القيم الجمالية: Les
valeurs esthétiques
تحتل القيم
الجمالية مكانة أساسية في عملية التقويم والحكم الجماليين، ولقد اهتم الفلاسفة
وعلماء الجمال بوضع مجموعة من مقولات القيم الجمالية*، خاصة بعد النصف الثاني من القرن
التاسع عشر، وذلك تأسيسا على ما توصلت إليه الدراسات الجمالية في ميدان الفن، إذ
شهدت هذه المرحلة إدخال القبح la laideur،
إلى مجال الدراسات الجمالية، كما شهدت المراحل اللاحقة إدخال بعض القيم الجمالية
إلى ميدان الدراسات الإستطيقية خاصة في مجال جماليات السينما وجماليات التلفزيون
فيما بعد.
وبالرجوع
إلى القيم الجمالية، نجد أن عالم الجمال الفرنسي "إيتيان سوريوEtienne Sauriau" قد أورد، أن هناك عددا
كبيرا من القيم الجمالية
احتلت ميدان الدراسات الإستطيقيـة، وقبلها علماء الجمال،
في حين حاولوا تقليص عددها، إذ جمعها "ماكس ديسوارMax Dessoir " في ست قيم هي: "الجميلle beau ،
الجليلle
sublime ، التراجيدي le tragique، الدراماتيكيle dramatique، الهزلي le
comique، الطلي gracieux"[1].
أما شارل
لالو Charles Lalo
فجمعها في تسع مقولات إستطيقية أساسية، هي "الجميلle beau، الهائلle Grandiose ، الطلي gracieux، الجليلle sublime ، التراجيدي le tragique، الدراماتيكي le dramatique، الناكت le spirituel، الكوميكي (الهزلي) le comique، الفكاهي humoristique .."[2].
وبعد عرض
هذه القيم الجمالية، يواصل شارل لالو، في تصنيفها تحت ثلاث درجات هي: درجة
الانسجام المحقق، وتشتمل على: الجميل، الهائل، الطلي، "وتشترك هذه المقولات
الإستطيقية الثلاث في افتراضها تحقق الانسجام تحقيقا فعليا، وفي افتراض وجود
التناسب السليم بين الأجزاء المختلفة في كل واحد، وتشترك أيضا في افتراض وجود
القدر المتزن "[3].
أما درجة
الانسجام المطلوب فتشتمل على: الرائع، التراجيكي، الدراماتيكي، "وقد حددت
وعرفت هذه القيم الجمالية الثلاث حسب الانسجام أيضا، ولكنه انسجام مطلوب مرغوب نود
تحققه، أي أنه لم يتحقق تماما، إنه انسجام لا يمكن أن يصنع أو يتحقق في عالمنا
هذا، ولكننا نحسبه ممكنا أو محتملا في عالم عال، إلا أننا لا نفهمه كل الفهم
"[4].
وأما درجة
الانسجام المنعدم فتشتمل على: الناكت، الكوميكي، الفكاهي، وهي "ثلاث قيم تختص
بالانسجام (المنعدم)، حيث وحدة ظاهرية كاذبة نكتشف فيها تفككا خفيا حقيقيا، وأحط
درجة فيه هي التلاعب بالألفاظ، الذي يعني وجود معنيين خفيين وراء لفظ واحد
.."[5].
إن نظرة "لالو" إلى
القيم الجمالية (التسع) – رغم عمقها – لم تخرج عن الأطر والمرجعيات النظرية لبعض
الفنون، كالشعر، والرسم، والمسرح .. الخ، وبالتالي فنتائجها هي رهينة البيئة
الفنية الجمالية للطرح النقدي التطبيقي، لهذه الأنواع والأجناس الفنية، ولقد أغفلت
هذه النظرة البنية الجمالية لبعض الفنون السمع بصرية، كالسينما والتلفزيون. إذ
بإمكان التلفزيون أن يحتوي طرح "لالو" فيما يخص المقولات الجمالية*.
