماذج المهيمنة في
التيبولوجيات السائدة."[7]
ويؤيد هذا الطرح أيضا الباحث السيميائي المغربي سعيد بنكراد مؤكدا
أنه" في ضوء هذه الملاحظات، يمكن القول : إن مقترحات كريماس فيما يتعلق
بدراسة الشخصية لا ترقى إلى ما يطرحه بناء الشخصية من أبعاد تتجاوز بكثير مشكلة
الصياغة التجريدية الخاصة بالبنيات العاملية وتنويعاتها المتعددة. ولقد كان لفليب
هامون الفضل الكبير في اقتراح دراسة بالغة الجدة للشخصيات، وهي دراسة تنطلق من
مجموعة من العناصر التي أغفلتها نظرية كريماس. ومع ذلك، لا يمكن النظر إلى مقترحات
هامون باعتبارها تشكل نقيضا لما جاء به كريماص، بل يجب النظر إليها باعتبارها
إغناء وإثراء لتصورات كريماص انطلاقا من موقع تحليليي جديد."[8]
ويعني هذا أن البنية العاملية السيميائية عند كريماص تتسم بنوع من
الرتابة التجريدية ، وتتسم أيضا بالجمود الشكلي والتحليل الميكانيكي الآلي. كما
تمتاز بقصورها المنهجي في التعامل مع الشخصية التي يجب دراستها من الداخل والخارج،
دالا ومدلولا ووظيفة. علاوة على ذلك ، فإن منهجية كريماس العاملية لا تهتم بجميع
المكونات التي تنبني عليها الشخصية. لذا، فهي تصلح أكثر للخرافة والنصوص السردية
الأسطورية أكثر مما هي صالحة بشكل دائم للرواية.
ويمكن تصنيف الشخصية الروائية ، حسب فيليب هامون، إلى ثلاث فئات:
uالشخصيات المرجعية: وهي -
حسب فليب هامون( Philippe Hamon )- شخصيات تحمل علامات
مرجعية وإحالية ، مثل: "شخصيات تاريخية ( نابليون الثالث في "
ريشيليو" عند ألكسندر دوما)، وشخصيات
أسطورية (فينوس ، زوس)، وشخصيات مجازية(الحب، الكراهية)، وشخصيات اجتماعية(العامل
، والفارس، والمحتال). تحيل هذه الشخصيات كلها على معنى ممتلئ وثابت، حددته ثقافة
ما. كما تحيل على أدوار وبرامج، واستعمالات ثابتة. إن قراءتها مرتبطة بدرجة
استيعاب القارئ لهذه الثقافة( يجب أن نتعلمها ونتعرف عليها). وباندماج هذه
الشخصيات داخل ملفوظ معين، فإنها ستشتغل أساسا كإرساء مرجعي يحيل على النص الكبير
للإيديولوجيا، الأكليشيهات أو الثقافة. إنها ضمانة لما يسميه بارت بأثر الواقعي،
وعادة ما تشارك هذه الشخصيات في التعيين المباشر للبطل..."[9]
vالشخصيات الواصلة: تعد
الشخصيات الواصلة - حسب فيليب هامون- دليلا " على حضور المؤلف أو القارئ أو
من ينوب عنهما في النص: شخصيات ناطقة باسمه، جوقة التراجيديا القديمة، والمحدثون
السقراطيون، وشخصيات عابرة، ورواة وما شابههم، واطسون بجانب شارلوك هومز ، وشخصيات
رسام، وكاتب، وساردون، ومهذارون، وفنانون، الخ...."[10]
wالشخصيات التكرارية: فيما
يتعلق بهذه الفئة، يقول فيليب هامون: إن" مرجعية النسق الخاص للعمل وحدها
كافية لتحديد هويتها، فهذه الشخصيات تقوم داخل الملفوظ بنسج شبكة من الاستدعاء
والتذكير، بأجزاء ملفوظية وذات أحجام متفاوتة كجزء من الجملة ، كلمة، فقرة.
ووظيفتها وظيفة تنظيمية وترابطية بالأساس.
