المؤسسات في النظام العقابي المصري :
     لبيان أنواع المؤسسات العقابية في التشريع المصري يجدر بنا أولاً أن نعطي نبذة عن تاريخ النظام العقابي المصري.

 أ : النظام العقابي المصري تاريخياً:
     حتى نهاية القرن التاسع عشر لم تعرف مصر سجون بالمعنى الفني الدقيق للكلمة. فلم ترعى الدولة هذا الأمر بإنشاء مبان خاصة يتوافر فيها الاشتراطات الصحية وأساليب التفريد العقابي ونظم التصنيف بين المحكوم عليهم. فلم تفرق النظم العقابية السائدة في تلك الفترة بين معتادي الإجرام ومبتدئيه , بين المجرمين البالغين وصغار السن , بين متوسطي الخطورة ومرتكبي الجرائم شديدة الخطورة. وكان النزلاء عاماً يتلقون نظاماً عقابياً قاسياً ، كالوضع في قيود حديدية والجلد وغيرها من طرق المعاملة اللاإنسانية.

ولم يختتم القرن التاسع عشر سنواته العشر الأخيرة حتى بدأت الدولة تنظر بعين الاعتبار لنظام السجون بهدف إصلاح أحوالها وفق ما وصلت إليه النظم العقابية في ذاك الوقت. لهذا صدرت لائحة السجون في 13 مارس 1885 ، فقررت بعض الضمانات للمحكوم عليهم بإخضاع السجون لإشراف النائب العمومي والمديرين والمحافظين ، وحددت الجزاءات التأديبية التي يمكن أن توقع علي المساجين عند مخالفة النظام داخل المؤسسة العقابية.
ثم صدرت في عام 1901 لائحة جديدة للسجون نصت علي حق المسجون في التعليم والعمل. وفي  ذاك الأثناء أقامت الدولة عدد من المنشئات العقابية التي تراعي الاشتراطات الصحية المتطلبة في المؤسسات من هذا القبيل.

من بعد ذلك بلغ النظام العقابي المصري مرتبة أعلى بصدور المرسوم بقانون رقم 180 لسنه 1949 والذي أعمل قواعد التصنيف بين المحكوم عليهم فقسمهم إلي فئتين (أ) و (ب) ، مع السماح بإنشاء سجون خاصة. كما قرر هذا المرسوم الأخذ بالنظام التدريجي عن طريق خضوع المحكوم عليه لفترة انتقال قبل لإفراج عنه لا تقل عن ستة شهور ولا تزيد عن سنه إذا زادت مدة العقوبة علي خمس سنوات.

ومن أجل مواكبة الاتجاهات العقابية الحديثة أصدر المشرع المصري قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنه 1956 وكذلك اللائحة الداخلية للسجون الصادرة بقرار وزير الداخلية رقم 79 لسنه 1961[1].

1-                  ب : أنواع المؤسسات العقابية في التشريع المصري :
     تأخذ مصر – بحسب الأصل -بنظام المؤسسات العقابية المغلقة لكافة المجرمين أيا كانت ظروفهم حسب مدة العقوبة. فتنص المادة الأولى من قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنه 1956 على أن "السجون على أربعة أنواع : ليمانات , سجون عمومية, سجون مركزية, وسجون خاصة تنشأ بقرار من رئيس الجمهورية يقيم فيها فئات المسجونين اللذين يودعون بها وكيفية معاملتهم وشروط الإفراج عنهم , ويصدر وزير الداخلية قرار بتعين الجهات التي تنشأ فيها السجون من كل نوع ودائرة كل منها".

2-                  الليمانات:
     الليمانات Les bagnes هي السجون التي يتم فيها تنفيذ عقوبة السجن المؤبد والمشدد. علي أن المشرع يعفي من تنفيذ هذه العقوبة في الليمانات النساء إطلاقاً ، والرجال الذين جاوزوا سن الستين من عمرهم ، وكذلك المرضي الذين تكشف ظروفهم الصحية عن عدم قدرتهم علي تحمل نظام الليمانات ( م15 ، م30 ، م34 من قانون تنظيم السجون)[2]. كذلك يعفى من البقاء في الليمان كل من قضي نصف مدة العقوبة المحكوم بها أو ثلاث سنوات أي المدتين أقل متى كان سلوكه حسناً خلالها (م3 ج من قانون السجون). وتنفذ عقوبات هؤلاء جميعاً بالسجون العمومية.

ويوجد في مصر ثلاثة ليمانات ، اثنان منها في طره بمحافظة القاهرة ، والثالث في أبو زعبل بمحافظة القليوبية.

3-                  السجون العمومية  :
     توجد السجون العمومية Les pisons centrales في كل جهة بها محكمة ابتدائية. ووفقا للمادة    الثالثة من قانون السجون فإن داخل هذه المؤسسات تنفذ الأحكام الصادرة بعقوبة السجن إلي جانب عقوبات السجن المؤبد والمشدد بشأن المحكوم عليهم الذين يعفون من قضائها داخل الليمانات. كما ينفذ فيها أحكام الحبس لمدة تزيد علي ثلاثة أشهر إلا إذا كانت المدة الباقية وقت صدور الحكم عليهم أقل من ذلك (بسبب خصم مدة الحبس الاحتياطي) ولم يكونوا مودعين من قبل في سجن عمومي ( م3/د من قانون السجون).

