نشر المعرفة في الوطن العربي:
تعتري عملية نشر المعرفة في الوطن
العربي في مختلف مجالاتها الإنشائية والتعليم والإعلام والترجمة صعوبات عديدة من
أهمها ما يمكن ذكره فيما يلي :
- في مجال الترجمة: تشهد البلدان العربية حالياً حالة من الركود و الفوضى، فأرقام الترجمة هزيلة للغاية، فالدول العربية تترجم ما يقرب 330 كتاباً، وهو خمس ما تترجمه اليونان وإجمالي التراكمي للكتب المترجمة منذ عصر المأمون حتى الآن يبلغ 10000 وهو ما يعادل تقريبا ما تترجمه اسبانيا في عام واحد .
- فيما يخص الإعلام: الذي يُعتبر من أهم آليات نشر المعرفة وأحد الدعامات الأساسية للمجتمع المعاصر القائم على المعرفة، ومصدر جيد للإنتاج وصناعة القيم والرموز والذوق، إذ لا يزال الإعلام العربي ووسائله وبنيته التحتية ومضمونه يعاني من ضعف، مما يجعله دون مستوى رفع تحدي التحول نحو تبني اقتصاد المعرفة.
- قطاع الأعمال العربي وتوظيف المعلوماتية: قامت بعض البنوك المركزية العربية بوضع أسس تشغيل البنوك وفق النظم الالكترونية والدفع عبر الهاتف، وتُقدم السعودية والإمارات ولبنان والأردن أمثلة جديدة من حيث وجود العديد من البنوك لديها التي تمتلك خدمات عبر الهاتف، بداية من التسهيلات البنكية البسيطة إلى الدفع عن بعد، وتقدم البنوك اللبنانية خدمات لتسهيل وضمان إجراءات التجارة الكترونية...
- انتشار الانترنت: حيث شهدت عدة دول عربية إنشاء ما يسمى بوادي التكنولوجيا، كما هو الحال في مصر وسوريا، وبالنظر إلى التطور الذي قطعته دولة الإمارات من خلال إقامتها لمدينة الشبكة الدولية للمعلومات وسعيها إلى رفع استخدام الشبكة الالكترونية، حيث تخطط لبنان لبناء مدينة انترنت شبه بمدينة دبي، وعلى نفس النسق، حدد الأردن فمن أهدافه رفع نسبة مستخدمي الشبكة الدولية للمعلومات لديه إلى 80% مع حلول عام 2020. [[1]]
E الإنتاج العلمي والتطوير الثقافي في الوطن العربي:
بالرغم من قدم الاهتمام العربي بالعلوم والبحوث،
فإن الحالة العربية الراهنة تحتاج إلى وقفة متأنية للتحليل والدراسة من أجل استخلاص العبر والعظات
للمستقبل. فمصر قد بدأت هذا الاهتمام منذ 1939 حينما أنشئت مركز فؤاد الأول للبحوث
الذي صار فيما بعد المركز القومي للبحوث عام 1954، وبعدها تأسست عدة مراكز ومعاهد
بحثية وعلمية في دول عربية أخرى كالمغرب وتونس والعراق والجزائر وسوريا...
وتؤكد المؤشرات الخاصة بعدد
براءات الاختراع للبلدان العربية ضعف نشاط البحث والتطوير وتخلفه عن الدول
المتقدمة وبعض الدول النامية، ويكفي أن نذكر في هذا المقام على سبيل المثال
والمقارنة المحزنة أن إسرائيل تتفوق على الدول العربية مجتمعة في عدد براءات
الاختراع مسجلة 16805 براءات مقابل
836 للعرب.
وفي هذا السياق، وجب
الإشارة إلى مؤسسات البحث والتطوير التي تعنى بنشاطات البحث والتطوير، وتشمل على وجه الخصوص مؤسسات
التعليم والمراكز البحثية المتخصصة والمرتبطة ببعضها البعض، وفي محاولة تطوير
الطاقات العلمية: تعمل بعض الدول العربية لإيجاد منظومات ومؤسسات كفيلة بتنشيط
البحث العلمي في مجالاته المختلفة، وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى تجربة الإمارات
العربية المتحدة فهي تلتزم بإعداد قوى وطنية ماهرة، وقد أسس مركز امتياز للبحوث
التطبيقية و التدريب منذ أكثر من عقد مضى...
