مفهوم التكافل الاجتماعي الاقتصادي وأهميته

التكافل في اللغة[1] مأخوذ من "كَفَّلَ" و " كَـفَلَ " ، فالكافل هو العائل ، والكفيل هو الضامن ، والتكافل: كفالة متبادلة بين أكثر من طرف .
أما معناه العام فيشير إلى تعاون متبادل داخل المجتمع المسلم ، يغطي كل جوانب الحياة الاجتماعية ، فيجعل الفرد يحس أنه جزء من نسيج متماسك ، فيمنعه من طغيان النزعة الفردية المفرطة ، ويحميه من الإحساس بالخوف من ظروف طارئة . فالتكافل بمعناه العام حلقات من التعاون داخل المجتمع ، تزيد من تماسكه ، وتقوي بنيته لمواجهة الظروف المتغيرة، المحبوب منها والمكروه،فيُعزى المصاب ، و يُنصر المظلوم ، ويُعان المحتاج ، ويُرحم الضعيف ، ويحرص الفرد على مصلحة الجماعة ، وتراعي الجماعة كرامة الفرد ، ويُنصح المخطيء ، ويؤمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، فكل هذا من صور التكافل أو التعاون داخل المجتمع المسلم . فالتكافل داخل المجتمع المسلم من السمات البارزة التي تميزه عن غيره من المجتمعات، وموضوعنا هنا يتعلق بالجانب الاقتصادي من هذا التكافل ، الذي عرفه بعض الباحثين بأنه " تضامن متبادل بين جميع أفراد  المجتمع ، وبين الحكومة و الأفراد ، في المنشط والمكره ، على تحقيق مصلحة  أو دفع مضرة "[2]. وعرفه آخر بأنه " أن يتساند المجتمع أفراداً وجماعات بحيث  لا تطغى مصلحة الفرد على مصلحة الجماعة ، ولا تذوب مصلحة الفرد في مصلحة الجماعة"[3] فالتكافل الاجتماعي في الجانب الاقتصادي يدور معناه حول التعاون المادي المتبادل داخل المجتمع المسلم ، فهو " تفاعل مستمر يتضمن مسئولية متبادلة .... عن رعاية الرخاء العام وتنميته.. "[4].ليعيش الجميع في شعور دائم بالضمان والأمان المادي.

وقد جاءت أدلة شرعية كثيرة تؤصل لهذا التكافل فهذا أمر بأن يتعاون المؤمنون على فعل أوامر الله ، واجتناب نواهيه . ومنها قوله × : " لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه "[5] وقوله × : " إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشُدُّ بعضه بعضاً "[6] . وإذا تم تطبيق هذا التكافل ينتج عنه تماسك المجتمع ، وينمو الشعور بالانتماء لذلك المجتمع ، ويحس الأفراد بالاطمئنان على مستقبلهم ومستقبل أولادهم ، ونحصل على توزيع أفضل للدخل ، و الثروة داخل المجتمع ، إلى غير ذلك من الآثار الإيجابية للتكافل في النظام الاقتصادي الإسلامي ، وربما تزداد الصورة وضوحاَ عند إلقاء نظرة على النظام الرأسمالي ، حيث أدت النزعة الفردية ، والانغلاق على الذات إلى إضعاف الأسرة ، " تلك المؤسسة التي كانت عبر التاريخ أساس التطور الاجتماعي السليم "[7] وبتفكك الأسرة افتقد العالم الغربي أخطر حلقات التكافل في المجتمع ، وفقد أهم سبل الانضباط الاجتماعي ، وتعاقبت الثمار السيئة التي يطول الحديث عنها ، ولكن يهمنا هنا أن نشير إلى أن أحد أسباب المعاناة كان الحاجة إلى وجود نظام تكافل متكامل الحلقات ، فبعد أن أُدخل على النظام الرأسمالي تعديلات متتالية ، وفَّرت بعض جوانب التكافل ، ولكن أصبحت الدولة في النظام الرأسمالي هي المسئولة عن توفير الرعاية للفقراء ، والمرضى ، والمسنين ، مما يعني الحاجة إلى المزيد من الموارد الحكومية لتمويل هذا العبء ، الذي لا ينسجم مع أصول النظام الاقتصادي الحر ، لذلك تفاوتت الدول الرأسمالية في تطبيقها لهذه التعديلات ولعل الولايات المتحدة[8] أقل هذه الدول تطبيقاً لوسائل التكافل . وتبقى المشكلة في هيكل النظام الرأسمالي ، الذي يفتقر إلى نظام تكافل متكامل ينسجم مع أصوله ، وليس تعديلات تُفرض تحت ضغط الواقع . أما النظام الاقتصادي الإسلامي فيملك شبكة واسعة ، وحلقات مترابطة من وسائل التكافل ، المرتبطة بعقيدة المسلم ، و التي يدعم بعضها بعضاً وسنرى عدداً منها في الصفحات التالية .

