الشعر
( 1 ) فتح مكة ..... لأحمد محرم
- أحمد محرم - من شعراء الاتجاه الإسلامي بمصر - ثقف نفسه بالمداومة على القراءة .
- نظم الشعر صغيرا - متجها إلي الشعر التقليدي .
- اتصل بشعراء جيله ، ونظم القصائد الوطنية والإسلامية التي لاقت إعجابا كثيرا .
- عاش عفيف اليد ، فلم يمدح ، ولم يتقرب بشعره لأحد .
فتح مكة
أ -
1- الله أكبر ، جاء الفتح ، وابتجهت
للمؤمنين نفوس ، سرها وشفي
2 - مشي النبي يحف النصر موكبه
مشيعاً بجلال الله مكتيفاً
3 - أضحي أسامة من بين الصحاب له
ردفاً ، فكان أعزَّ الناس مرتدفا
4 - لم يبق إذ سعطتْ أنوار غرته
مغني بمكة إلا اهتز أو وجفا
5 - تحرك البيت ، حتي لو تطاوعه
أركانه خف يلقي ركبه شغفاً
6 - وافاه في صحبه من كل مزدلف
فلم يدع فيه للكفار مزدلفا

الله أكبر : ( أكبر ) اسم تفضيل ، حذف المفضل عليه لشمول وعموم الصفة لله تعالي، وأنه أكبر من كل شيء ، فلا يجوز أن يكون طرف آخر للمفاضلة .
الفتح : المراد فتح مكة - قال تعالي ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا )
موكبه : الموكب جماعة من الناس يسيرون ركبانا ومشاة في زينة أو احتفال .
ابتهجت : امتلأت سروراً بالفتح .
جلال الله : عظمته وتترهه فوق كل شئ .
غرته : الغرة أول كل شئ وأكرمه ، ومن الرجل : وجهه ، جمعها = غرر
مغني : المكان - المنزل الذي غني به أهله ، جمعه ( مغان )
وجف : خفق ، وأصله للقلب حين يخفق من الخوف ، أو يرتعد .
خف : صار خفيفاً - أسرع ، فيستطيع الحركة بسرعة .
شغفا : شدة الحب والشوق .

شرح الأبيات :
الله أكبر ، لقد تم فتح مكة ، وها هي نفوس المؤمنين قد امتلأت سرورا، وشفيت مما كابدته من ألم البعاد طوال سنوات الهجرة ، وشفيت مما كان يؤلمها من كيد الكفار وإيذائهم . وها هو الرسول - صلي الله عليه وسلم - يخرج من المدينة في جلال النبوة ، مشمولا برعاية الله وتأييده ،وقد أردف أسامة ابن زيد خلفه ، فنال أسامة بذلك شرفاً عظيماً ، وما إن أشرق النبي - صلي الله عليه وسلم - بنور وجهه على مكة . واقترب منها حتي شمل أهل مكة فرح غامر ، وما من بيت إلا قد فرح بهذا اللقاء الحبيب ، حتي البيت الحرام لو كان يملك الإسراع لخرج مسرعأً للقاء الحبيب القادم إليه .