وبانتقالنا إلى طرح آخر
للباحث الجمالي السابق الذكر، نرى أنه قد استثنى بعض القيم الجمالية من دراسته،
مثل: الشعري le poétique، المسرحي le théâtral، الغنائيlyrique المؤثرle pathétique ، اللطيف le joli، الخلابle
charmant ،
الهزليle ridicule ، الكاريكاتوريle caricatural ، المازحle
plaisant "[6].
ومقابل هذا، نجد "إتيان
سوريو" قد أورد مجموع 24 أربعة وعشرين مقولة هي:[7]
1 – الجميل le beau
2 – السامي (النبيل) le noble
3 – الهائل le grandiose
4 – الجليل le sublime
5 – المؤثر le pathétique
6 – الغنائي le lyrique
7 – البطولي l’héroïque
8 – التراجيكي le tragique
9 – le pyrrhique
10 – الدراماتيكي le dramatique
11 – الميلو دراماتيكي le
mélodramatique
12 – الكاريكاتوري le
caricatural
13 – الكريه، البشع le
grotesque
14 – الهجائي le satirique
15 – السخري l'éronique
16 – الكوميكيle
comique
17 – الفكاهي l’humoristique
18 – الغرائي le fantasque
19 – التصويريle
pittoresque
20 – اللطيف le joli
21 – الطلي le gracieux
22 – الشعري le
poétique
23 – الغزلي l’idyllique
24 – الرثائي l’élégiaque
هذا، وبانتقالنا إلى بعض
الدارسين الجماليين، نجد أن "م بوب ليون"M.Léon Bopp قد وضع سنة 1954 جدولا أحصى فيه 66 قيمة جمالية،[8]
كما وضع "هارنر" Herner كذلك جدولا فيه 66 قيمة جمالية
كذلك[9].
إن هذه الأعداد الهائلة من
القيم الجمالية لها ارتباطاتها التاريخية، إذ لكل مرحلة مجموعة من القيم الجمالية
الأساسية*، التي يبقى مدلولها ثابتا، وقابلا لاستيعاب التغيرات التي تطرأ
على الموضوعات الجمالية مثل: (الجميل، الجليل، الرائع ..).
فحين نتحدث عن الجميل في فن من
الفنون التقليدية، كالرسم، أو الشعر، أو المسرح، ونتحدث عن الجميل في السينما أو
التلفزيون أو الأنترنت، لا ينبغي لنا أن نطابق هنا بين المضامين الجمالية، لأن لكل
نوع من هذه الأنواع خصائصه المميزة له.
وإذا كان حديثنا هنا عن القيم
الجمالية الأساسية، فإن هناك ما يمكن تسميته بالقيم الجمالية الثانوية، التي قد لا
تحتفظ بمدلولاتها مع تطور الزمن مثل: الروائي، المسرحي، الصوفي، الهازئ ..
هذا، وتجدر الإشارة هنا إلى
قيمة جمالية شغلت بال الجماليين، وهي القبحla laideur ففي مرحلة انتقال علم الجمال من المرحلة النظرية
إلى المرحلة التطبيقية، أدخل القبيح إلى مجال الدراسات الإستطيقية، إذ في
"أوائل النصف الثاني من القرن التاسع عشر(1853) نشر" روزنكرانز"Rosenkranz
بحثا بعنوان" إستطيقا القبح"The
Aesthetic of the ugly "[10].
ومقابل ذلك، رأى بعض
الجماليين أنه لا مجال لاعتبار القبح قيمة جمالية*، في حين هناك من برأ هذه القيم
كلها من علم الجمال، ففي سياق حديث "بندتو كروتشه" عن التصورات الكاذبة
في علم الجمال، قال: إن " نظرية التعاطف قد أدخلت في مذاهب علم الجمال سلسلة
من التصورات اعتادها الناس، ويكفي أن نعرض لها هنا في لمحة عاجلة لنبرر اعتزامنا
أن نبرئ عنها نظريتنا"[11]
.
ورأى
"كروتشه" أن تلك التصورات تجتمع فيما يلي:
"الأسوان، المضحك، الهزلي، السامي، الفاجع، المؤثر، الحزين، الهزأة،
الكئيب، الماجن، الجليل، الوقور، اللائق، الأنيق، الجذاب، اللاذع، الظريف،
الرثائي، الرشق، العنيف، الساذج، القاسي، الخفر، المنفر، الكريه"[12].