إنها بالأساس علامات تشحذ ذاكرة القارئ، إنها شخصيات للتبشير، و شخصيات لها
ذاكرة، إنها تقوم بنذر أو تأويل الإمارات الخ. إن الحلم التحذيري، ومشهد الاعتراف
والتمني، والتكهن، والذكرى، والاسترجاع، والاستشهاد بالأسلاف، والصحو، والمشروع،
وتحديد برنامج، كل هذه العناصر تعد أفضل الصفات، وأفضل الصحو لهذا النوع من
الشخصيات. "[11]
ويرى سعيد بنكراد أن هذا
النوع من الشخصيات غالبا ما يتطابق " مع الشخصيات الإخبارية التي يوليها بروب
أهمية كبيرة، والتي تستخدم كضمانة للربط بين الوظائف: ما بين اختطاف الأميرة،
ورحيل البطل، يجب أن تكون هناك شخصية مخبرة، قامت بإخبار البطل باختطاف الأميرة.
إن هذه الشخصيات تشكل منظمات للحكاية".[12]
ويلاحظ فليب هامون، على هامش
هذه التصنيف الشكلي، " أن بإمكان أية
شخصية أن تنتمي في الوقت نفسه أو بالتناوب لأكثر من واحدة من هذه الفئات الثلاث ؛
لأن كل وحدة فيها تتميز بتعدد وظائفها ضمن السياق الواحد".[13]
ومن جهة أخرى، يتعامل فليب هامون مع الشخصية باعتبارها دالا من خلال سرد أوصافها الخارجية والداخلية، وذكر
اسم العلم الشخصي، وتحديد الضمير، والتركيز على البعد البلاغي مقابل البعد الحرفي.
ويتحدد دال الشخصية في الرواية من خلال
المكون الوصفي القائم على البعد الجسدي، والبعد النفسي، والبعد الأخلاقي، والبعد
الاجتماعي، بالإضافة إلى دال اسم العلم الذي يقوم بدور هام في تحبيك الرواية.
ومن
المعروف جيدا أن اسم العلم الذي يتكون في الثقافة العربية من الاسم الشخصي والكنية
واللقب يحمل دلالات سيميائية عدة حسب السياق، وحسب المسار الدلالي والمعجمي داخل
النص أو المتن الروائي. ولقد اهتم به اللسانيون والمناطقة والسيميائيون ونقاد
الأدب لما يحمله اسم العلم من دلالات
ووظائف نصية ومرجعية وتخييلية[14].
وفي هذا النطاق، يقول حسن بحراوي:" يسعى الروائي وهو يضع الأسماء لشخصياته أن
تكون مناسبة ومنسجمة، بحيث تحقق للنص مقروئيته وللشخصية احتماليتها ووجودها. ومن
هنا، مصدر ذلك التنوع والاختلاف الذي يطبع أسماء الشخصيات الروائية. وهذه المقصدية
التي تضبط اختيار المؤلف لاسم الشخصية ليست دائما من دون خلفية نظرية، كما أنها لا
تنفي القاعدة اللسانية حول اعتباطية العلامة، فالاسم الشخصي علامة لغوية بامتياز،
وإذاً، فهو يتحدد بكونه اعتباطا، إلا أننا نعلم أيضا أن درجة اعتباطية علامة ما أو
درجة مقصديتها يمكن أن تكون متغايرة ومتفاوتة ولذلك، فمن المهم أن نبحث في الحوافز
التي تتحكم في المؤلف وهو يخلع الأسماء على شخصياته."[15]
وإذا
كانت الشخصية في الرواية الواقعية، مع بلزاك، وفلوبير، وستاندال، ونجيب محفوظ،
وعبد الرحمن الشرقاوي، وعبد الكريم غلاب، والطاهر وطار، تحمل أسماء علمية إنسانية تمييزا وتفريدا
وتخصيصا، فإن الشخصية في الرواية الجديدة لم تعد تحمل في طياتها اسما علما، بل
أصبحت هذه الشخصية كائنات مشيأة ومرقمة ومستلبة، دون اسم ولا هوية ، كما نجد ذلك
واضحا وجليا في روايات كافكا – مثلا-.
