الدخول
في الصلاة وأسراره النفسية
دين
الإسلام لم يترك شيئا من تشريعاته إلا كملها وجملها، ومن هذا التكامل الجميل
الدخول في الصلاة، فكل ما يسبق الصلاة من شعائر هو في حقيقته تحضير لإقامة هذه الفريضة العالية القدر، فالوضوء
والتوبة والدعاء كلها تسبق الصلاة وكلها من خصوصيات التحضير لها قبل الدخول فيها
ثم يأتي أدب استئذان المصلي عندما يقرع باب رحمة ربه قبل أن يدخل إلى ساحة مناجاته
فيتجه إلى القبلة، ويردد عبارات الأذان، دون أن يكررها، وفي سرعة دون إبطاء، وهذه
صيغة الإقامة كما جاء في حديث جابر" إذا أ ذّنت فترسل في أذانك وإذا أقمت
فأحدر" وهي بمثابة الاستئذان قبل أن يدخل المصلي في صلاته والأذان هو
البداية، وهو النداء للإعلام بحلول وقت الصلاة، ويبدأ الأذان بالتكبير وينتهي بالتهليل وكل مقاطع
الأذان عبودية خالصة لله سبحانه فالعبارات كلها تدور في فلك العبودية، وفي فلك التوحيد
الخالص، وهو أجمل وأصدق عبارات تعلن عن حقيقة ما تدعوا إليه . والأذان رمز لعظمة
الله وعظمة دينه وعظمة الصلاة نفسها وعظمة ما تهدف إليه، مظهر الأذان جوهره دعوة
إلى الهدى والفلاح " حي على الصلاة حي على الفلاح"ها قد حان وقت الصلاة،
فعلينا أن نبادر فنتهيأ ونستعد ونترك ما في أيدينا، إلا أن يكون مصلحة عامة لا
يجوز تأخيرها أو أمرا يتعلق بحياة إنسان، فهذه أمور يجوز أن تؤخر الصلاة من أجلها،
وفقه العبادات يحدد ذلك ويوضحه الله أكبر الله أكبر من كل ما نحن فيه، الله أكبر
من الدينا كلها ولو اجتمعت، أشهد أن لا إله إلا الله لا نعبد غيره ولا نركع لسواه.
فلنترك
إذن ما نحن فيه، فلا خير في عمل يشغلنا عن
طاعة الله، ويبعدنا عن رحمته.
وكما
أن للصلاة وما يسبقها وما يلحقها من شعائر أسرارا نفسية، فإن للأذان كذلك أسراره
ولا يمكن للإنسان أن يحصي ما يختفي في جوهر العبادات من أسرار، ولكن هناك من
الأسرار ما يمكن أن نصل إليه بمفاهيم العلم، عندما نتمسك بنصوص السنة، فالسنة
المطهرة توصي من يستمع إلى الأذان أن يردد
مقاطعه كما يسمعها من المؤذن ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول : " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما
صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .. اللهم رب هذه الدعوة التامة
والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة
والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد " .
فإذا
صدقت الاستجابة للنداء، وترك كل مسلم ما يشغله وما يعمله، دون مضرة تلحق به أو
تلحق بغيره، إذا حدث هذا فإن أسرار
الأذان
النفسية تتحقق، لمجرد قطع الأعمال، وتغيير السلوك، والأعمال تتفاوت أثناء سماع
النداء، فمنها الحسن وما هو خير، فإذا قطع الأذان هذا العمل، فهو إلى الصلاة،
وبهذا ينتهي العمل إلىما هو خير منه وأفضل، وهذا بلغه علم النفس تثبيت وتدعيم Reinforcement أما الأعمال السيئة، فان في انقطاعها أعظم فائدة
سلوكية، فإذا كان الحديث أثناء الأذان غيبة أو نميمة أو سلوكاً غير حميد، فان
النداء يقطع هذا السلوك، ويردد المستمع عبارات النداء ويصلي على النبي ويدعو له
بالوسيلة والفضيلة ويستغفر ويتوب ولمجرد أن يفعل المسلم ذلك فإن الفائدة النفسية
قد شملت وعمت، فقد انقطع العمل السيئ، وترك كل مسلم ما يشغله من لهو وتجارة وعبث،
فإذا تكرر ذلك، فهذا يصل بمفاهيم المدرسة السلوكية إلى اضمحلال العمل السيئ
وتلاشيه بطريقة التدرج السلوكي وهو ما يعرف Desenstization وبالمداومة على الصلاة، والمحافظة عليها تتحقق عملية
أخرى سلوكية، وهي إعادة ارتباط السلوك السيئ بسلوك سليم قويم وهو ما يعرف في المدرسة السلوكية بإعادة الارتباط Reconditioning وهذا ما انتهى إليه المفهوم النفسي لحركات الصلاة ،والأذان
مدخل إلى هذا كله، فهو يؤدي دوره في قطع السلوك الذي يجب أن ينتهي الناس عنه، فإذا
تكرر انقطاعه ضعف أثره، وأصبح تغييره أسهل وأيسر، وكانت هداية الله أقرب لمن يلتزم
بأوامره وأيسر على النفس الملتزمة بطاعته وهذه مجرد إشارة لما يتحقق بالأذان من
المفاهيم السلوكية المعاصرة، وهذا ما يشير إليه قول ربنا سبحانه من سورة الجمعة :
(يا
أيها الذين أمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع
ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل
الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها
وتركوك قائماً قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير
الرازقين)(الجمعة :9-11)
وإذا
كانت الدعوة إلى نداء الجمعة خاصة، فهذا بخصوصية السبب، أما بعمومية التشريع، فإن
النداء يتعدى الجمعة إلى الصلوات كلها .هذا بعض ما يتحقق من الأذان بمفاهيمه السلوكية
إذا التزم المصلي بآداب السنة ومتطلباتها العملية وهو قليل نعلمه من كثير علْمه
لله سبحانه، فإذا أقيمت الصلاة فهذا التزام بالدخول فيها، ومن آداب الدخول في
الصلاة، أن يستشعر المصلي عظمة ربه، وأن يكون دخوله في الصلاة بنية الصلاة بمرتبة
الإحسان في العبادة، وهي أعلى مراتب التصور بمفاهيم علماء النفس، وأعلى مراتب
تركيز الانتباه بمفاهيم أهل اليوجا.
Post a Comment