النثر - ياشباب العرب - مصطفى صادق الرافعي
يا شباب العرب - لمصطفي صادق الرافعى
التعريف بالكاتب :
(1) ينحدر الرافعي من أسرة سورية الأصل استقرت بمصر ، حيث ولد الأديب الكبير سنة 1298هـ ، وتلقي علومه الأولي ، ولم يتم دراسته بالمدارس لعائق صحي ألم به ، وعوض هذا النقص بالاعتماد على نفسه ، فتابع تحصيله بالقراءة الدائبة للكتب ، وساعده على ذلك مكتبة والده التي ضمت كثيراً من الكتب العربية والإسلامية ، كان محبا للاعتكاف في بيته ، لا يحب الاختلاط بالناس فساعده ذلك على كثرة الإطلاع والقراءة على كثير من كتب اللغة والأدب والدين .
صفاته وأخلاقه :
1- كان متمسكا بدينه ميالا إلي الفضائل .
2- كان يدعو إلي التمسك بأخلاق السلف ، وترك ما جاءت به الحضارة الأوروبية من عادات وتقاليد مخالفة .
3- كان يدعو إلي التمسك باللغة العربية الفصحى ، والأدب العربي القديم .
4- هاجم دعاة التجديد كالعقاد وطه حسين ، وكانت له معهم معارك أدبية حامية يحملها كتابة ( على السفود ) ، ( تحت راية القرآن ) .
أسلوبه :
1- أسلوب خاص وليس بالمرسل ولا المسجوع المقيد .
2- يجمع بين عمق الفكرة وسمو العبارة وجمال البيان .
النص :
يقولون إن في شباب العرب شيخوخة الهمم والعزائم ، فالشبان يمتدون في حياة الأمم وهم ينكمشون ، وإن اللهو قد خف بهم حتي ثقلب عليهم حياة الجد ، فأهملوا الممكنات فرجعت كالمستحيلات . وإن الهزل قد هون عليهم كل صعبة فاختصروها ، فإذا هزئوا بالعدو في كلمة فكأنما هزموه في معركة ، ,إن الشاب منهم يكون رجلاً ، ورجولة جسمه تحتج على طفولة أعماله .
ويزعمون أن هذا الشباب قد تمت الألفة بينه وبين أغلاطة ، فحياته حياة هذه الأغلاط فيه ، وأنه مقلد للغرب في الرذائل خاصة ، وبهذا جعله الغرب كالحيوان محصوراً في طعامه وشرابه ولذاته .
يا شباب العرب ، من غيركم يكذب ما يقولون ويزعمون ؟ من غيركم يجعل النفوس قوانين صارمة ، تكون المادة الأولي فيها قدرنا لأننا أردنا ؟
ألا إن المعركة بيننا وبين الاستعمار معركة نفسية ، إن لم يقتل فيها الهزل قتل فيها الواجب ، والشباب هو القوة ، فالشمس لا تملأ النهار في أخره كما تملؤه في أوله
يا شباب العرب ، اجعلوا رسالتكم إما أن يحيا الشرق عزيزا ، وإما أن تموتوا .

اللغويات :
شيخوخة : ضعف وفتور ، العزائم : جمع ( عزيمة ) الصبر والجلد والتحمل .
الهمم : جمع ( همة ) العزم على عمل شئ ، يمتدون : يتقدمون
ينكمشون : يتراجعون ، اللهو : ما يشغل الإنسان من هوي وطرب .
خف بهم : استهان بهم ، الممكنات : السهلة التي يمكن عملها ز
الهزل : عدم الجد في الكلام أو العمل ، هون : سهل ، خفف
اختصروها : استغنوا عن كثير منها وتركوها ، صارمة : قوة نافذة
قدرنا : استطعنا وتمكنا مضارعة ( تقدر ) .
الشرح :
* شاع في الناس أن شباب العرب قد ضعفت همتهم ، وضاعت عزيمتهم . في وقت نهض فيه شباب الأمم الأخرى ، إن الشباب في كل أمة هم عامل التقدم وازدهار ، لكن شباب العرب صاروا عامل انكماش وانحسار وتخلف وجمود في أمتهم . وكذلك تري الجد والعمل الدائب من سمات الشباب في كل مكان إلا أن شباب العرب قد استبد بهم اللهو والهوى حتي صارت الأمور السهلة اليسيرة بالنسبة لهم أشياء صعبة مستحلية في نظرهم ، كما قال المتنبي [ وتعظم في عين الصغير صغارها ]. لقد طغي عليهم الهزل وعدم الجد ، حتي أصبحوا يعتبرون مجرد السخرية بالكلام على العدو انتصارا ساحقا قويا في معركة فاصلة لقد صاروا رجالا في أجسامهم ، لكنهم كالأطفال في أعمالهم ، لقد تعودوا الخطأ ، فصار عادة لهم ، وسمة تميزهم ، حتي أن الغرب يعاملهم معاملة الحيوان ، يعرف أن كل مطامحهم في الطعام والشرب واللذات - ولا قدرة لهم على شئ غير ذلك . والشئ الذي أتقنوه هو تقليد الغرب في المفاسد والرذائل.