ومن
هنا، أصبح اسم العلم للرواية ضرورة ملحة للتدليل على طبيعة الشخصية، ورصد سلوكها
الوظيفي داخل المتن الروائي، وإبراز تصرفاتها كيفا وكما. ومن هنا، " فإن معظم
المحللين البنيويين للخطاب الروائي قد أصروا على أهمية إرفاق الشخصية باسم يميزها
، ويعطيها بعدها الدلالي الخاص. وتعليل ذلك عندهم أن الشخصيات لابد وأن تحمل اسما،
وأن هذا الأخير هو ميزتها الأولى، لأن الاسم هو الذي يعين الشخصية، ويجعلها معروفة
وفردية. وقد يرد الاسم الشخصي مصحوبا بلقب يميزه عن الآخرين الذين يشتركون معه في
الاسم نفسه، كما يزيد في تحديد التراتب الاجتماعي للشخصية الذي تخبرنا عنه
المعلومات حول الثروة أو درجة الفقر. بل إن المعلومات التي يقدمها الروائي عن
المظهر الخارجي للشخصية وعن لباسها وطبائعها وحتى عن آرائها تأتي كلها لتدعم تلك
الوحدة التي يؤشر عليها الاسم الشخصي، بحيث تشكل معها شبكة من المعلومات تتكامل مع
بعضها ، وتقود القارئ في قراءته للرواية"[16]
ومن
الضروري دراسة العلم صوتيا، وإيقاعيا،
وصرفيا، ودلاليا، ونحويا، وبلاغيا، وأيقونيا، في شكل فونيم، ومورفيم، ومونيم أو
ليكسيم؛ لأن اسم العلم أمير الدوال، فإيحاءاته غنية، وعلاماته اجتماعية واستعارية
وثقافية ورمزية.[17]
ويجب
علينا أن نعرف الطريقة التي يستخدمها الروائي في توظيفه لاسم العلم، وما يحمله هذا
الاسم من إحالات دلالية ومرجعية، أو يدرسون كما قال أيان وات:" الطريقة
الخاصة التي يعلن بها الروائي عن قصده
تقديم شخصية ما على أنها فرد معين، وذلك بتسمية الشخصية بالطريقة ذاتها، التي يسمى
بها الأفراد في الحياة الاعتيادية".[18]
وتحضر الشخصية داخل النص الروائي كذلك عبر مجموعة من الضمائر التفاتا
وسردا وحكيا، فتنتقل الشخصية عبر ضمائر التكلم والغياب والخطاب. وتمارس هذه
الضمائر لغة الإحالة والاتساق، والانسجام والتواصل بين المحيل والمحال عليه، وتنتقل الشخصية عبر مجموعة من الضمائر، فترتبط
بضمائر التعظيم والاحترام ( أنتم/vous )، أو بضمائر المساواة العادية( أنت tu).
وتنتقل الشخصية أيضا ، على مستوى التجنيس الأدبي والأسلوبي، من ضمير
المتكلم - الذي يرتبط بالمنولوج أوالتذويت أو الحوار الداخلي- إلى ضمير الغائب
القائم على السرد و الأسلوب غير المباشر ، مرورا بضمير الخطاب المبني على الحوار
والأسلوب المباشر. وتساهم الضمائر المعوضة لأسماء الأعلام في خلق غموض الشخصية،
وخلق إبهامها، وازدياد التباسها فنيا وجماليا ودلاليا.
وغالبا، ما يسقط الضمير الشخصية في المنولوج والمناجاة والحوار
الداخلي، ويخرج الرواية من طابعها البوليفوني السردي القائم على التعدد الصوتي إلى
المنولوجية ، أو ما يسمى أيضا بالخطاب المذوت الذي يقربنا من أدب الاعترافات والسيرة الذاتية و أدب
اليوميات والمذكرات والمنشورات الاجتماعية والسياسية .
وهكذا، تشكل الضمائر سمة
ضعيفة في تشكيل الشخصية الروائية، وإظهارها دالا ومدلولا مقارنة باسم العلم الشخصي
الذي يفردها، ويميزها عن باقي الشخصيات
الأخرى. ويعني هذا أن الضمائر تبهت الشخصيات، وتهمشها دلاليا ومقصديا ، على عكس
اسم العلم الذي يرفعها شأنا وقيمة وشأوا وهوية.
وهنا، لابد من الإشارة إلى علاقة الضمير بالرؤية السردية أو المنظور
السردي. وفي هذا الإطار، يقول فليب هامون :" وقد يكون مفيدا، من جهة أخرى،
دراسة توزع سمة الشخصية وفق زاوية الرؤية أو التصويغ التي يسلطها السارد على
الشخصية."[19]
وإذا كانت الرواية الكلاسيكية والرومانسية والواقعية تكثر من ضمائر
الغياب والرؤية من الخلف، فإن الرواية المنولوجية أو النفسية أو الرواية الجديدة
تستعمل كثيرا ضمير المتكلم والرؤية " مع" أو الرؤية من الداخل. في حين، نجد الرواية
التجريبية تستعمل ضمير المخاطب من البداية حتى النهاية، فتستعمل إما الرؤية من
الخلف وإما الرؤية من الخارج .