كما يودع بالسجون العمومية الأشخاص الذين يكونون محلاً للإكراه البدني إذا كان هذا السجن أقرب إلي النيابة أو ضاق بهم السجن المركزي. كذلك المحبوسون حبساً احتياطياً يضعون في السجون العمومية في أماكن خاصة بهم (م14 من قانون السجون).

4-                  السجون المركزية  :
     وفقا للمادة الرابعة من قانون السجون ينفذ بالسجون المركزية Prisons Locales - التي تكون ملحقة بأقسام ومراكز الشرطة وخاضعة لرقابة وإشراف مأموريهاالمحكوم عليهم بعقوبة الحبس مدة لا تزيد علي ثلاثة أشهر أو المحكوم عليهم مدة تزيد على ذلك إذا كانت المدة المتبقية للتنفيذ وقت صدور الحكم أقل من ثلاثة أشهر (بسبب خصم مدة الحبس الاحتياطي).

وكذلك تنفذ أحكام الإكراه البدني في السجون المركزية إلا إذا ضاقت بهم فينقلون إلى السجون العمومية ، أو إذا كان السجن العمومي أقرب إلى مقر النيابة (م14 من قانون السجون).

والواقع أنه لا يوجد فارق بين السجون العمومية والسجون المركزية فكلاهما يخضع لذات النظام العقابي ويكلف فيها المحكوم عليهم بذات الأشغال , وما الفارق بينهما إلا بصدد مدة العقوبة فقط ، وكان ذلك من بين حججنا في تأييد فكرة توحيد العقوبات السالبة للحرية.       
5-                  السجون الخاصة:
     السجون الخاصة Les prisons spécialisés  نوع من السجون المتخصصة من حيث فئات المحكوم عليهم أياً كانت مدة عقوبات. وقد جاء النص عليها في قانون رقم 180 لسنة 1949 وأعيد النص عليها في قانون السجون الحالي (م1). إلا إنه لم ينشأ حتى الآن سجون خاصة بمصر لتطلبها عدد من الخبراء والمشرفين والفنيين وقدرات مادية ومالية كبيرة.

ولا يفوتنا أن نشير إلى أنه إذا كان المشرع المصري لا يعرف – بحسب الأصل - إلا السجون المغلقة أياً كانت ظروف المحكوم عليهم ، إلا أن التجارب والأنواع الأخرى من المؤسسات العقابية ليست بالغريبة علي النظام العقابي المصري. حيث أخذت مصر بنظام المؤسسات العقابية شبة المفتوحة حينما أنشئت سجن المرج متوسط الحراسة بناء علي قرارات وزير الداخلية في أغسطس 1956. وهو نوع من السجون العمومية الذي أنشئ بغرض نقل المحكوم عليه إليه في الفترة السابقة على الإفراج بقصد إعادة تأهيله.

وقد جاء الأخذ بفكرة هذا السجن شبة المفتوح أو متوسط الحراسة علي أثر توصيات حلقة دراسات الشرق الأوسط لمكافحة الجريمة ومعاملة المسجونين التي عقدت بالقاهرة سنه 1953 حول السجون المفتوحة ، وكذلك تنفيذاً لما أوجبته المادتين69 و80 من لائحة السجون بالمرسوم رقم 108 لسنة 1949 من ضرورة أن يمر المسجون الذي تزيد مدة بقائه في السجن على خمس سنوات بفترة انتقال.

وفي عام 1965 تكررت تجربة المؤسسات شبه المفتوحة في مصر بإنشاء معسكر عمل للمسجونين بمديرية التحرير بموجب قرار مدير مصلحة السجون الصادر في 30 نوفمبر 1965. وبهذا السجن يودع المحكوم عليهم الذين لا تقل أعمارهم عن عشرين عاماً ولا تزيد على خمس وأربعين عاماً متى كان الحكم صادر بعقوبات قصيرة المدة ، ومتى ثبت حسن سيرهم وسلوكهم وكان لا يوجد منهم خطورة على الأمن العام ولا يخش هروبهم.

وهذه التجارب تكررت فيما بعد بالعديد من المناطق الجديدة بهدف استصلاحها , من ذلك سجن الطريق الصحراوي وسجن القطا وسجن دمنهور[3].



[1] د. يسر أنور علي ود. آمال عثمان , المرجع السابق , ص388 , د. محمود نجيب حسني , المرجع السابق , ص59.
[2] وكلمة ليمان كلمة يونانية تعني الميناء. وسبب التسمية يرجع إلي أن الأشغال الشاقة وقت أن كانت مطبقة كانت تنفذ في مصر في سجن ميناء الإسكندرية.
[3] د. يسر أنور علي ود. آمال عثمان , المرجع السابق , ص 397-398 ، د. أحمد شوقي أبو خطوة , المرجع السابق , ص549-550 ، د. محمد عيد الغريب , المرجع السابق , ص182-183.

Post a Comment

Previous Post Next Post