وانطلاقا من هذا السرد صاغ
"كروتشه" نظرته المتميزة إلى القيم الجمالية، وإلى علم الجمال، فأقر أن
التصورات السابقة تعتبر الجميل ما كان ذا مضمون جذاب، والقبيح ما كان منفرا، وما
تبقى فهو درجات بين الجمال والقبح.
إذا كان الطرح النظري لمجموع
القيم الجمالية قد ميز مرة بين ما هو جمالي وبين ما هو غير ذلك، واستثنى مرة أخرى
بعض تلك القيم، فإن هناك طرحا آخر متميزا عما سبقه من الطروحات النظرية، إذ اعتبر
كل القيم قيما جمالية، فقد رأى "جورج سانتيانا" "أن جميع القيم،
قيم جمالية، بمعنى من المعاني"[13]،
إذا كانت القيمة هي: "انعطاف من الذات وميل وجداني نحو شيء بعينه"[14]،
ميلا إيجابيا..
إن نظرتنا
إلى القيم الجمالية التي قدمها الدارسون الجماليون، تجعلنا نقر أن الحكم القيمي
الجمالي، يمكن أن يتسع إلى مجموعات أخرى من هذه القيم، تبعا للمرحلة الزمنية،
والوسيط الذي يحمل القيمة الجمالية، فإذا كانت مرحلة بداية الدراسات الجمالية– خصوصا
بعد منتصف القرن الثامن عشر– قد أعطت مجموعة من تلك القيم السابقة، تأسيسا على
الوسائط الفنية (الشعر، المسرح، الرسم، النحت،..)، فإن الدراسات الجمالية– في
عصرنا– قد تناولت الأعمال والوسائط الفنية الأخرى، كالسينما، والتلفزيون، – مثلا –
بالدراسة والتحليل وقدمت الأسس الفنية والجمالية لكل فن من هذه الفنون.
وبرجوعنا
إلى القيم الجمالية ومقولاتها السابقة الذكر نجد أن كل قيمة تحمل قيمة أو مجموعة
من القيم المصاحبة الأخرى، التي تعطيها بعدها وقوتها الجماليين، كاللون،
والانسجام، والصوت، والتناظر، والعمق، والوضوح، وهي قيم جمالية تختص بالموضوع، فلا
يكون الجميل جميلا إن لم يكن حائزا على قيمة أو مجموعة من القيم الجمالية
المصاحبة، وغيرها.
وبهذا،
سنتناول في دراستنا هذه القيم الجمالية كالتالي:
أ – القيم الجمالية الأساسية، وسنقتصر على الأهم منها.
ب – القيم الجمالية المصاحبة، وسنقتصر على المهم منها.
* - هناك من الدارسين من يستعمل القيم
الجمالية، أو المقولات الجمالية، أو التصنيفات الجمالية، أنظر:
Etienne Souriau. Vocabulaire d'esthétique. op.cit. p.928.
[2] - شارل لالو. مرجع سبق ذكره،
ص 103.
[3] - المرجع نفسه. ص 108.
[4] - المرجع نفسه. ص 109.
[5] - المرجع نفسه. ص 110
* - سيتم تناول الجماليات التلفزيونية في الفصل الثالث الخاص
بالتلفزيون وعلم الجمال.
[6]- شارل لالو. مرجع سبق ذكره.
ص 103 – بتصرف -
[7] - المرجع نفسه، ص 35.
2- Ibid . p.12
*- سنتطرق إلى إمكانية إدخال بعض
القيم الجمالية انطلاقا من البرامج التلفزيونية، إلى المجال الإستطيقي، في الفصل
النظري الثالث الخاص بالجماليات التلفزيونية.
[10]- عز الدين إسماعيل. الأسس الجمالية ..، مرجع سبق ذكره، ص
58
[12]- المرجع نفسه، ص 113-114 – بتصرف -
Post a Comment