علاوة على ذلك، تخضع أسماء الأعلام،
اسما وكنية ولقبا، لخاصية التضمين والإيحاء والترميز والانزياح. ويعني هذا
أن كثيرا من الأسماء العلمية تخرج عن بعدها التقريري التعييني إلى بعدها المجازي
الاستعاري الإيحائي. أي: إن أسماء العلم تتخطى المرجعية الواقعية، وتتلبس أدوارا
بلاغية وفنية وجمالية قائمة على التشبيه والكناية والمجاز والاستعارة والترميز
والأسطرة. ومن ثم، فاسم العلم خاضع كذلك لمنطق التشخيص البلاغي والتصوير المجازي
والصفات الوصفية . وكما قال كلود ليفي شتراوس: إن اسم العلم" يشكل بالنسبة
للفكر الأهلي استعارة للشخص"[20]،
أو كما قال رولان بارت بأن اسم العلم:" إيحاءاته غنية، إنها اجتماعية
ورمزية"[21].
هذا، ويتشكل مدلول الشخصية، في الخطاب الروائي، برصد الصور الغرضية،
وتبيان السمات المعجمية والمقومات التشاكلية، وتصنيف الشخصيات حسب عدة محاور
دلالية، وعبر معايير كمية ونوعية. ويعني هذا أن النص الروائي يحمل في طياته حقولا معجمية،
وتيمات دلالية محورية ، وسياقات دلالية تتحكم في البنية العميقة للنص، وتشكل معناه
من خلال استخلاص المعاجم القاموسية، ومختلف الصور الدلالية، ورصد المقومات والسمات
الدلالية المشتركة أو المختلفة.
وتصنف الشخصيات الروائية
- حسب منظور فليب هامون- ضمن جداول
ومحاور دلالية تصنيفية، وتتحدد هذه
المحاور في مايلي:
* محور الجنس.
* محور الأصل الجغرافي.
* محور الأيديولوجيا.
* محور الثروة.
كما تتحد الشخصيات بواسطة
وظائفها وأدوارها. كما يتضح ذلك في جدول الوظائف، وتتبين الشخصيات من خلال أفعالها
وتصرفاتها، بل يمكن التمييز بين الشخصيات الرئيسية والشخصيات الثانوية اعتمادا على
معيار كمية الوظائف والأفعال. ولابد من مراعاة التراتبية الهرمية في هذين
التصنيفين : الوصفي والوظائفي بالاعتماد على خاصيات: التدريج، والتعارض، والمقاييس
الكمية والنوعية، مع التمييز الضروري بين الكينونة والفعل لدى الشخصية الروائية،
بين توصيف ووظيفة، بين إيضاحات قصصية
وإيضاحات وصفية [22].
وإذا انتقلنا إلى طرائق تقديم الشخصية، فالشخصية تقدم من خلال صيغ
متعددة، فيكون ذلك عبر المؤلف بنحو غير مباشرة، أو عبر الوصف والتقديم الذاتي( Auto- description)، أو عبر الآخرين، أو
بواسطة الوظائف والأدوار المنجزة. ويتم تعريف الشخصية حسب فيليب هامون بواسطة
مقياسين:
- المقياس الكمي: وينظر إلى كمية المعلومات
المتواترة المعطاة صراحة حول الشخصية. أي: تواتر معلومة تتعلق بشخصية مرصودة
بشكل صريح داخل النص.
- المقياس النوعي: أي:
مصدر تلك المعلومات حول الشخصية، هل تقدمها الشخصية عن نفسها مباشرة أو
بطريقة غير مباشرة عن طريق التعليقات التي تسوقها الشخصيات الأخرى أو المؤلف، أو
فيما إذا كان الأمر يتعلق بمعلومات ضمنية يمكن أن نستخلصها من سلوك الشخصية
وأفعالها. ويعني هذا أنه ضمن هذا المعيار سنتساءل: هل هذه المعلومة المتعلقة
بكينونة الشخصيات معطاة بطريقة مباشرة من طرف الشخصية نفسها، أو بطريقة غير
مباشرة، من خلال تعاليق شخصيات أخرى أو من طرف المؤلف، أم أن الأمر يتعلق بمعلومة
ضمنية تم الحصول عليها من خلال فعل الشخصية ونشاطها.[23]
وقد طرح فليب هامون جدولا
لمعرفة تردد الشخصيات على مستوى الكمي والكيفي، كما يبدو ذلك جليا في هذا المخطط
لمعرفة خاصيات: التراكم والتواتر والتكرار:
تشير رموز (ج- د-هـ - و) إلى التواتر والوظيفية، بينما رموز ( أ- ب)
إلى المواصفة والوحدانية والاحتمال.