المطلب الثاني
وسائل التكافل الاجتماعي الاقتصادي

إن التكافل الاجتماعي في النظام الاقتصادي الإسلامي ليس كلاماً نظرياً، و إنما هو نظام متكامل للإنفاق المرتبط بالدافع الإيماني .
ففي النظام الاقتصادي الإسلامي عدد كبير من الوسائل ، التي تحقق التكافل داخل المجتمع المسلم ، و تعتمد هذه الوسائل في جملتها على الدافع الإيماني بالدرجة الأولى ، ويكمله دور الدولة في تطبيق هذه الوسائل ، أي أن وسائل التكافل في النظام الاقتصادي الإسلامي تعتبر شبكة من الأدوات التي يكمل بعضها بعضاً ، ولا مثيل لها في أي نظام اقتصادي آخر ، ولكنها لا تؤتي ثمارها إلاَّ بقوة الدافع الإيماني بالدرجة الأولى وكلما ضعف الدافع الإيماني في المجتمع  ضعف أثر هذه الوسائل ، فهي إحدى ثمار التربية الإسلامية . ومن هذه  الوسائل : الزكاة ، صدقات التطوع ، الوقف ، القرض الحسن ، النفقات الواجبة للأولاد والزوجة والأقارب ، الكفارات ، ضمان الدولة لحد الكفاية ، الأضحية،العارية وفيما يلي سنتعرض لأبرز المسائل المتعلقة ببعض هذه الوسائل.

أولاً : الـزكــاة
وتشمل زكاة الأموال وزكاة الأبدان ( صدقة الفطر) . وسنقصر الكلام على زكاة الأموال .

زكاة الأموال : من تعريفاتها أنها: " نصيب مقدر شرعاً في مال معين ، يُصرف لطائفة مخصوصة"[9] . حكمها : واجبة.

و مما تمتاز به الزكاة على الضرائب أن المكلفين بها يؤدونها بدافع ديني ، إضافةً إلى الدافع النظامي الرسمي ، الذي تعتمد عليه الضرائب المعاصرة ، التي تعاني من تهرب الناس منها ، متى وجدوا غفلة من الرقيب الحكومي . ولهذه الزكاة آثار عديدة يهمنا منها الآثار الاقتصادية .

أهم الآثار الاقتصادية للزكاة :
أداء الزكاة عبادة ، ولها آثار اقتصادية ، من أهمها :
1-          أنها وسيلة من وسائل إعادة توزيع الدخل ، والثروة في المجتمع : فتؤدي إلى مواساة الفقراء . فهي وسيلة من وسائل العدل الاقتصادي، الذي أصبح محل اتفاق بين الاقتصاديين مع الاختلاف حول تعريفه ووسائله .
2-          أنها أحد الدوافع نحو الاستثمار : فإخراج الزكاة لا يشجع الأغنياء على تجميد الأرصدة النقدية عاطلة ، لأن تجميدها ، وإخراج الزكاة منها يؤدي إلى تآكلها . أي أن من يملك أرصدة نقدية لابد له من استثمارها حرصاً عليها من التآكل ، ومعروف أن الاستثمار في مختلف المشروعات من مصلحة الاقتصاد القومي         و تحرص الدول على تشجيعه بمختلف الوسائل .
3-          أنها وسيلة من وسائل الأمن المشجع على توفير البيئة المناسبة للانتعاش الاقتصادي ، لأن الفقر أحد أسباب الجريمة ، ولأن الزكاة تحارب الفقر فهي وسيلة لمحاربة الجريمة بطريقة غير مباشرة .
4-          أنها وسيلة من وسائل تحسين أوضاع الفئات الفقيرة في المجتمع : أي إنها تساهم في تحسين مستواهم المعيشي ، والصحي ، والتعليمي ، وهذا يعني المساهمة في تأهيلهم ليصبحوا قوة عمل مشاركة في التنمية الاقتصادية .
5-          أنها تساهم في توفير موارد تموِّل التكافل في المجتمع ، فتخفف العبء عن ميزانية الدولة . وكلما تراجع التزام الناس بأداء الزكاة ، زاد العبء الذي تتحمله ميزانية الدولة لتمويل التكافل داخل المجتمع . وكلما قوي الدافع الإيماني في المجتمع ، زاد التزام الناس بأداء الزكاة  وغيرها من الواجبات المالية ، مما يؤدي إلى تخفيف العبء المالي الذي تتحمله ميزانية الدولة للإنفاق على أصناف من الإعانات التي تقدم للمحتاجين كالأيتام ، والعجزة ، و المعاقين ... وغيرهم ممن يحتاجون إلى الرعاية الاجتماعية .

