أزمة الأسواق المالية: أسبابها،
آثارها، الأزمة المالية لدول جنوب شرق آسيا
أزمة الأسواق المالية :
وتعرف أزمة الأسواق المالية
بأنها تدهور حاد في تعامل الأسواق المالية لدولة أو مجموعة من الدول، والتي سماتها
هو فشل النظام المصرفي المحلي في أداء مهامه الرئيسة والذي ينعكس في تدهور كبير في
قيمة العملة وفي أسعار الأسهم، وبالتالي الآثار السلبية على قطاع الإنتاج والعمالة
وما ينجم عنها من إعادة توزيع الدخول والثروات فيما بين الأسواق المالية الدولية.
أسباب الأزمات المالية:
من المعروف
إن الاقتصاد الدولي مصدرا من مصادر أزماته المالية بين فترة وأخرى، حيث ارتبطت
الأزمة بالظروف العالمية التي سادت حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى وبالفكر
الاقتصادي وكذلك عملية العولمة كلها أدت إلى خلق أزمات المالية وتعود الأسباب على
ما يلي:
أولاً- الأسباب الاقتصادية:
وتتمثل بـ:
أ- وجود اختلاف في حجم
الادخارات المتوفرة بين الدول الرأسمالية المتقدمة المعينة، والتي تمثلت بمواقف
موازين مدفوعات.
ب- انخفاض سعر الدولار مما أدى
إلى إلحاق الأضرار باقتصاديات المجموعة، في حين أدى الى ذلك ضعف القوة التنافسية
للصادرات الأوربية في الأسواق.
ج- القرار الأوربي برفع أسعار
الخصم قبل اندلاع الأزمة المالية وكذلك القيام برفع أسعار الفائدة مما أدى إلى
تحول المستثمرين من المضاربة بالأسهم إلى حوافظ السندات لما تحققه لهم من العوائد
مرافعة مقارنة بالأسهم وتعرضت أسواقها إلى اضطرابات حادة .
وهكذا انخفض الطلب الاستثماري
على أثر تعاملات غير صحيحة من قبل كبرى الشركات الأمريكية مثل شركة GM وIBM * على بيع أسهمها وهو ما أدر غلى حصول حالة من
الانكماش.
ثانيا- الأسباب النفسية وتتمثل
بما يلي :
أ- وجود عدم الثقة للتوقعات حول
مستقبل الأسواق المالية.
ب- رفع الخصم وذلك بسبب انعدام
الثقة بالأمريكان بتحسن حالة العجز في الموازنة العامة.
ج- وجود إشاعات التي روجت من
قبل السماسرة في أسواق الأسهم المالية.
******************************************************************************************************************************************************************
* عرفان تقي الحسني،
التمويل الدولي، ص 302، مصدر سابق
- 37-
انهيار أسواق المال في دول جنوب
شرق آسيا
حدثت الأسواق المالية جنوب شرق آسيا (النمور
الأسيوية) انهيارا كبيرا منذ يوم الاثنين الموافق 27/10/1997 والذي يسمى بيوم الاثنين المجنون حيث بدأت
الأزمة من تايلاند ثم انتشر بسرعة على بقية دول المنطقة حينما سجلت أسعار الأسهم
فيها معدلات منخفضة بشكل حاد.
أسباب الأزمة: من الملاحظ ظهور عدة علامات للأزمة المالية
وفقاً لمؤشرات اقتصادية كلية والتي بينت الاختلالات التالية في الاقتصاد
التايلاندي، وتعود أسباب هذه الأزمة إلى ما يلي:
أولاً- الانخفاض الحاد في قيمة
وهي العملة الوطنية لتايلاند بعد فترة طويلة من الاعتماد على نظام سعر الصرف
الثابت، والتي حفزت الافتراض الخارجي وعرضت قطاع الأعمال والمال إلى المخاطر.
ثانياً- عدم نجاح السلطات
العامة في تقليل الضغوط التضخمية الجامحة والمتجسدة بحالات العجز الخارجي الواسع
واضطراب أسواق المال.
ثالثاً- ضعف الإشراف والرقابة
الحكومية وبالتالي تصاعد الشكوك السياسية حول التزامات الحكومة ومدر مقدرتها على
إجراء الاصطلاحات المناسبة لمواجهة الأزمة.