ومن هنا، ينبني مدلول الشخصية في الحقيقة بفعل التكرار، والتراكم،
والتحول، وبفعل التعارض مع أشخاص آخرين.[24]
وينبني المستوى السيميائي لأفعال الشخصيات، داخل المتن الروائي، على
رصد مجموعة من الوظائف السردية، وتحديد البنية العاملة، والمرور إلى المربع
السيميائي عبر المسار المعجمي أو الدلالي. ويعني هذا أن الشخصية عند فيليب هامون" تعد علامة مورفيم فارغ إلى أن تملأ
وتحشو بدلالات سياقية نصية . إن هذا التحديد يستدعي ـ في رأيه ـ مقولة" مستويات
الوصف". فالشخصيات تربطها بالشخصيات الأخرى علاقات من مستويين: من مستوى
أعلى (وحدات قد تكون أكثر عمقا أو تجريدًا ). مع أخرى من مستوى أدنى (الصفات
المميزة المكونة للعلامة).
وقد اقترح فليب هامون ثلاثة نماذج للتحليل. نموذج "بروب"،
ونموذج "سوريو"، ونموذج "غريماص"، وأوضح من خلالها أن التحليل
سيحاول إقامة نموذج عاملي منظم لكل مقطع سردي. وهنا لابد
من التوضيح أن الباحث يمكن له أن يعتمد على نموذج كريماص من فينة إلى أخرى ، مع العلم أن كريماص ينظر إلى الشخصية منظورا
نحويا سيميائيا، فقد تكون الشخصية عنده شخصا أو شيئا أو حيوانا أو مكانا أو فكرة
مجردة...
وتتكون البنية البنية العاملية عند كريماص من ستة
عوامل رئيسية هي: المرسل والمرسل إليه على
مستوى التواصل، و الذات والموضوع على مستوى الرغبة، و المساعد والمعاكس على مستوى
الصراع. ويمكن أن يكون المرسل شخصا أو جمادا أو حيوانا أو فكرة مجردة. ومن ثم،
ينبغي التعامل مع العامل سيميائيا من خلال منطق نحوي أصولي، يتكون من مسند وفاعل
ومفعول به. أي: من وظيفة وذات وموضوع.
ولتحديد الشخصية الرئيسية أو المحورية أو الشخصية البطلة، لابد من
تحديد مفهوم البطل، ورصد مجموعة من الثوابت البنيوية التي تميز البطل عن باقي
الشخصيات الأخرى، عن طريق أربعة أنواع من
التوصيفات الأساسية:
uالتوصيف التفاضلي؛
vالتوزيع التفاضلي؛
w الاستقلال التفاضلي؛
xالوظيفة الاختلافية أو
التفاضلية.
وبناء على ماسبق، يرى فيليب هامون أن البطل يثير مشكلة كبيرة وعويصة
في مجال الأدب والنقد واللسانيات والسيميائيات؛ نظرا لتداخل مجموعة من المفاهيم مع
البطل، كالشخصية المحورية، والبطل الزائف. وفي هذا الصدد، يقول هامون:" إن
الأخذ بعين الاعتبار للعبة وعملية ظهور القواعد الجمالية والإيديولوجية في نص سردي
ما يسمح بتطويق مشكلة البطل. وقليلة هي المفاهيم التي يكتنفها الغموض وقلة
التحديد، وتلك حالة مصطلحي البطل والشخصية اللذين يستعملان عادة دونما تمييز
بينهما. من هو بطل الحكاية؟ هل يمكننا الحديث عن البطل في حالة ملفوظ غير أدبي؟ ما
هي المعايير التي نعتمدها في التمييز بين البطل والخائن أو البطل المزيف(بروب)، أو
التمييز بين الشخصيات الشريرة، فكيف نميز بين السعادة والتعاسة، كيف نميز بين
الفشل والانتصار، والأساسي عن الثانوي، كيف نميز بين الهبة الإيجابية والهبة
السلبية؟ إن سيميولوجيا (وظيفية ومحايثة لموضوعها) أو منطق للشخصيات، قد لا تهتم
بهذا المشكل وتحيله على :
1- سوسيولوجيا أو علم القيم (مشكلة استثمار القيم الإيديولوجية داخل
ملفوظ ما هي مشكلة تتعلق - إذاً- بتلقي النص وبتحديد هوية وإسقاطات القارئ. إنها
إذا متغيرات تاريخية وثقافية...