الأموال التي تجب فيها الزكاة :
تجب الزكاة في أربعة أصناف من المال ، هي :
1-          الأثمان : وتشمل الذهب ، والفضة ، وما يلحق بهما من العملات المعاصرة المصنوعة من الورق أو غيره .
2-          السائمة من بهيمة الأنعام . وهي البقر ، والإبل ، والغنم ، التي ترعى في البراري معظم السنة .
3-          الخارج من الأرض من الحبوب كالقمح ، والثمار كالتمر ، والمعدن كالحديد.
4-          عروض التجارة : وهي كل ما أُعد للبيع والشراء بهدف الربح(1) .

شروط وجوب الزكاة :
تجب الزكاة في الأموال بشروط خمسة ، هي :
1-          الحرية : وضدها الرِّق ، فلا تجب على عبد مملوك . ويلاحظ أن نظام الرق غير موجود الآن في بلاد المسلمين وغيرها .
2-          الإسلام : فلا تؤخذ الزكاة من غير المسلمين ، سواء أكان كفرهم أصلياَ ، أم ناتجاً عن ردة عن الإسلام .
3-   ملك النصاب : ويقصد بالنصاب : المقدار من المال الذي لا تجب الزكاة في أقل  منه . أو هو: " المقدار من المال الذي رتب الشارع وجوب الزكاة على بلوغه([10]) " ولكل صنف من المال نصاب . فمثلاً نصاب الإبل (5) ، ونصاب الغنم  (40) ، ونصاب الذهب (85) جراماً . ولا تجب الزكاة على من كان ماله أقـل من النصاب، فمن كان لديه (30) رأساً من الغنم فلا زكاة فيها ، لأنها أقل من النصاب . ومن يملك (40) جراماً من الذهب فلا زكاة فيها .
      وفائدة معرفة مقدار النصاب لكل صنف من المال ، أن نعرف هل وصل هذا المال إلى الحد الذي تجب فيه الزكاة أم لا .
4-          تمام الملك ، واستقراره : أي أن يكون ملكه للمال تاماً بأن لا يتعلق به حق غيره ، ويمكنه التصرف به وبمنافعه حسب اختياره .([11])
5-          تمام الحول : أي أن يمضي على ملكه للمال سنة هجرية كاملة ،فلا زكاة في مال إلاَّ بعد مضي سنة . ويستثنى بعض أصناف المال فلا يشترط لها الحول ، وهي ربح التجارة فحوله حول أصله ، والخارج من الأرض كالحبوب والثمار تزكى عند حصادها . وصغار بهيمة الأنعام تعد مع الكبار من بهيمة الأنعام وتزكى. وتطبيقاً لهذا الشرط لا تجب الزكاة في رواتب الموظفين بمجرد قبضها ، أما ما توفر منها حتى حال عليه الحول وكان نصاباً ، أو ضمه إلى غيره من المال فهنا  يزكيه . وقد جاء في جواب لسؤال حول هذا الموضوع أجابت عليه اللجنة الدائمة " و لا يجوز قياسها ( أي الرواتب ) على الخارج من الأرض ، لأن اشتراط الحول في وجوب الزكاة في النقدين ثابت بالنص ، ولا قياس مع النص " ([12]) .


(1)       انظر : القاموس المحيط ،محمد بن يعقوب الفيروزبادي  (كفل) , مختار الصحاح (كفل).
(1)       الاقتصاد الإسلامي مرجع سابق. صـ50
(2)       أدوات إعادة التوزيع ،عبد الرحمن الشبانات صــ282
(3)       أدوات إعادة التوزيع ،عبد الرحمن الشبانات صـــ282 .
(4)       صحيح البخاري ، كتاب الإيمان  ، باب : من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه برقم 12  .
(5)       صحيح البخاري ، كتاب الصلاة ، باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره برقم 459 .
(1)       الإسلام و التحدي الاقتصادي ، محمد عمر شابرا صــ101.
(2)       الإسلام و التحدي الاقتصادي ، المرجع السابق صــ174.
([9] )       الشرح الممتع على زاد المستقنع, محمد بن صالح العثيمين جـ6 ، صــ 17.
([10])       انظر : حاشية ابن قاسم على الروض المربع , مرجع سابق , جـ3 , صـ260.
(2)       انظر : حاشية ابن قاسم على الروض المربع ، مرجع سابق حـ3 ، صــ168.
(3)       فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية  والإفتاء ، حـ9 ، صــ281 .

Post a Comment

Previous Post Next Post