فيا شباب العرب ..... من فيكم ينهض ويكذب هذا الزعم الغربي المشين ، من منكم يجعل من نفسه حكماً وقانوناً نافذاً - يحقق بقدرته الكامنة وإرادته القوية كل ما يجب أن يتحقق !!.
إن المعركة بيننا وبين الاستعمار معركة نفسية ، إذا لم يقتل الهزل واللهو فسوف يقتل الجد والواجب - والشباب هم قوة الأمة وطاقتها المبدعة ، فهم للأمة في عزمهم القوي كالشمس في وضح النهار .
يا شبابنا العربي : اجعلوا هدفكم في الحياة هو أن نحيا كراماً ويحيا الشرق عزيزاً حراً أو الموت .
التحليل والتذوق :
- شيخوخة الهمم والعزائم : كناية عن ضعف الشباب ، وضياع عزمهم وقوتهم ، واستعارة مكنية شبه الهمم والعزائم برجال ضعفوا مع الشيخوخة وتقدم العمر .
- الهمم ، والعزائم : عطف العزائم على الهمم ليؤكد ضياع كل مقومات ومظاهر القوة والجد ، فالهمة هي النية على عمل شئ ، والعزيمة الصبر والتجلد على تنفيذه ، فلا هم أقويا ء ولاهم صابرون ذووجد .
- الشباب يمتدون : استعارة مكنية شبه الشباب الأمم بأشياء حسية تتمدد وتنطلق بالحرارة - التي هي قوة الشباب وعزمهم .
- يمتدون × ينكمشون : طباق للموازنة بين حال الشباب الأمم ( يمتدون ) وحال شباب العرب ( ينكمشون ) وهو يوحي باللوم والتعنيف لشباب العرب ، ويؤكد أن حال الأمة يقاس بشبابها ، تقوي بقوتهم وتضعف بضعفهم .
- خف بهم اللهو : كناية عن تملك الاستهتار والعبث بهم .
- ثقلت حياة الجد : استعارة مكنية ، تجعل حياة الجد والعمل حملاً ثقيلاً على شباب العرب ( هم ) ضمير يعود على شباب العرب .
- أهملوا الممكنات : كناية عن مدي عجزهم عن عمل أي شئ وممكن لضعفهم وخورهم .
- رجعت كالمستحيلات : تشبيه للأشياء السهلة الممكنة صارت في نظر شباب العرب كالأمور المستحيلة . وهذا الدليل وإيحاء لمدي عجزهم وضعف عزيمتهم .
- الممكنات × المستحيلات : طباق للموازنة بين موقف شباب العرب من الممكنات والمستحيلات .
- إذا هزئوا بالعدو في كلمة فكأنما هزموه في معركة : تشبيه يوحي الأسف والأسي - حين يصور مجرد الاستهزاء الكلامي بالعدو - كالشجب والرفض قد صار في نظر شباب العرب الضعاف انتصاراً حاسماً في معركة قوية .
- رجولته تحتج : استعارة مكنية تجعل الرجولة شخصا يحتج على ضعف الشباب . وهي توحي بأنهم في داخلهم غير راضين عما يتحلون به من ضعف وهزل .
- تمت الألفة بينه وبين الإغلاظ : كناية عن تعوده الإغلاظ وارتباطه بها .
- حياته حياة هذه الإغلاظ فيه : كناية عن أنه جعل كل حياته لهذه الإغلاظ ، فصارت هي حياته وعمله وصفاته .
- مقلد للغرب في الرذائل : كناية عن اتصاف شباب العرب بصفات الغرب المرذولة ( في الرذائل ) خصها ليدل على أنها هي كل ما تعلمه من الغرب - ولم يقلده في الفضائل كالعلوم والمخترعات .
- جعله الغرب كالحيوان : تشبيه لشباب العرب في نظر الغرب بالحيوان الذي لا يهمه غير الطعام والشراب واللذة - وهو تشبيه يوحي بسخرية الغرب بالشباب العربي واحتقارهم .