2- أسلوبية (تحيلنا هذه الفعالية على أساليب سطحية لا تدخل إلى
اللعبة، البنية العاملية العميقة للملفوظ).
وبالفعل، فإن الأمر يتعلق بمغالاة وتصويغ للملفوظ بعوامل خاصة تركز
على هذه الشخصية أو تلك بواسطة أساليب مختلفة."[25]
ومن المعلوم أن السيميائيات، سواء أكانت عند كريماص أم عند فيليب هامون، تشغل مفهوم البطل والبطل
المضاد، فالبطل هو الذي يحصل على موضوعه المرغوب فيه، عبر مجموعة من الوضعيات
الصعبة. ومن هنا، يستحق تمجيد المرسل ، بعد إنجازه لكل توصيات المحفز الآمر وتعليماته. أما البطل
المضاد أو المعاكس، فهو بطل خائن وشرير يعاكس توجهات البطل الإيجابي، بعرقلة
مسيرته الوظائفية، وذلك كله من أجل إبعاده عن الموضوع المرغوب فيه.
وتمتاز هذه الشخصية الخارقة بمقياس تفاضلي زائد، حيث يتعاطف معه
القارئ أو المتلقي الذي يشترك معه في مجموعة من القيم والأفكار والإيديولوجيات؛
لأن البطل يمتلك مؤهلات قوية ونادرة جدا، تؤهله للوصول إلى الموضوع – القيمة. ومن
ثم، ينجح في اجتياز اختبارات عدة بكل نجاح، سواء أكان اختبارا تأهيليا أم إنجازيا
أم تقويميا.
ومن هنا، " فالبطل شخص كالآخرين، مع إضافة واحدة، ظاهرة مغالاة،
وتبئير بالنسبة للأشخاص الآخرين، تطرح مشكلة البطل مشكلة درجة."[26]
وتتحدد الشخصية المحورية أو البطل بمجموعة
من الأوصاف التفاضلية أو الاختلافية، ككثرة الأوصاف، واستعمال المقياس التفاضلي،
وتشغيل معايير التشاكل والتقابل، بتفضيل الشخصية المحورية مقارنة بالشخصيات الأخرى
المساعدة أو المعاكسة تقابلا واختلافا .
ويحدد فليب هامون مجموعة من المواصفات الاختلافية التي تميز البطل أو الشخصية
الرئيسية عن باقي الشخصيات الأخرى، من خلال توزيع مجموعة من القيم الخلافية التي
تحدد بطولة الشخصية الرئيسية (البطل)، من مقابلها من الشخصيات الأخرى المساعدة أو
المعاكسة[27].
ويعني هذا أن " لكل الشخصيات عددا من المواصفات. هذا التوصيف، بالنسبة للبطل،
موسوم بالمغالاة. أضف إلى ذلك أن تكرارا في المواصفات يتيح الدلالة على محور
المعنى ( أو محاور) لدى الشخصية: جمال، غنى، التزام، الخ..." . [28]
وإليكم جدولا تمثيليا لمواصفات البطل
الروائي أو ما يسمى بالتوصيف التفاضلي للبطل مقارنة بالشخصيات الأخرى:
البطل أو الشخصية الرئيسية الشخصيات
الأخرى
- مشخص وتصويري
- يحصل على علامة بعد
مغامرة(جرح مثلا).
- نسب أو سوابق معبر
عنها
- ملقب- مكنى- مسمى
- موصوف جسديا
- له أوصاف كثيرة
ومحفز سيكولوجيا
- مشارك وسارد للقصة
- له علاقة غرامية مع
شخصية نسائية هامة(البطلة)
- لازمة
- مهذار
- جميل-
- غني
- قوي
- شاب
- نبيل
- ظهور في اللحظات
الحاسمة للحكاية(بداية/نهاية/ تجارب أساسية/ تعاقد بدئي).
- ظهور مستمر
- استقلالية الشخصية
وتفردها - لامشخص ولا تصويري
- لايحصل على علامة.
- لا وجود لنسب،
وسوابق لا معبر عنها.
- مجهول.
- غير موصوف جسديا.
- غير محفز سيكولوجيا.
- مشارك بسيط في القصة
- ليست له علاقة
غرامية محددة.