التحليل والتذوق :
1- الله أكبر : استهلال يملأ النفس عزا وعزما ، وقوة وثقة واطمئناناً ، وهو هتاف المسلمين ونشيدهم في كل موقف فيه نصر وظفر ، لأن الله أكبر من كل كبير وأعظم من كل عظيم ، وما داموا مؤيدين به فلا خوف يعرف نفوسهم ، ولن يهزموا أبدا ، وهو افتتاحية تؤكد حدوث البشري العظيمة ، تناسباً مع الموقف .
- جاء الفتح : تم الفتح الأكبر ، فتح مكة ، استعارة مكنية - تجسم الفتح شخصا جاء قوياً ، مستخدما الفعل الماضي ( جاء ) ليؤكد ثبوت حدوثه ، ( الفتح ، النصر ) الفتح يجمع بين النصر المادي والمعنوي . وهو إيحاء لعهد جديد من الانتصارات الآتية - وكأنه فاتحة الباب لها ، وهو أدق من ( النصر ) لأن النصر هو انتصار أحد الطرفين في معركة أو مباراة ، ولم يكن ذلك في فتح مكة ، وهو تأثر بقوله تعالي (إنا فتحنا لك فتحا مبيناً ) .
- ابتهجت للمؤمنين نفوس سرها وشفي :
- نتيجة مترتبة على تمام الفتح وتحققه . ( للمؤمنين ) أسلوب قصر بتقديم ما حقه التأخير يفيد التخصيص للمؤمنين بأنهم وحدهم الذين ابتهجت وسرت وشفيت نفوسهم .
- ( ابتهجت ، سرها ، شفي ) تصوير لمراحل ازدياد آثار الفتح في نفوس المسلمين ، فقد ابتهجت وحتى امتلأت سروراً ، خلصها وشفاها مما كانت تكابده من آلام الغربة عن الديار والأهل ومن العذاب الذي لاقاه المسلمون من الكفار قبل الهجرة .
- أسلوب البيت : أسلوب خبري للتقرير والتوكيد ، وإعلان الفرحة بالنصر .
وهذا البيت إجمال للموقف كله ، سيأتي بعد تفصيل الأحداث منذ خروج النبي وصحبه الكرام من المدينة حتي تطهير الكعبة ، وانتصار الحق .
ولقد وفق الشاعر في ذكر الفتح والبهجة أولا ليطمئن النفوس ، ثم يقص الأمر بعد ذلك تفصيلاً .
2- مشي النبي ( ص ) : ( مشي ، سار ، أسرع ) مشي أدق الكلمات في موقعها تناسبا مع وقار النبوة وجلال صاحبها ، وإشارة إلي الثقة والاطمئنان . أما ( سار ) فإلي مكان ، و( أسرع ) توحي بالخوف والفزع والاضطراب ... وهذا لا يتفق مع الموقف ولا صاحبه - صلي الله عليه وسلم .
- يحف النصر موكبه : استعارة مكنية ، تصور موكب النبي وصحبه محوطاً محفوظاً بالنصر ، وكأن النصر شئ حسي حول موكب الرسول وصحبه .
( موكبه ) الموكب لا يكون إلا في النصر والبهجة ، واستعمالها دقيق لتناسبه مع ( يحف النصر ) وإيحاء بعظمة جماعة النبي وهم حوله كثرة بين راكب وراجل .
- يخف ، مشيعاً ، مكتنفا : ثلاث صور تؤكد شمول رعاية الله تعالي لموكب النبي وأصحابه منذ خروجهم من المدينة حتي تم الفتح ( مشيعاً ) عند الوداع ساعة الخروج ، ( مكتنفا ) مشمولا بالرعاية والنصر طول الطريق وساعة الفتح .
3- أضحي أسامة من بين الصحاب : البيت حشو على الموقف ، فليس له أثر في تسلسل الأحداث ، أو في تصوير الفتح المبين .... لذا يمكن حذفه .
4 - أسعطت - إضاءات - ظهرت : ( سطعت ) أفضلها لإيحائها بالشمول والقوة ، وتناسباً مع ( أنوار ) جمع ، التي عمت بيت في مكة .
- لم يبق .. إلا اهتز : أسلوب قصر - طريقته النفي والاستثناء للحصر والتوكيد ، أي شمول الأثر كل بيت على اختلاف تأثره .
- اهتزا أو وجفا : ( اهتز ) إشارة إلي بيوت المسلمين التي اهتزت فرحة وشوقاً بقدوم النبي - صلي الله عليه وسلم - و( وجفا ) إشارة إلي بيوت الكفار والمشركين التي خفقت خوفاً وذعراً .
5- تحرك البيت حتي ... : تعبير مجازي جميل يشير إلي شدة الفرحة التي عمت كل بيوت المسلمين في مكة ، وقبلها جميعا ( البيت الحرام ) لأنه الأعظم والأهم وأكثرها فرحة .
- خف - شغفا : إيحاءات بشدة ما يملأ مكة عامة والبيت الحرام خاصة من شدة اللهفة شوقاً للقاء موكب النبي وصحبه - لأنهم سيخلصونه ويطهرونه من رجس الجاهلية والأصنام .
- وافاه في صحبه من كل مزدلف : ( وافاه ) وصل إليه إيجاء بأنه أوفي بعهده مع البيت الحرام ( في صحبه ) ( في جيشه ) في صحبه تناسب المقام لأن النبي - صلي الله عليه وسلم - لم يكن مع جيش محارب ، إنما كان في موكب المسلمين المنتصرين ، ولم يحدث قتال ، و(صحبه ) فيها صدق رفاق من المهاجرين والأنصار .
- من كل مزدلف ، لم يدع للكفار مزدلفا : مزدلفا الثانية تشبه الأولي وهذا فن بديعي يسمي رد العجز ( التالي ) على الصدر ( الأول ) وجاء استخدامه هنا موقفا لبيان الفرق بين موقف المسلمين وموقف الكفار من البيت .