- يا شباب العرب : أسلوب إنشائي طلبي ( نداء ) غرضه الحث والإثارة .
- يجعل النفوس قوانين صارمة : تشبيه للنفوس في قوة تحكمها في الإنسان ، وجعله قويا محتملا بالقانون الصارم .
- قدرنا لأننا أردنا : تشبيه لهذا السلوك العظيم بالمادة الأولي في قانون حياة شباب العرب .. وهو يوحي بأنهم يمكنهم بما عندهم من قدرات أن يحققوا كل ما يريدون في الحياة من عظائم الأمور .
- يقتل الهزل : استعارتان مكنيتان تصوران الهزل والواجب بشخصين إن لم يقتل.
- يقتل الواجب : أحدهما سيقتل الثاني
وهي توحي بأنه لا وجود للواجب الذي يجب أن نعمله وأن نتحلى في وجود الهزل والاستخفاف بالأمور .
- الشمس لا تملأ النهار في أخره كما تملؤه في أوله : تشبيه ضمني - يريد أن يشبه الشباب بقوتهم وعزيمتهم بمثل الشمس تكون قوية في أول النهار - أما الشيوخ فهم ضعاف كالشمس في أخره النهار .
- يا شباب العرب : أسلوب إنشائي طلبي نداء الغرض البلاغي له ( الحث والتنبيه ) .
- اجعلوا : أسلوب إنشائي أمر للنصح والإرشاد .
- يحيا × تموتوا : طباق للموازنة بين الحياة العزيزة أو الموت - وهي توحي بإثارة الهمم لحياة عزيزة .
التعليق العام :
1- بدأ الرافعي مقاله بنداء شباب العرب [ يا شباب العرب ] لأن النداء يناسب تخصيصهم ، وأيضا للإثارة والتنبيه إلي ما هو مطلوب - وكأنهم أمامه يخاطبهم وجها لوجه ، وهذا أبلغ وأوقع في نفوسهم مما لو قال : رسالة إلي الشباب - إلي شباب العرب .
ثم إنه جعل المقال بهذا النداء أقرب إلي الخطبة الحماسية
2- استخدم الرافعي أسلوباً خاصا ليحقق غرضه ، فمرة يتحدث ساخراً [ اللهو قد خف بهم ]. [ الهزل قد هون عليهم كل صعبة ] . [ جعله الغرب كالحيوان ] ومرة مبرهنا مقنعا ، يقول [ الشباب يمتدون في حياة الأمم وهم ينكمشون ] . [ إن لم يقتل الهزل قتل فيها الواجب ] . [ الشمس لا تملأ النهار في أخره ]ٍ - ومرة مفندا الحجج والأدلة الباطلة [ رجولة جسمه تحتج على طفولة أعماله ] ، [ من غيركم يكذب ما يقولون ويزعمون ؟ من غيركم يجعل النفوس قوانين صارمة ؟ ] .
3- يمتاز الرافعي في كتاباته بأمور منها :-
(1) تتبع جزئيات الموضوع الذي يتحدث عنه ودقائقه ، وذلك عن طريق توليد الأفكار والمعاني .
4- أسلوبه يمتاز :
( 1 ) ليس بالمرسل ولا السجع المقيد
( 2 ) سمو العبارة وجمال البيان .
( 3 ) عمق الأفكار
( 4 ) توارد الخواطر
( 5 ) ترادف المعاني
( 6 ) تدفق العاطفة
( 7 ) التراكيب الناصعة
( 8 ) انتقاء الألفاظ الموحية
( 9 ) اختيار الصور التي تجلو الأفكار وتصور العاطفة بدقة وقوة .
5- لجأ الرافعي في هذا المقال إلي أسلوب العرض - فهو يعرض حالة الشباب العربي وموقفه من الحياة ، ورأي الغرب فيهم . ويبين كيف صاروا ضعافا غير قادرين على أي شئ جاد - ولهذا نجد أفكاره منظمة واضحة ......
6- استخدام الرافعي طريقة التضاد ، فبضدها تتميز الأشياء - فوزان بين شباب العرب والشباب غيرهم - وبن موقفهم من أمور الحياة وموقف غيرهم . وعدد مزاعم الغرب والأعداء ، وحث شباب العرب على تكذيب ذلك - لأن التضاد من أقوي الأساليب بيانا وأقواها حجة .
7- النص جزء من مقال لكنه جاء في صورة خطبة - لأنها أقوي تأثيراً من المقال .

Post a Comment

أحدث أقدم