- بدون لازمة.
- أبكم.
- قبيح.
- فقير.
- ضعيف
- شيخ.
- عامي.
- ظهور في لحظات غير
هامة (انتقال- وصف) أو في أماكن غير موسومة.
- ظهور وحيد أو على
فترات مرفقة بشخصيات أخرى.
- انعدام الاستقلالية
أما التوزيع التفاضلي المتعلق بالشخصية الروائية، فيقصد به تقدير
لحظات ظهور الشخصية بصورة أكثر ترددا وتواترا في اللحظات المميزة في القصة [29].
ويتعلق الأمر - هنا - ، حسب فليب هامون، بنمط تركيزي كمي وتكنيكي يقوم أساسا على
ظهور في اللحظات الحاسمة للحكاية، سواء أكان ذلك في البداية أم النهاية، أو حضور
في المقاطع الحكائية عبر سرد تجارب أساسية، أو حضور مبني على تعاقد بدئي. كما
يتم الإشارة إلى الظهور المستمر للبطل.
بينما الشخصيات الأخرى تظهر في اللحظات غير الهامة، واصفا انتقالها بين أماكن غير موسومة، كما أن
حضورها باهت أو على فترات متقطعة.
وتتميز الشخصية المحورية أو الشخصية البطلة ، عن باقي الشخصيات
الأخرى المساعدة أو العرضية أو المقابلة أو المعاكسة، بخاصية الاستقلالية
الاختلافية والتفرد والتميز الفضائي والمكاني ، حيث يمكن أن يظهر البطل لوحده أو
منضما إلى أحد الأشخاص الثانويين. ويعني هذا أن"هناك شخصيات لا تدخل إلى
الخشبة النصية إلا مرفقة بشخصية أو شخصيات أخرى، أي في مجموعات ثابتة: شخصية
تستدعي أخرى(ش1- ش 3 ، وش2- ش1). في حين، لا يظهر البطل إلا منفردا أو مع أية
شخصية أخرى. وتتم الإشارة إلى هذه الاستقلالية وهذه القدرة الترابطية من خلال كون
البطل يمتاز، في الوقت نفسه، بالحوار الداخلي وبالحوار. في حين، لا تمتاز الشخصية
الثانوية إلا بالحوار (كما هو الشأن مع المسرح الكلاسيكي). كما يمتاز البطل بقدرة
التنقل في الفضاء. أي: بحركة مكانية غير مرتبطة بمكان محدد سلفا.
كذلك، قد يكون ظهور الشخصية محكوما بإشارة مكانية، أو ساحة محددة،
متوقعة ومفترضة منطقيا بظهور جزء سردي داخل متوالية وظيفية موجهة ومنتظمة. وقد
لاحظ ذلك بروب " أن الراوي، في بعض الحالات، لا يملك حرية اختيار بعض
الشخصيات حسب مواصفاتها، لهذا يكون في حاجة إلى وظيفة ".[30]
وعليه، يقوم الاستقلال التفاضلي على وحدانية البطل، وتميزه وظائفيا،
وانتقاله في الزمان والمكان بكل حرية، ويمكن أن ترتبط به بعض الشخصيات الثانوية
حاجة وإعجابا، ويعتمد، في تواصله، على الحوار والمناجاة. ولا يمكن دراسة البطل إلا
بالإحالة على كلية العمل السردي الروائي. ومن ثم، يتحدد البطل بالتعارض مع
الشخصيات الأخرى المقابلة أو المساعدة أو الثانوية.
وهكذا، فالشخصية المحورية شخصية واسطة تحل المتناقضات، وتواجه
العوائق، وتتشكل من خلال فعل، وهي دائما في علاقة مع معيق، وتنتصر على الشخصيات
المعاكسة والسالبة. كما أنها ذات واقعية ومحققة، وتتلقى معلومات وأخبارا(معرفة) ،
وتحصل على مساعدين(القدرة) ، وتمتلك مؤهلات تتعلق بالقدرة والمعرفة والإرادة
والواجب، وتشارك في مجموعة من التعاقدات(العقد البدئي) للحصول على موضوع القيمة في
النهاية، وتلغي كل نقص بدئي.
