المناهج العلمية الفرعية
هناك
من يعتبر هذه المناهج مجرد أدوات بحث لأنها لا ترقى إلى درجة المنهج العلمي، فالمنهج هو ما يضبط طريقة تفكير الباحث، بينما أدوات البحث هي التي يستعملها الباحث في تنفيذ المنهج الذي يسير عليه في بحثه فهو يستعمل المقارنة بين المجموعة التجريبية والمجموعة الضابطة في المنهج التجريبي ويستعمل الإحصاء لتنفيذ التجارب في المنهج التجريبي، وكذلك يستعمل المقارنة والإحصاء في البحوث التي تعتمد المنهج التاريخي، ولهذا اعتبرت
المناهج الفرعية مجرد أدوات تدخل ضمن منهج من المناهج الأساسية.
وبالمقابل
هناك من يعتبرها مناهج علمية مستقلة، وذلك نظرا لإمكانية قيامها ببحوث خاصة ووفائها بالغرض المطلوب. ومن بين أهم تلك المناهج المنهج الوصفي والمنهج الإحصائي، ومنهج التعليق على النصوص والقرارات القضائية وإعداد استشارة قانونية.
أولا:
المنهج
الوصفي
ودوره
في
الدراسات
القانونية.
هناك نوع من البحوث يركز فيها الباحث على وصف ظاهرة معينة ماثلة في الوقت الراهن فيقوم بتحليل تلك الظاهرة والعوامل المؤثرة فيها ويتعدى البحث الوصفي مجرد الوصف إلى التحليل البيانات واستخراج الاستنتاجات ذات الدلالة والمغزى بالنسبة لمشكلة البحث.
ويعتمد
المنهج الوصفي على مناهج فرعية أو طرق بحث تتمثل في المنهج المسحي ومنهج دراسة الحالة والمنهج المقارن.
1(
المنهج
المسحي.
عرفه
(هويتني) بأنه محاولة منظمة لتحليل وتأويل الوضع الراهن لنظام اجتماعي أو لجماعة، وعرفه (مورس) بأنه منهج لتحليل ودراسة موقف أو مشكلة وذلك بإتباع طريقة علمية منظمة ويكون المسح دوما لدراسة موضوع ما في الحاضر وذلك بجمع البيانات وتفسيرها ثم تعميم النتائج بهدف التطبيق العلمي.
ويمر
البحث المسحي بالمراحل التالية: مرحلة تعريف البيئة وبيان حدودها ومرحلة الوصف الدقيق ومرحلة التحليل وإيجاد العلاقة السببية بين العوامل المختلفة. وهناك عدة أنواع من البحوث المسحية منها المسوح الوصفية والمسوح التفسيرية، والمسوح الشاملة والمسوح بالعينة، وهناك المسوح العامة والمسوح المتخصصة.
أما
بالنسبة لاستخدام المنهج المسحي في العلوم القانونية فإن أول من استخدمه هو (جون هوارد) John Howard حيث قام بمسح اجتماعي للوقوف على حالة المسجونين وبدأ بجمع الحقائق والأرقام عن السجن والمسجونين وأحصى السجون وقدم نتائج بحثه في مجلس العموم البريطاني وصدرت تشريعات مختلفة ترمي لإصلاح حالة المسجونين والسجون في إنجلترا.
2(
منهج
دراسة
الحالة.
إدا
كانت الدراسة المسحية تدرس الظاهرة أفقيا فإن دراسة الحلة تتناول الموضوع عموديا، وهي تتبع الخطوات التالية: تصميم العينة من خلال تحديد الحالة المراد دراستها ثم مرحلة دراسة العينة وتتم عن طريق دراسة التاريخ الشخصي للحالة وتاريخ الحالة، ويجري دراسة التاريخ الشخصي للحالة للوقوف عند كل الحوادث التي مرت بالمبحوث من وجهة نظره ويتم ذلك بالإطلاع على المذكرات الشخصية التي كتبها بنفسه، أما تاريخ الحالة ويحصل على المعلومات من المحيط الذي تعيش فيه الحالة كالأسرة والمدرسة ومكان العمل.
أما
الإجراءات المتبعة في دراسة الحالة فهي: المقابلة الشخصية، الملاحظة المتعمقة، دراسة الوثائق والسجلات المكتوبة، وتسجيل معلومات دراسة الحالة.