* تعليق على الأبيات 1 - 6
1 - تدور الأبيات حول ثلاثة أمور هي :
(1) البدء بتحقيق الفتح الأكبر ليطمئن النفوس مقدماً .
(2) تصوير لخروج النبي وصحبه من المدينة متجهين إلي مكة ، تحوطهم رعاية الله وتأييده .
(3) اقتراب النبي وصحبه من مكة . والفرحة الكبرى التي عمت كل بيت ، ووصولهم إلي البيت الحرام وتطهيره من الكفار .
(4) الأبيات كلها أسلوبها خبري، تناسباً مع سرد أحداث الفتح العظيم .
(5) تسلسل الأحداث منذ الخروج من المدينة ، حتي دخول البيت الحرام في إيحاز ووصف دقيق ( إلا كان إرداف أسامة خلف النبي فهو حشو زائد )
(6) الصور الخيالية قليلة لأن الحدث الواقعي أبلغ من أن يحتاج إلي خيال يصوره .

* ثم ينتقل إلي تصوير ما حدث للكفار وأصنامهم : -

7 - العاكفون على الأصنام أضحكهم
أن الهون على أصفانهم عكفاً
8 - كانوا يظنون ألا يستباح لها
حمي ، فلا شمما أبدت ولا أنفا
9 - نامت شياطينها عنها منعمة
وبات ما ردها بالخزي ملتحفاً
10- هوت تفاريق ، وانقضت محطمة
كأنها لم تكن إذا أصبحت كسفا

العاكفون : الملازمون للأصنام الملتفون حولها ، الهوان : الذل
يستباح : يطلق ويصبح مباحاً ، حمي : الشيء الذي لا يقرب
الشمم : الكبرياء والعزة والإباء ، أنفا : رفعة وعلوا
ما ردها : كبيرها - المرتفع فيها ، ملتحف : مغطي

* شرح الأبيات :
[ لقد أصاب الكفار والمشركين ذهول أضحكهم سخرية حين رأوا الأصنام التي كانوا عاكفين عليها قد ذلت وهانت ، وهي أمامهم ملقاة محطمة على الأرض متناثرة ، بعد أن كانت عالية منصوبة ، يا للذل ويا للهوان ، إنها لم تظهر أي مقاومة ، ولم تدافع عن نفسها ، لم تبد أي عزة أو كرامة ]