رابعاً- شارك التطورات التي
حصلت عند حدثت الأزمة في الاقتصاد التايلاندي، فقد زادت تفاقم الأزمة وأهمها :
* نتيجة انخفاض أسعار لفائدة لدى الدول الصناعية منذ
منتصف التسعينات إلى تدفق رؤوس أموال ضخمة إلى تايلاند وبقية دول المنطقة.
* استمرار انخفاض سعر في قيمة الدولار الأمريكي إلى
منافسة العملات الآسيوية التي ترتبط به بشكل أو بأخر، ثم إلى تضاءل درجة منافسة
الدول الآسيوية في الأسواق العالمية.إلا أن ظهرت خلال السنوات الأخيرة من
الاختلالات داخل اقتصاديات هذه الدول التي جعلت أكثر عرضة للازمة وهي*:
- قيام هذه الدول بزيادة أكثر من المعتاد على التصدير
لتحقيق النمو.
- تعويل كبير
على التدفقات المالية من الخارج سواء في شكل قروض أو الاستثمار، إلى جانب الاقتراض
الخارجي غير مغطى من قبل القطاع الخاص.
- سرعة
انخفاض الحاد في قيمة العملات المحلية.
- عدم وجود الثقة بالأنظمة الاقتصادية والمالية وذلك
بسبب ضعف الثقة بالأنظمة السياسية القائمة أساساً، والفساد وعدم وجود الشفافية وعدم
كفاية ودقة البيانات والمعلومات المطلوبة في أداء الشركات.
******************************************************************************************************************************************************************* عرفان تقي الحسني، التمويل الدولي، ص 306، مصدر سابق
- 38-
الأزمة المالية والاقتصادية العالمية
إن الأزمة المالية الحالية تتجاوز منطق
المعالجة الظرفية والنسبية، تتجاوز منطق التباطؤ والانتظار والمراهنة على عامل
الوقت، تتجاوز منطق الترقيع والترميم، ولكنها أعمق وأشد، ولم يخطئ بعضهم في
تشبيهها بأزمة 1929 أو أشد كما يراها رئيس الخزانة الأميركية، رغم بعض
الاختلاف الجوهري.
لا تقتصر الأزمة في الولايات المتحدة
على قيم الأسهم بل تشمل الاقتصاد الحقيقي برمته فهي
أزمة اقتصادية بدأت منذ عدة سنوات ولا تزال في طور الاستفحال. أنها ليست حكومية
فقط بل تمتد لتشمل الشركات والأفراد. يمكن إبراز معالمها في النقاط التالية:
1- العجز
التجاري: منذ عام 1971 لم يسجل الميزان التجاري أي فائض بل عجز يزداد
سنوياً وصل في عام 2006 إلى 758 مليار دولار. ويعود السبب الأساس
إلى عدم قدرة الجهاز الإنتاجي خاصة السلعي على تلبية الاستهلاك.
2- عجز
الميزانية: لا يزال العجز المالي مرتفعاً حيث قدر في ميزانية عام 2008
بمبلغ 410 مليار دولار أي 2.9% من الناتج المحلي الإجمالي. بلا شك
يتعين الاهتمام بالتوازنات الاقتصادية وليس بالتوازنات المالية.
في
الولايات المتحدة يغلب الطابع العسكري على النفقات العامة والطابع السياسي على
الضرائب. لا يهدف الإنفاق العام إلى التشغيل بقدر ما يهدف إلى تمويل العمليات
الحربية الخارجية، كما أن الضرائب
تستخدم كوسيلة للحصول على أصوات الناخبين بدلاً من الحصول على إيرادات لتمويل
العجز المالي.
3-
المديونية: أظهرت إحصاءات وزارة الخزانة الأميركية ارتفاع الديون الحكومية
(الإدارة المركزية والإدارات المحلية) من 4.3 تريليونات دولار في عام 1990
إلى 8.4 تريليونات دولار في عام 2003 وإلى 8.9 تريليونات
دولار في عام 2007، وأصبحت
هذه الديون العامة تشكل 64% من الناتج المحلي الإجمالي. وبذلك يمكن تصنيف الولايات المتحدة ضمن الدول
التي تعاني بشدة من ديونها العامة، و يعادل حجم
هذه الديون عشرة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لجميع الدول العربية ويعادل ثلاثة
أضعاف الديون الخارجية للدول النامية.