E نقل الثقافة وتوطينها في الوطن العربي:
يمكن القول بأن التجربة العربية في نقل
وتوطين التكنولوجيا لم تكن في المستوى المطلوب فقد عمدت هذه الدول على اقتناء
التكنولوجيا من خلال عقود لكراء وسائل إنتاج و تدريب العمالة المحلية، ومع اتساع
الفجوة الثقافية بين الدول العربية والعالم المتقدم لجأت عديد البلدان العربية إلى
تحرير الاقتصاد وتبني سياسة تشجيع الاستثمارات الأجنبية، وقد راهنت هذه الدول على
فكرة أن التبادل التجاري والانفتاح على الدول المتقدمة من شأنه أن يوجد بيئة جذب
الثقافة. ولكن الذي حدث هو أن الانفتاح لم يؤدي إلى النقل الحقيقي للتقانة ناهيك
عن توطينها، حيث أن الشركات متعددة الجنسيات قد احتفظت بأجزاء من عملية الإنتاج
ذات الكفاءة المعرفية و المهارة البشرية العالمية.
وتُعد عملية
توزيع البحث العلمي وتوطين نتائجه في التنمية من المعايير المعتمدة في مقياس مدى تحقيق
مؤسسات البحث والتطوير لأهدافها، فعملية ترويج البحث العلمي تواجه صعوبات أساسية
في غالبية البلدان العربية نذكر منها:
§
غياب النشاط الابتكاري، ومحدودية الخبرة في
مؤسسات البحث والتطوير في المجال الصناعي.
§
تدني مستوى المعرفة بالتقنيات الصناعية .
§
افتقار مراكز البحث والتطوير إلى إمكانية
تصميم و إنتاج النماذج.
5. جهود الدول العربية
للالتحاق بركب الاقتصاد المعرفي:
هناك عددٌ من المجالات التي تقود تطبيق استراتيجيات المعلوماتية
والاتصالات، ومنها مبادرات بناء التكنولوجيا، وإنشاء مؤسسات البحث والتطوير، ودرجة
الوعي بالمعلوماتية لدى حكومات العالم العربي وخططها الإستراتيجية في هذا المجال،
والملاحظة أن هناك مستويات متفاوتة من الوعي والاهتمام بالمعلوماتية والاتصالات
لدى الدول العربية، سواءً على مستوى الاستراتيجيات أو النجاح الفعلي في تنفيذها،
وفيما يلي تفصيل في بعض هذه المجالات المهمة:
E الأطر القانونية
والتشريعية للمعلوماتية: حصلت معظم الدول
العربية على العضوية في منظمة التجارة العالمية والمنظمة العالمية للملكية الفكرية،
فضلاً عن وجود قوانين داخلية لحماية الملكية الفكرية. ولهذا قامت بتعديل أطرها
القانونية والتشريعية لتتلاءم مع العلامات التجارية وحقوق الملكية الفكرية وحمايتها.
E العمل على خلق
بيئة مشجعة للبحث: أبدت الدول
العربية اهتماماً مميزاً بالمبادرات التكنولوجية رغم تدني مخصصات الموازنة للبحث
العلمي، والمؤكد أن توفير بيئة للبحث والتنمية بمساعدة الحكومات والقطاع الخاص سوف
يؤدى إلى تشجيع نشر التكنولوجيا، وخلق فرص عمل جديدة وتحسين انتقال التكنولوجيا
بين القطاعين العام والخاص، وتأكيد الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، وتنشيط دور
الجامعات والبيئة السياسية على السواء.
E تطوير الطاقة العلمية الكامنة في الدول العربية: تجاهد بعض الدول العربية لإيجاد المنظومات والمؤسسات الكفيلة بتنشيط
البحث العلمي في مجالات مختلفة، وإفساح الفرص أمام الباحثين الوطنيين للعمل
والحصول على المخصصات المناسبة، وهناك ست دول عربية تعمل على تشغيل مراكز
تكنولوجية لتطوير البحوث التكنولوجية. ففي السعودية هناك مدينة الملك عبد العزيز
للعلوم والتكنولوجيا والتي توسعت من دراسة البحوث في مجال البترول فقط لتشمل
الطاقة الذرية والفلك والجيوفيزيقا والكمبيوتر والإليكترونيات والفضاء، أما الأردن
فله خطة جديدة لكنها ذات نطاق أضيق نظراً للنقص الموجود في تمويل البحوث التطبيقية
مثلاً...