* التحليل والتذوق :
- العاكفون : إشارة إلي الكفار وكيف كانوا يقدسون الأصنام ويلازمونها .
- على الأصنام : لم يقل ( علي عبادة الأصنام ) لأنها في الحقيقة ليست عبادة ، وإنما هي مجرد أصنام .
- الهوان على أصنامهم عكفا : استعارة مكنية ، جعل الهوان شخصا عاكفا ملازما للأصنام ، بعد أن كانوا هم العاكفون عليها . ( على أصنامهم ) تقديم للتخصيص - تخصيصها بعكوف الهوان والذل عليها .
- العاكفون ... عكفا : رد العجز ( عكفا ) على الصدر ( العاكفون ) وهو رد جيد للربط بين العكوفين . وكيف انقلب الأمر عليهم وعلى أصنامهم ذلا وهوانا .
- كانوا يظنون : ( يظنون ) إيحاء بأن ما كانوا عليه من تقدير للأصنام هو في الحقيقة ( ظن ) .
- فلا شمماً ... ولا أنفا : كناية عن الذل والهوان الذي لازمها منذ حطمت ، وعطف ( أنفا ) على ( شمما ) لتوكيد الهوان ، وزوال كل شمم وكل أنف لها .
- ما ردها بالخزي ملتحفا : لقد تحطم كبير الأصنام وبات ليلا ... فهي استعارة تؤكد دوام الخزي والذي عليه وعلي من هم دونه من بقية الأصنام . ( المارد ) إيحاء بالشر والفساد .
- ( هوت تفاريق ، وانقضت محطمة ، أصبحت كسفاً ) ثلاث جمل بمعني واحد - وإن قيل إنها لبيان انتهاء كل الأصنام - لكنها حشو زائد لم يقدم معني جديداً على ما جاء في البيتين السابقين .
التعليق على هذه الأبيات :
( 1 ) أجاد الشاعر تصوير ما انتهت إليه الأصنام من ذل وهوان وتحطيم .
( 2 ) الأبيات سرد لما كانوا عليه - وهو أقرب إلي النظم أكثر من الناحية الفنية .

جـــ - لقد ضاعت الأصنام وضاعت معها الأوهام والجاهلية والباطل ، يقول :
11- لم يبق بالبيت أصنام ولا صور
زال العمي ، واستحال الأمر فاختلفا
12- للجاهلية رسم كان يعجبها
في دهرها فعفت أيامها وعفا
13- لا كنت يا زمن الأوهام من زمن
أرخي علي الناس من ظلمائه سجفا
14- إن الشريد الذي قد كان يظلمه
ذو قرابته قد عاد فانتصفا
15- رد الظلامة في رفق وإن عنفوا
ولو يشاء إذا لاشتد أو عنفا
16- إن الرسول لسمح ذور مياسر
إذا تملك أعناق الجناة عفا
17- شكرا محمد إن الله اسبغها
عليك تعمي ترامي ظلها وضفا
18- وعد وفي لإمام المرسلين به
والله إن وعد الرسل الكرام وفي
صور : كل ما يعلق من رسوم في الكعبة ، العمي : عدم الإبصار : الضلال
استحال : تحول ، رسم : أثر
عفت : زالت ، ( عفا ) زال ، ظلمائه : ضلاله وكفره
سجفا : مفرده ( سجاف ) ستارة ، أسبغ : أعطي
ترامي : امتد ، ضفا : عم وفاض
[ لقد انتهت الأصنام وزالت الرسوم ، وانتهي عهد الكفر والضلال ، وتغير الحال إلي التوحيد والإيمان ... كم كانوا في الجاهلية متمسكين بما فيها من كفر وشرك ... ولكنها زالت وزالت كل آثار الكفر الذي حجب عن العقول نور الحقيقة ... وها هو النبي - صلي الله عليه وسلم - يعود إلي مكة فاتحاً مؤيدا بعون الله ونصره ، ورغم أن أهله من قريش ومكة آذوه إلا أنه كان رفيقاً بهم ، فعفا عنهم رغم قدرته على الانتقام منهم - لكنه خلقه الكريم " العفو عند المقدرة" فالشكر لله يا محمد على نعمه التي شملت ، وعلى العهد الذي تحقق ، فلن يخلف الله وعده ] .

Post a Comment

أحدث أقدم