ويجري
تطبيق منهج دراسة حالة في مجال العلوم القانونية على وجه الخصوص في العلوم الجنائية، فمثلا لمعرفة الدوافع الإجرامية يتوجب على الباحث التعمق في دراسة الحالة من أجل بناء نظريات جديدة تفسر السلوك الإجرامي.
3(: المنهج المقارن.
يعتمد
هذا المنهج على نتائج تم تحقيقها سابقا عن طريق مناهج بحث أخرى من أجل اختصار الوقت التي تتطلبه إعادة الدراسات من جديد، ومن بين الشروط الواجب التقيد بها عند تطبيق هذا المنهج هي: أن تكون الظواهر والأنظمة المقارنة متجانسة ويجب عزل المتغيرات.
تكاد
الدراسات القانونية لا تخلو من المقارنة، وذلك لأن النظام القانوني لا يمكن اكتشاف ما يكتنفه من نقص أو فراغ أو عدم انسجام إلا بمقارنته بنظم قانونية لدول أخرى، وتكاد تكون أغلب الرسائل الجامعية في العلوم القانونية دراسات مقارنة.
ثانيا:
المنهج
الإحصائي
ودوره
في
الدراسات
القانونية.
حاول
الكثير من المفكرين أن يجعلوا من المنهج الإحصائي علما له قواعد وقوانين وحاول البعض أن يجعله علما تابعا للعلوم التجريبية أما التفكير الحديث فقد جعل الإحصاء أداة للقياس ومنهجا للبحث يقدم للباحث البيانات اللازمة للوصف والمقارنة من أجل إقامة النظريات.
ويعتمد
المنهج الإحصائي على الملاحظة وجمع البيانات ومقارنتها وتفسيرها ومن مميزات المنهج الإحصائي أنه يعتبر وسيلة جيدة للتجرد من الذاتية إذ ة تعكس النتائج الحقيقة العلمية بطريقة موضوعية، كما يتميز بتوافق النتائج التي يتوصل لها الباحثون رغم تعددهم إذا كانت الوقائع متجانسة ومتماثلة، ويتميز بأن نتائج البحث تكون في صورة كمية تعبر تعبيرا دقيقا عن الظاهرة، النتائج الكمية التي تفسر الظاهرة تسمح لنا بالتنبؤ الجيد بتطور الظاهرة مستقبلا، كما أسهم في حل العديد من المشكلات مثل الكثافة السكانية وتنامي ظاهرة الطلاق والتسرب المدرسي وغيرها.
أما
المراحل التي يمر بها البحث الإحصائي فهي:
ـ
تحديد المشكلة موضوع البحث.
ـ
جمع البيانات الإحصائية من المجتمع.
ـ
ترجمة البيانات في شكل جداول ومنحنيات بيانية.
ـ
تصنيف البيانات.
ـ
تحليل البيانات.
ـ
استخلاص النتائج القابلة للتعميم.
أما
عن دور هذا المنهج في مجال الدراسات القانونية فيظهر ذلك جليا في ما يوفره للباحث من أدوات رياضية يستطيع من خلالها ترجمة العبارات الفضفاضة مثل ( كثيرا، في غالب الأحيان ، وقلما) وتحويلها إلى أرقام دقيقة تعكس نتائج البحث وتضفي عليه طابع الدقة والعلمية.
ثالثا:
منهج
التعليق
على
النصوص
والقرارات
وإعداد
استشارة
قانونية.
سنتناول
في هذا المطلب منهج التعليق على النصوص الفقهية والنصوص القانونية في الفرع الأول، وفي الفرع الثاني نتناول العليق على القرارات القضائية والفرع الثالث نخصصه لإعداد استشارة قانونية.
1(
منهج
التعليق
على
النصوص.
سنتعرض خلال هذا
العنصر إلى مسألة التعليق على النصوص الفقهية وكذا النصوص القانونية:
أ) التعليق على نص فقهي.
ويمر
بالمراحل التالية:
ـ
تحديد موقع النص من خلال بعض المعلومات الخاصة بملابسات النص كي تساعدنا على فهمه ومن هذه المعلومات تاريخ صدوره، الظروف التي صدر فيها، المعلومات الخاصة بالكاتب، أهمية الموضوع، شكل النص الخارجي وأسلوبه.