E اهتمام النخب العربية بـتكنولوجيا الاتصال والمعلومات: أصبح في العديد من الدول العربية سرعة مناسبة في الدخول إلى منافذ
الشبكة الدولية للمعلومات، وهى تتزايد مع توافر الأدوات المساعدة. وتقدم دول
الخليج مستويات مرتفعة في انتشار المعلوماتية والاتصالات، وفي سرعة النفاذ إلى
الشبكة الدولية للمعلومات مقارنة ببعض الدول الأوربية نفسها، فدولة الإمارات تملك
معدل نفاذ للإنترنت أعلى من المعدل الأوربي، ويقصد بمعدل النفاذ للإنترنت عدد
مستخدمي الشبكة الدولية للمعلومات كنسبة مئوية من السكان.
E قطاع الأعمال العربي وتوظيف المعلوماتية: قامت بعض البنوك المركزية العربية بوضع الأسس لتشغيل البنوك وفق النظم
الإلكترونية والدفع عبر الهاتف، ولكن يلاحظ وجود مستوى منخفض في معدلات انتشار
بطاقات الائتمان في مجمل المنطقة العربية.
E تطور الحكومة الإلكترونية بين الدول العربية: بالرغم من محدودية انتشار الأنشطة الإلكترونية كالتجارة الإلكترونية
والأعمال الإلكترونية والحكومة الإلكترونية التي لا تتجاوز نسبة 0.2% من مجموع المبادلات التجارية الإلكترونية العالمية، إلا أن بعض
الحكومات العربية تتحرك لتحقيق التعامل عبر استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة
وإقامة ما يطلق عليه الحكومة الإلكترونية، والتي يتم من خلالها توفير الخدمات
الإدارية وخدمة العملية التنموية بها، والتحكم في تكلفة زيادة التشغيل للأجهزة
الحكومية تحقيقاً لمزيد من الاندماج في الاقتصاد العالمي.
6. مشاكل اقتصاد المعرفة في الوطن
العربي:
لم تعد المعرفة كما كانت في السابق
قضية تأملية فكرية خالصة، فهي الآن قضية اقتصادية وسياسية واجتماعية...، وفي خضم
هذه التحولات نجد أنه من الصعب تحقيق النهضة المعرفية العربية، وذلك للأسباب
التالية:
E ركود الحركة
العلمية في عصر الانفجار العلمي:
تشير معظم المصادر إلى أن المنطقة العربية هي من بين أكثر المستويات انخفاضاً في
تمويل البحث العلمي في العالم و هذا ما أفضى إلى:
- تدهور نوعية التعليم في البلدان العربية نتيجة تدني التحصيل المعرفي وضعف القدرات التحليلية والابتكارية.
- ثمة خلل سياسي بين سوق العمل ومستوى التنمية من ناحية وبين ناتج التعليم من ناحية أخرى، مما انعكس على وضع إنتاجية العمالة، وضعف العائد الاقتصادي والاجتماعي على التعليم في البلدان العربية.
- تدني نصيب الإنفاق على البحث والتطوير حيث لا يزيد عن 0,5% من إجمالي الإنفاق العالمي و 0,2% من الناتج الإجمالي، مقارنة بنسبة 3% بالبلدان المتقدمة.
E البنية
المؤسسية لقطاع المعلومات:
بادئ ذي بدء
علينا أن نميز بين صناعتين في مجال المعلومات :
- صناعة أجهزة الحاسبات الالكترونية والاتصالات والصناعات المرتبطة بها في صورة برمجيات واسطوانات تخزين.
- وصناعة خدمات المعلومات، أي نواتج الصناعة الأولى المنقولة عبر وسائلها. وتتمثل البنية المؤسسية في الآتي:
- نحو 1200
مؤسسة تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات ومعظمها في الإمارات ثم تليها مصر بـ :
420 شركة.
- بالإضافة إلى الهيئة العربية للتصنيع في مصر بمصانعها الأربعة الكبرى
هي مؤسسة قادرة على تطوير الابتكار في مجال صناعة الالكترونيات المدنية خاصة في
مجال شاشات كمبيوتر ومعدات الحاسب الالكتروني عموماً.