ولا يتوقف ثقل المديونية الأمريكية على
الإدارات الحكومية بل يشمل الأفراد والشركات أيضاً. فقد بلغت الديون الفردية 9.2
تريليونات دولار منها ديون عقارية سبقت الإشارة إليها بمبلغ 6.6 تريليونات
دولار، أن هذه الديون العقارية التي ساهمت مساهمة
فاعلة في الأزمة المالية الحالية وتشكل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي
الأمريكي*.
********************************************************************************************************************************** *منير حداد، الكساد والانتعاش الاقتصادي 2009 م.
-
39 -
أما ديون الشركات فتحتل المرتبة الأولى
من حيث حجمها البالغ 18.4 تريليون دولار. وبذلك يكون المجموع الكلي 36 تريليون
دولار أي ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي. هذه الديون بذاتها أزمة اقتصادية
خطيرة ، كما تعاني الولايات المتحدة من مشاكل اقتصادية
أخرى في مقدمتها التضخم
الذي تجاوز 4% والبطالة التي تشكل 5% والصناعة التي تتراجع أهميتها
والفقر وسوء الخدمات التعليمية.
لا تقتصر خطورة الأزمات المالية
الأميركية على إفقار الملايين من الأميركيين بل تمتد لتشمل التأثير السلبي على
الوضع الاقتصادي العالمي وقد يصل الأمر إلى الاحتلال العسكري.
أمام هذا
الوضع المالي والاقتصادي الأميركي المتأزم يتعين على العرب أفراداً وشركات وحكومات
اتخاذ إجراءات سريعة للحفاظ على مصالحهم الحيوية في مقدمتها سحب استثماراتهم من
الولايات المتحدة. وأصبح من اللازم على بلدان مجلس التعاون الخليجي التخلي عن
الدولار كمثبت لقيم عملاتها المحلية أو على الأقل مراجعة القيم التعادلية لهذه
العملات بما يتناسب مع هبوط سعر صرف الدولار.
أوضحت الأزمة الاقتصادية العالمية مدى خطورة تبعية دول العالم الثالث
لأمريكا، والسيطرة الأمريكية على الاقتصاد العالمي كما
أوضحت أن الرأسمالية العالمية قد طغت وتجبرت ونهبت ثروات الشعوب، وأنها ليست
الأيديولوجية التي يمكن أن يقوم عليها اقتصاد يستهدف تحقيق سعادة الإنسان
ورفاهيته.
إنها أيديولوجية الظلم والنهب والاستغلال، ولذلك
فإنها لا يمكن أن تستمر إن أكبر جريمة تاريخية هي أن أمريكا قد استغلت قوتها منذ بداية التسعينيات
لفرض الأيديولوجية الرأسمالية،وعولمة الاقتصاد العالمي بهدف السيطرة عليه ، لقد
أصبح الاقتصاد العالمي لا يقوم على تطوير المجالات الحقيقية للإنتاج، وتوظيف
الثروات المادية والبشرية لبناء الحضارة الإنسانية وتعمير الأرض وإسعاد الإنسان،
لذلك أوضحت الأزمة أن الرأسمالية أيديولوجية غير إنسانية .
وليس
بالضرورة أن يكون بقاء المذهب الرأسمالي حالياً في الميدان الاقتصادي دليلاً على
أنه منهج عملي يتناسب مع جميع مصالح الشعوب بما فيها العالم الإسلامي. أو لأن انهيار
الاشتراكية أثبت تلك الحقيقة .
وفي الواقع "أن النظامين الرأسمالي
والاشتراكي يسيران بخطى حثيثة نحو إلغاء الأصول حتى يأتي وقت يزيد الإلغاء على ما بقى،
فيسقط النظامان كما سقط أمثالهما من قبل " (1).
**********************************************************************************************************************************
(1) الدكتور محمد رضا
محرم - تحديث العقل السياسي الإسلامي-- ص 256. دار الفكر للدراسات والنشر - الطبعة الأولى – القاهرة 1986 م.
-40-
إرسال تعليق