أما الشخصية المقابلة، فهي لا تقوم بدور الوسيط. ومن ثم، تتشكل من
خلال قول شخصية مشار إليها أو من خلال كينونة ( شخصيات موصوفة فقط)، وتنهزم أمام
المعيق، ولا تشكل ذاتا محققة ومحينة، ولا
تتلقى أخبارا، ولا تحصل على مساعدين، ولا تشارك في عقد بدئي، ولا تملك رغبة في
الفعل، ولا تلغي النقص البدئي.[31]
وعليه، فقد يكون مفهوم البطل عند بروب بطلا باحثا أو بطلا ضحية. أي:
إنه كان يتعامل مع البطل من مفهوم عاملي. بيد أن فليب هامون يصرح أن البطل"
ليس مرتبطا بمقولة العامل أكثر من ارتباطه بمقولة أخرى(معيق، مستفيد، مرسل،
الخ...). فإذا عدنا إلى روايات الفشل في القرن التاسع عشر مثلا، نجد أن شخصية ما
قد لا تستطيع أبدا أن تتشكل كذات واقعية، ولكنها على الرغم من ذلك تعد بطلا".[32]
علاوة على ذلك، فشخصية" ما يمكنها أن تكون بطلا دائما، أو على
فترات، كما يمكنها أن تجمع بين مجموعة كبيرة من التحديدات العاملية( البطل مثلا قد
يكون: ذات + مستفيد)، ولا تقوم إلا بدور عاملي واحد، كما يمكن أن تقوم بأدوار
مختلفة، ولكن بشكل تناوبي (أحيانا ذات وأحيانا موضوع)."[33]
تلكم هي- إذاً- نظرة موجزة
ومقتضبة إلى كيفية الاشتغال سيميائيا مع الشخصية الروائية في ضوء تصورات فليب
هامون، واقتراحات السيميائية الكريماصية . والغرض من ذلك كله هو تقديم تحليل وصفي
موضوعي.
وقد استنتجنا أن فليب هامون يتعامل مع الشخصية كعلامة لها دال
ومدلول، ويصنفها إلى شخصيات مرجعية، وشخصيات واصلة ، وشخصيات تكرارية.
ومن حيث الدال، يتعامل فليب هامون مع الشخصية، من خلال مكوناتها
وأبعادها الوصفية الداخلية والخارجية، مع التركيز على اسم العلم، والضمير،
والتشخيص البلاغي. ومن حيث المدلول، يتحدث عن السمات المعجمية، ومقومات الشخصية،
والمحاور الدلالية، ومعايير تقديم الشخصية. ويمكن الانفتاح سيميائيا عن الوظائف السردية، والأدوار الغرضية
، والمربع السيميائي، والبنية العاملية.
هذا، وقد تحدث فيليب هامون عن مشكلة تحديد مفهوم البطل والشخصية، من
خلال مجموعة من المقاييس والمعايير، مثل: التوصيف التفاضلي، والتوزيع التفاضلي، والاستقلال التفاضلي، والوظيفة الاختلافية أو التفاضلية.
مواضيع ذات صلة
وجية الشخصية عند فيليب هامون
تحميل كتاب سيميولوجية الشخصيات الروائية
سيميولوجية الشخصيات السردية
في الوصفي فيليب هامون
فيليب هامون ويكيبيديا
بناء الشخصية في الرواية
مفهوم الشخصية الروائية
تحميل كتاب في الوصفي فيليب هامون
طرق تقديم الشخصية الروائية
[5] - جورج لوكاش: نظرية الرواية، منشورات التل، ترجمة:
الحسين سحبان، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1988م.
[17] - فليب هامون: نفسه، ص:53، الهامش.
[18] - أيان وات: ظهور
الرواية الإنجليزية، ترجمة: يوسف يوئيل، الموسوعة الصغيرة، العراق،
العدد:78، السنة:1980، ص:18.
[19] - فليب هامون:نفسه، ص:52.
[20] - فليب هامون:نفسه، الهامش،
ص:53.
[21] - انظر: فليب هامون:نفسه، الهامش، ص:53.
[22] - دليلة مرسلي وأخريات: مدخل إلى التحليل البنيوي للنصوص،
دار الحداثة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 1985م، ص:102.
[23] - فليب هامون: نفسه، ص:37.
[24] - دليلة مرسلي وأخريات: مدخل إلى التحليل البنيوي للنصوص،
ص:102.
[25] - فليب هامون:نفسه، ص:58-59.
[26] - دليلة مرسلي وأخريات: نفسه، ص:105.
[28] - دليلة مرسلي وأخريات: نفسه، ص:105.
[29] - دليلة مرسلي وأخريات: نفسه،ص:106.
Post a Comment