ـ
التحليل الشكلي للنص وهنا نهتم بالوصف الخارجي للنص من حيث طول وقصر النص وعدد الفقرات التي احتواها، البناء اللغوي للنص وأسلوبه.
ـ
التحليل الموضوعي للنص، وهو استخراج الأفكار الجوهرية التي احتواها النص.
ـ
طرح إشكالية الموضوع، وهنا قد يكفي أن تطرح أسئلة محددة حول الموضوع المناقش.
ـ
وضع خطة للتعليق، بعد البحث في المسائل السابقة يمكن وضعها في المقدمة والدخول في الموضوع بعدها وخطة التعليق يمكن وضعها بناءا على النص محل التعليق، فيمكن أن تقسم إلى مباحث ومطالب بحسب الموضوع.
ب) التعليق على نص قانوني: هناك عدة طرق للتعليق على النص القانوني كلها تعتمد على خطة منظمة حتى ترتب الأفكار في شكل منهجي يسمح بالإلمام بالنص القانوني، ومن بين تلك الطرق هذه الطريقة:
ـــ
مقدمة تشمل التعرف على النص، موقعه وظروف صدوره
ـ
الموضوع ويشمل تحليل النص شكليا وموضوعيا والإلمام بالمعنى الإجمالي للنص.ونقد النص من خلال ذكر العيوب والمميزات.
ـــ
خاتمة توضع فيها النتائج المتحصل عليها.
2(
منهج
التعليق
على
الحكم والقرار
القضائي.
هناك
عدة مناهج للتعليق على الأحكام والقرارات القضائية ومن بينها :
منهج
يحتوي على ثلاث مراحل:
ــ
مقدمة تتضمن التعريف بالحكم وتاريخ صدوره والجهة التي أصدرته.
ــ
الموضوع ويتضمن تحليل الحكم من الناحية الشكلية والموضوعية.
ــ
الخاتمة وتحتوي على تقييم الحكم أو القرار.
أما
المنهج الذي يفرق بين الحكم والقرار القضائي فيكون على النحو التالي:
التعليق
على الحكم القضائي يتبع المراحل التالية:
ــ
سرد الوقائع وفق التسلسل الزمني.
ــ
الإدعاءات ويذكر طلبات المدعي ودفوع المدعى عليه.
ــ
المسائل القانونية.
ــ
المبادئ القانونية.
ــ
الحل الذي قدمته المحكمة الابتدائية.
ــ
مناقشة هذا الحل وتكون من خلال مراجعة تطبيق المبادئ على الوقائع.
التعليق
على قرار المجلس ويكون بنفس الخطوات ويهتم بالوقائع بشكل مفصل.
التعليق
على قرار المحكمة العليا يتبع الخطوات التالية:
ــ
عرض القرار( الأطراف، سبب الطعن، الإشكالية، الحل الذي قدمته المحكمة العليا)
ــ
مناقشة القرار ( نقد القرار من خلال ذكر النصوص التي تتعارض مع القرار وذكر الآراء الفقهية والاجتهادات التي تعارضه، تأييد القرار من خلال ذكر النصوص والآراء و الاجتهادات التي تؤيد القرار، والحل المقترح ويكون إما بالتأييد أو المعارضة للفرار الصادر.
3(
منهج
إعداد
استشارة
قانونية: بعد البحث والتحضير للاستشارة يتم تقسيمها كما يلي:
ــ
الوقائع: يجب ذكر الوقائع كاملة دون إضافة أو تعليق ولا يجوز الحكم عليها مسبقا بل يجب ذكرها كما وردت في نص الاستشارة، ويتم استبعاد الوقائع التي لا تنتج أثرا قانونيا.
ــ
الإجراءات: وتذكر كما وردت في نص الاستشارة حسب التسلسل الزمني لحدوثها.
ــ
المسائل القانونية: وتطرح في شكل أسئلة ويجب تجزئة الأسئلة فلا تطرح في شكل عام بل تجزأ إلى أسئلة فرعية حتى يمكن الإجابة عنها بصورة مرتبة.
ــ
الحل: وهو الإجابة على كل سؤال على حدى بحيث يذكر النص القانوني ويطبق على الواقعة.
إرسال تعليق