- عددٌ من الوزارات المعنية بالتنمية التكنولوجية والمعلوماتية في عدة
دول عربية مثل صناعة التنمية التكنولوجية ووزارة الاتصالات والمعلومات ووزارة
التعليم العالي والبحث العلمي، ولدينا أيضا أكاديميات البحث العلمي والتكنولوجي
التي أنشأت في كثير من الدول العربية للتكوين وهي بمثابة مايسترو العمل العلمي والبحثي
والتكنولوجي وينبع لها الآن عشرات من المعاهد و المراكز العلمية.
إذاً، نحن إزاء بنية تحتية لقطاع
المعلومات العربية والتكنولوجية لا باس بها ولكنها تفتقر إلى التكامل والأهداف
المشتركة وآليات تنفيذ متفانية لتحقيق هدف استراتيجي مازال غائباً حتى الآن.
E دور الإدارة الحكومية في التنمية التكنولوجية:
تكمن نقطة الضعف الأساسية في الأداء
التنموي العربي في عجز آلياتنا وأجهزتنا الإدارية على إدارة مواردنا وإمكانياتنا
بكفاءة وفاعلية ورشادة، ويبدو عمق هذا الأثر في المجال العلمي والتكنولوجي، حيث
تغيب الرؤية الإستراتيجية المتكاملة والسياسات العلمية المنسقة وآليات التنفيذ
المتزامنة، وأخيراً كيفية نقل نتائج هذا الجهد إلى مجالات الحياة العلمية
والتطبيقية. لذا فان نقطة البداية لرسم خطة إستراتيجية للتنمية الشاملة أو
القطاعية ينبغي أن ترتكز على أربعة عناصر أساسية، وهي :
- أن تحسم الحكومات العربية بين خيارات متعددة، ولصالح خيارات التنمية البحثية والتكنولوجية كحزمة مترابطة.
- أن تحدد الدول العربية آليات دقيقة التنفيذ.
- أن تتكامل منظومات تحقيق الهدف، بما في ذلك منظومة التعليم العام العالي والتشريع والإعلام والاقتصاد والتدريب الفني والمهني ومنظومة المعلومات.
- تحديد أولويات التنفيذ.
وفي هذا السياق نحاول التركيز على
الجانب الخاص بالإدارة الحكومية ودورها في تجسيد بعض هذه الأفكار والرؤى إلى واقع
حي ملموس، ومن المرجح أن الإدارة الحكومية في الدول العربية تستطيع
أن تؤدي دورها عبر
ثلاث مستويات، وهي:
المستوى الأول: التخطيط الكلي، سواءً في صياغة الرؤية العامة أو في توزيع أدوار على
المساهمين الرئيسيين (الوزارات، المؤسسات العامة، القطاع الخاص) أو في توفير
التمويل.
المستوى الثاني: تخص الجانب التطبيقي، أي إعادة تنظيم البنية المؤسسية لقطاعي البحوث
والتطوير والمعلومات.
المستوى الثالث: تخص الجانب التسويقي، سواءً في نطاق تسويق محلي باستخدام آلية الجهاز
الحكومي أو في مجال التسويق الدولي.
وإذا ما أردنا الحديث عن اقتصاد المعرفة في
الدول العربية، فإنها تتفاوت فيما بينها تفاوتاً نسبياً في دليل اقتصاد المعرفة،
فمن الشكل الموالي يُلاحظ أن قيمة دليل اقتصاد المعرفة تتراوح بين: 6.4 للإمارات
العربية المتحدة باللون الأزرق و 1.2 لجيبوتي، وبهذا فإن ترتيب الدول العربية ضمن
دول العالم يتفاوت بين الترتيب 43 للإمارات العربية المتحدة إلى 132 لجيبوتي وهو
الترتيب الرابع قبل الأخير ضمن دول العالم.
المصدر: تقرير المعرفة العربي لسنة 2009، نحو
تواصل معرفي منتج، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، دار الغرير للطباعة
والنشر، دبي، الإمارات العربية المتحدة، 2009، ص: 234.
دليل اقتصاد
المعرفة للدولة العربية بالمقارنة مع دول العالم
المصدر: تقرير
المعرفة العربي لسنة 2009، نحو تواصل معرفي منتج، برنامج الأمم
المتحدة الإنمائي، دار الغرير للطباعة والنشر، دبي، الإمارات العربية المتحدة،
2009، ص: 235.
[1] : ماهر حسين محروق، دور اقتصاد المعرفة في تطوير
قدرات ثقافية، ورقة عمل مقدمة إلى ورشة عمل قومية، منظمة العمل العربية،
دمشق، 2009، ص: 7-8.
Post a Comment